ماذا بعد سقوط أردوغان؟

بقلم/ علي بن مسعود المعشني

أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بنسبة 41.6% من مجموع الأصوات، مقابل 25% حصل عليها حزب الشعب الجمهوري، و16% لحزب الحركة القومية.

المفاجأة كانت عبر فوز حزب الشعوب الديموقراطي الكردي بنسبة تقارب 13% من إجمالي الأصوات، وهو ما يمكنه من دخول البرلمان التركي لأول مرة في تاريخ الأكراد.

يتكون البرلمان التركي من 550 مقعدًا، ويشترط لحزب مُعين كي يدخل البرلمان أن ينال 10% من إجمالي الأصوات على الأقل. حزب العدالة والتنمية الحاكم جاء في المركز الأول عبر حصده 260 مقعدًا.

حزب الشعب الجمهوري جاء ثانيًا عبر حصده 130 مقعدًا.

حزب الحركة القومية جاء ثالثًا بعدما حصد 82 مقعدًا.

حزب الشعوب الديموقراطي جاء رابعًا عبر حصده 78 مقعدًا.

ويعتبر العدالة والتنمية أبرز الخاسرين

جدير بالذكر أنّ هذه هي المرة الرابعة على التوالي التي يفوز فيها حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية لكن هذه هي المرة الأسوأ في تاريخ الحزب منذ وصوله السلطة.

في انتخابات عام 2002م تمكن الحزب من حصد 363 مقعدًا، وهو ما منحه الأغلبية المطلقة. وفي انتخابات عام 2007م حصد الحزب 341 مقعدًا، ثم 326 مقعدًا في انتخابات عام 2011م.

بينما في الانتخابات الحالية لم يحصد الحزب سوى 260 مقعدًا، ليكون عدد المقاعد الأقل في تاريخ الحزب. نتيجة عدم تمكن الحزب من الحصول على ما نسبته 50% من إجمالي الأصوات؛ فإنّ العدالة والتنمية مضطر الآن للبحث عن ائتلاف حكومي مع حزب آخر ليتمكن من تشكيل حكومة ائتلافية بعدما كان يشكل الحكومة منفردًا في السابق. الحزب في حاجة إلى 16 مقعدًا أخرى كي يتمكن من تشكيل الحكومة خلال مدة 45 يومًا يمنحها الدستور التركي للحزب الفائز لتشكيل الحكومة. وفي حال فشل تكوين الحكومة فإنّ رئيس الجمهورية يدعو إلى انتخابات مبكرة جديدة.

الأسوأ من هذا كان ضياع حلم الحزب بالحصول على ثلثي الأصوات، ليتمكن من تغيير الدستور التركي الذي ينادي الحزب منذ سنوات بتغييره وإمكانية تحويل تركيا إلى النظام الرئاسي بدلًا من البرلماني.

كل ماحدث لأردوغان وحزبه من تراجع مرده الأول والأخير إلى صراع تركي تركي في سياق الديمقراطية الليبرالية التي استوردتها تركيا من الغرب وراقت لها هكذا يبدو المشهد من الداخل التركي، ولكنه من الخارج يبدو انقلابًا حقيقيًا على النهج الأردوغاني الانتهازي والذي سطل به الإتراك طيلة 13 عامًا من حكمه. صور الغرب أردوغان كرجل سوبرمان بكل معنى الكلمة، قفز ببلده في غضون أعوام قليلة قفزات تفوق العقود الثمانية من عمر الجمهورية التركية في التنمية والاقتصاد .

ويعلم العارفون بمجاهل السياسة التركية وتاريخها، أن أردوغان لم يكن سوى شخصية وظيفية استقطبت أنظار الغرب واهتمامه لخدمة مصالحهم، بعد أن سد المناضل نجم الدين أربكان الباب في وجوههم، فكانت البداية انشقاق أردوغان ورفاقه وتشكيلهم لحزب العدالة والتنمية عام 2001م وخروجهم رسميًا من عباءة حزب الرفاه بزعامة أربكان، والذي أوصل أردوغان إلى رئاسة بلدية أسطنبول عام 1994م ليبدأ خطوته الأولى في عالم السياسة والشهرة معًا.

يعترف مؤخرًا (بالصوت والصورة)الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين بمصر (محمد مهدي عاكف) ، بأن وفودًا من الأخوان كانت على تواصل مستمر مع الأمريكان منذ عام 2005م، عبر السفارات الأمريكية أو وفود بعلمه تارة وبدون علمه تارات كثيرة. وهذا يعني أن التنظيم الدولي كان تحت المجهر والاختبار منذ ذلك التاريخ على الأقل، تهيئة للربيع المشؤوم.

ماحدث في عهد أردوغان لم يكن شذوذًا عن القاعدة لسائر التنظيم الدولي للأخوان والطفرة التي شهدتها تركيا، ليست سوى مكافأة مسبقة لدورها المرجو القادم، وفي المجمل لم يكن سوى تداعيات العولمة والتي رمت بظلالها "الحميدة" على الاقتصاد التركي مستفيدة من الامتيازات الاستثمارية والتمييزية والانخفاض الضريبي ورخص اليد العاملة الماهرة التركية، الأمر الذي شكل مناخًا مثاليًا للمصانع الغربية والشركات الإنشائية العملاقة لولوج السوق التركية، وهي حالة نظيرة لما حدث للاقتصاد الصيني من انتعاش نتيجة ذات التداعيات "الحميدة" للعولمة واتفاقيات التجارة الدولية.

في تركيا مؤسسة عسكرية احترافية وعميقة، وهي ليست مؤسسة تقليدية، بل مؤسسة عصرية تعي فنون السياسة والأمن إلى حد يؤهلها أن تكون حكومة ظل ودولة عميقة بداخل دولة ظاهرة تقودها الأحزاب وتشكل مزاجها اللعبة الديمقراطية عبر بوابة الحياة البرلمانية، وبهذا كانت هذه المؤسسة العريقة والعميقة تنظر بعين الريبة والشك لتصرفات أردوغان، وتطاوله عليها وعلى منجزاتها وإرثها العلماني في العصر الجمهوري، ولكنها تعلم في المقابل أن الرياح تهب في صالح أردوغان، وأن الشعب مازال مسطولًا ومفتونًا بمنجزاته، وبالتالي فإنّ مسرح المعركة وتوقيتها ليسا في صالح المؤسسة العسكرية وأن عليها التريث حتى ينتقل الخصم إلى موقع وتوقيت مثاليين للإجهاز عليه.

مصيبة محمد مرسي في حكم مصر أنّه أسقط الخطوط الحمراء وتخطاها بزعم الشرعية وصناديق الاقتراع وكرئيس مدني، متجاهلًا المؤسسات العميقة في مصر ومستفزًا لها، وعلى رأسها مؤسسة الجيش، والأزهر، والقضاء، من هنا فقد وقع في المحظور وتم استدراجه إلى مسرح معركة مليء بأخطائه حتى تم الانقضاض عليه في 30 يونيو 2013م، بعد أن طفح الكيل بالرأي العام وأصبحت الإطاحة به مطلبًا شعبيًا وشرعيًا.

أردوغان ساعدته الظروف وتستر خلف طفرة الاقتصاد والتنمية لتمرير دوره الوظيفي وطموحه القاتل، في إفناء المؤسسات العميقة في تركيا وطي صفحتها وتأثيرها بمزاعم الديمقراطية والحداثة وتطوير الدولة التركية، ولكنه في النهاية سقط في مخطط تذاكيه واستوعب شركاؤه في الوطن ظاهرة أردوغان، ومواطن قوتها وضعفها، فتم إسقاطه بالقوة الناعمة والتي أشهرها مرارًا في وجوه خصومه وهي الديمقراطية.

بكل تأكيد لم يحجب الأتراك 60% من أصواتهم عن أردوغان وحزبه لأنه أنعش اقتصاد بلادهم وقفز بالتنمية قفزات فلكية، بل لأسباب أخرى يعرفونها ويعتقدون بوجاهتها، وعلى رأسها عبث أردوغان بالمجال الحيوي لتركيا وعمقها الإستراتيجي وإحاطتها بالمشاكل والثأرات والاستحقاقات المستقبلية.

ولابد أنّ الروس تنفسوا الصعداء لهزيمة أردوغان وتراجع شعبية حزبه وانكشاف وظيفته، حالهم كحال الصينيين والإيرانيين، والذين يعلمون طموح أردوغان ووقوده.

أما فرحتنا نحن العرب بسقوط أردوغان فمعناها ودلالاتها أننا على خلاف مع أردوغان وحزبه وعدالته "الضيزى" ، ولسنا على عداء مع تركيا ولا مع عموم الشعب التركي، واللذين اقتصا لنا من أردوغان وحزبه ودورهما الوظيفي بما يليق بالجغرافيا والتاريخ والثوابت بيننا، وبما يليق بالجوار الحيوي لتركيا.

فأردوغان تجاوز كل حدود الفنتازيا والتهريج الهوليودي المعروف، وعبث بالمسلمات والمقومات والتاريخ والجغرافيا وكأنها ملك عضوض لجنابه .إذا كانت المنجزات العظيمة للأوطان تخولها التجاوز والتجني على الآخرين وتخطي مصالحهم، فلماذا لم نر هكذا دناءات من مهاتير محمد ولا من لولا داسيلفا، اللذان قدما لوطنيهما ماليزيا والبرازيل مايفوق منجزات أردوغان بمراحل وفوق كل ذلك لم يتعديا على جوار أو يتحالفا مع تكتلات مشبوهة ضد صديق أو حتى عدو.

مشكلتنا ليست مع ما أنجزه أردوغان في وطنه تركيا، فقد افتخرنا به وبها ومعه بكل منجزاته إلى حد الثمالة، قبل أن تتكشف لنا وظيفته وحقيقته وأدواته، ونفهم دور العمق الإستراتيجي وصفر مشاكل ، والتي كانت من أدبيات ولزوميات التسويق والتجميل فقط. من يقاتل الأرض فمصيره الحتمي كمصير أردوغان، ولاعزاء للموظفين مهما تعددت وتنوعت مسمياتهم ومهامهم ووظائفهم.

قريبًا جدًا سنرى أردوغان ورفاقه خلف قضبان محكمة الجنايات الدولية، بتهم جرائم حرب ودعم إرهاب، فكم يروق للغرب أن "يتطهر" ويعيد إنتاج نفسه "كيسوع" المخلص من خلال التضحية بهكذا مغفلين بمسمى حلفاء متعطشين للشهرة والأضواء، كما أطل علينا عبر ربيعه المشؤوم، حين اكتشف "صدفة" أن الشعوب العربية يحكمها "طغاة ومستبدون" !!. وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك