مكتبُ الإشراف التربوي بالسويق والحاجة إلى تجويد الأداء

 

 

Sultankamis@gmail.com

 

سلطان بن خميس الخروصي

 

التعليم حجر الأساس في المنظومة التنموية الوطنية لأي حضارة تتخذ من التحدي قاعدة متينة للانطلاق نحو تأسيس مؤسسات الدولة الحديثة وتهدف لبناء كوادر بشرية فاعلة تسهم بشكل رائد في استثمار الإنسان؛ لترتقي بتجويد قطاعات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي على خُطاها تتشكل ملامح البُنية التحتية للوطن والمواطن، وقد لا يخفى على ذي بصيرة أن المؤسسة التربوية في عُمان خطت أشواطا كبيرة نحو تطوير منظومة التعليم بمختلف قطاعاته في سبيل صناعة جُملة من الرؤى والاستراتيجيات الوطنية المسؤولة؛ لجعل التعليم رأس مال دائم للاستثمار القويم بمختلف الصور والأشكال ومنها الابتعاد عن المركزية في توزيع المهام واتخاذ القرارات التي تخدم التربية والتعليم عبر استقلالية المديريات التعليمية بمختلف المحافظات استقلالا إداريا وماليا وفنيا مما يُسهِّل على المنتسبين بها إنجاز مختلف المعاملات المتصلة بالحقل التربوي.

ولم تألو الوزارة أي جهد للتخلص من المركزية وتخفيف العبء الإداري والمالي والفني على مديرياتها المتوزعة على ربوع السلطنة؛ حيث عملت على إنشاء مكاتب الإشراف التربوي وفقا لموجب القرار الوزاري (1/2001) والذي على ضوئه حُدِّدت الاختصاصات المنوطة بهذه المكاتب ومنها على سبيل المثال لا الحصر: الإشراف على الهيئة التدريسية والفنية والإدارية والإشرافية للمدارس التابعة للولاية، وتبني البرامج التطويرية الهادفة إلى تجويد الأداء، وتحديد احتياجات المدارس الفنية والتدريسية والإدارية وفقا للمعدلات الوظيفية، وتوزيع الهيئات الإدارية والفنية والتدريسية على المدارس التابعة للولاية، وتحديد الاحتياجات التدريبية لمختلف الفئات التربوية وبرامج الإنماء المهني لموظفي المكتب والملتحقين بمدارس الولاية وتنفيذها، وتزويد المديرية العامة للتربية والتعليم بالتغذية الراجعة حول تنفيذ اللوائح والأدلة والأنظمة التربوية التي تصدرها الوزارة، وتوفير كافة الخدمات التشغيلية المساندة للخدمات التربوية بالمكتب والمدارس التابعة له بالولاية، وإعداد قاعدة بيانات بمختلف عناصر المنظومة التعليمية واستخلاص المؤشرات الإحصائية منها، أضف إلى ذلك الإشراف على الأمور الإدارية والمالية للمكتب والمدارس التابعة له.

 

سعت وزارة التربية والتعليم إلى إنشاء مجموعة من مكاتب الإشراف التربوي في بعض الولايات ذات الثقل السكاني ومنها ولاية السويق بموجب القرار (6/2009) والذي من (المفترض) أن يُمارس المهام الإدارية والفنية والمالية الوارد ذكرها سلفا بصورة (مستقلة) عن المديرية؛ فهو يخدم (38) مدرسة علاوة على المدارس المتوقع إدخالها في نطاق الخدمة مع بداية العام الدراسي القادم، كما أن عدد المستفيدين منه - وفق إحصائية الكتاب السنوي لوزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2012- أكثر من (29862) طالبا وطالبة و(2033) من المعلمين والإداريين ناهيك عن عشرات الآلاف من أولياء الأمور مع العلم أن عدد موظفيه يبلغ (80) موظفا، إلا أنه ومنذ إنشائه في (2009) أبدى المستفيدون منه امتعاضا شديدا سواء من الموظفين المنتسبين للحقل التربوي أو من أولياء الأمور والمراجعين له، وكما قالها لي أحد الذين أجريت معهم مقابلة شخصية "خسارة الفلوس التي تُضخُّ لهذا المكتب وياااااشقى اللي يراجعهم في معاملة لينجزوها"، وانتهاء من مقولة صاحبنا وجدت أن المشكلة الرئيسية تكمن في عدم تمكينه ومنحه الصلاحيات التي تساعده للنهوض في خدمة الولاية فكل شاردة وواردة يُعزى بها للمديرية بصحار، فكم من موظف أو ولي أمر لا يعلم وضعه إلا رب العباد يُمنِّي النفس بإنجاز معاملة تخصه أو تخص ابنته أو ولده أو زوجته يُجبر على قطع عشرات الكيلومترات نحو صُحار في وقت يمكن إنجاز تلك المعاملة في وقت قصير لو كان المكتب يملك الصلاحيات المشروعة له أصلا من الوزارة.

وحتى لا يُحمل المقال على محمل الضغينة والتقصُّد ولكي تُبنى حقائق المقال على مؤشرات وإحصائيات علمية؛ عملت على بناء استطلاع رأي تمت مراجعته وتحكيمه من قبل متخصصين بالحقل التربوي من معلمين ومشرفين وإداريين وأكاديميين، وقد بلغت الاستجابات لمحاور الاستطلاع المئات من المعلمين وأولياء الأمور والإداريين والمشرفين والوظائف المرتبطة بالهيئة التدريسية (الفنيين)، وجاءت نتائج الاستطلاع وفقا لمحاوره الرئيسية من الأعلى نسبة إلى الأقل كالتالي:

 

المحور الأول (الاستقلالية) جاء نص السؤال: هل تشعر أن مكتب الإشراف التربوي بالولاية يتمتع باستقلالية في قراراته الإدارية والفنية والمالية عن المديرية بالمحافظة؟

جاءت النتائج كالتالي: لا (85.6%)، أمتنع عن التصويت (9.2%)، نعم (5.2%).

 

المحور الثاني (الإنجاز) جاء نص السؤال: هل يتم إنجاز المعاملات الوظيفية التي تقدمها لمكتب الإشراف بالولاية مباشرة في المكتب أو يتم توجيهك بضرورة مراجعة المديرية بصحار؟، جاءت النتائج كالتالي: نادرا ما يتم إنجاز الأعمال بالمكتب (53.9%)، أغلب الأعمال تنجز بالمكتب (31%)، كل الأعمال لا تنجز بالمكتب (12.9%)، كل الأعمال تنجز بالمكتب (2.2%).

 

المحور الثالث (مدى الاستفادة) جاء نص السؤال: ما مدى استفادتك من الخدمات المقدمة من قبل مكتب الإشراف التربوي بولاية السويق؟، جاءت النتائج كالتالي: ضعيفة جدا (38.8%)، ضعيفة (24.6%)، متوسطة (14.6%)، عالية (11.6%)، عالية جدا (10.4%).

 

المحور الرابع (طموحاتك): جاء نص السؤال هل تشعر أن مكتب الإشراف بالسويق يحقق طموحات الكادر التعليمي بالولاية؟، جاءت النتائج كالتالي: لا (65.5%)، نعم (18.6%)، أمتنع عن التصويت (15.9%).

 

المحور الخامس (الرضى) جاء نص السؤال: بشكل عام هل أنت راض عن إنجازات مكتب الإشراف بولاية السويق؟، جاءت النتائج كالتالي: غير راض (58.6%)، محايد (25.9%)، راض (15.5%).

 

 

المحور السادس (ملاحظات ومقترحات) جاء نص السؤال: ما هي ملاحظاتك ومقترحاتك التطويرية لمكتب الإشراف التربوي بولاية السويق؟

تباينت آراء المستجيبين حول الملاحظات والمقترحات إلا أن أغلب ما أتفق عليه المستجيبون تمثل في ضرورة منح المكتب صلاحيات مطلقة وفقا للقرار الوزاري (1/2001) حتى يخدم الولاية بفاعلية، كما تساءل الكثيرون لماذا أغلب الدورات التدريبية تنفذ في تكون في صحار دون توفير وسيلة النقل مع وجود بديل لذلك من خلال وجود هذا المكتب؟، وطالب الكثيرون بضرورة اعتماد مبدأ الكفاءة في اختيار موظفيه وتطعيمه بأصحاب المؤهلات العلمية الرائدة في الحقل التربوي وأصحاب الخبرة الفاعلة في مختلف الأقسام بعيدا عن المجاملات، كما طالبت أعداد غفيرة من المستجيبين بإلغائه وفندت ذلك بأنه لا يقدم أي خدمات تذكر لمدارس الولاية وأنه مُستهلِك لميزانية الوزارة والدولة أكثر من كونه مفيد، أظف إلى ذلك أن بعض آراء المنتسبين فيه استهجنت عدم زيارة المدير العام لهم والاجتماع بالموظفين والسماع لحاجات مدارس الولاية منذ إنشائه (2009) إلا مرة أو مرتين مع العلم أن المدير العام يشرف على المكتب بصورة مباشرة وفقا للهيكل التنظيمي، كما أن شريحة كبيرة من المشرفين أبدوا استيائهم حول تهميشهم وإقصائهم عن القيام بأي دور إذ أن جلهم يمارسون عملهم بالمديرية نظرا لأن مكتب إشراف السويق لم يهيأ لهم بيئة العمل الإشرافي من قاعات لإقامة الاجتماعات والدورات والندوات والفعاليات المختلفة أو مكاتب، كما ظهر الاستياء والسخط من المعلمين والمعلمات الذين اعتبروه همزة قطع بين طموحاتهم واقتراحاتهم وملاحظاتهم التي يقدموها للمديرية وعزو المسؤولية كاملة للإدارة التي اعتبروها (غير مبالية) بالمعلمين والفنيين وإدارات المدارس.

ختاما.. نحن بحاجة لأن تقف وزارة التربية والتعليم - وهي المعنية المباشر- على مكتب الإشراف التربوي بولاية السويق وقفة مسؤولة حول ماهية ما يُنجز بين أروقته انتهاجا لسياستها السديدة نحو تطبيق معايير الجودة في استثمار التعليم، فبما أننا ننتمي لهذه المؤسسة العريقة وننضوي تحت لواء هذه الولاية الشامخة؛ فسنكتب ما يراه سكانها من خلال نتائج هذا الاستطلاع واستطلاعات أخرى قادمة حول محاور مختلفة، وذلك لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نتقصَّد مؤسسة ما أو موظفين بعينهم لكننا نمخر عُباب الحقيقة والمصداقية التي حمَّلنا أمانتها عاهل البلاد لبناء جيل متضلِّع بالعلم والمعرفة والمصداقية، وكم يحدونا الأمل أن تُراجَع منظومة مكتب الإشراف بولاية السويق وغيرها من هذه المكاتب لتكون فاعلة ومستقلة بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى.

sultankamis@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك