قرقاعة القيظ

عائشة البلوشية

"كما قرقاعة القيظ" مثل يُقال لتشبيه الشخص الضاحك بصوت عال باستمرار وبدون سبب واضح؛ بلعبة كنا نمسكها بفرح في طفولتنا، وهذه اللعبة تنتشر بعد جداد نخيل النغال، وهي مصنوعة من ذلك الجزء الذي يربط عذق الرطب بجسم النخلة، ويعرف بالعسقة، بحيث يتم شق العسقة بشكل طولي من الجانبين، ويتم ثنيهما إلى الخارج لإعطائهما مرونة الحركة، وعند هزّ العسقة تصدر صوتا جميلا كالتصفيق، وما أجمل أن يكون لكل طفل منا قرقاعته الخاصة، فنتبارى في من لديه القوة لإصدار أعلى صوت، وعندما تتعب من الهز وتضعها جانبًا يتناهى إلى سمعك من بعيد صوت قرقاعة غيرك من الأطفال فتهب من فورك لتثبت أنّك تملك القرقاعة الأعلى صوتًا، تذكرت هذا التشبيه وأنا أقضي بعض الأعمال في أحد المجمّعات التجارية، عندما وصلت إليّ ضحكة حادة لإحدى الفتيات وهي تتجول ورفيقاتها أمام واجهات المحلات.

كانت أشهر الصيف تمثل لنا التعب أكثر من أيام الدراسة، ﻷنّها ارتبطت برقاط النخل وعساف اللومي، وغيرها من الأعمال الشاقة التي تنتهي بقرصات الذرة (النمل)، التي تنتشر على أجسادنا الصغيرة من خلال الرقاط والتجوال تحت النخيل في ذلك الجو المُشتعل، ولكننا ﻻ نتأفف؛ ﻷننا نخلق ﻷنفسنا المُتعة من أبسط المواقف والأشياء، فغطسة في ساقية الفلج تذهب بعناء اليوم كله، ووجبة شهيّة من الأمبا الغض أو الناضح تمثل لنا فرحة عظيمة، وبالطبع لن أنسى أننا يوميًا نرتاد حلقة تحفيظ القرآن الكريم لدى المعلم محمد القبيلي رحمه الله، بعد الانتهاء من الرقاط، وينتهي يومنا بعد غروب الشمس وقد أنهك التعب والحر أجسادنا لنغط في نوم عميق.

بقي عدة أيام وينتهي أبناؤنا من امتحانات دبلوم التعليم العام وتبدأ الإجازة الصيفيّة مع شهر رمضان الكريم، فيرتاح الأبناء وأولياء أمورهم بعد عناء عام دراسي كامل، من الاستذكار والمتابعة والدراسة، وينسجمون مع روحانيات الشهر المتدفقة مع العبادات، فيرتاح الجسد وتستكين الروح، ليأتي عيد الفطر حاملا معه الفرح، لتنقضي أيامه سريعة، ويجد الأبناء أنفسهم يجلسون دون نشاط بدني أو عقلي، فتسحبهم شاشات التلفاز والألعاب الإلكترونية ودردشات الهواتف الذكيّة، والتجوّل في المجمّعات التجاريّة لمن استطاع، فلا رقاط يشغلهم وﻻ جمع اللومي يؤرقهم، بل فراغ متسع باتساع الهوة التي بينهم وبين من في البيت، فتمضي الأوقات دون فائدة تذكر، وهنا لا أعمم فهنالك من الأمهات والآباء من أعد برنامجًا ﻷبنائه كي يخرجوا من إجازتهم بما يفيد ثقافتهم ومعلوماتهم، ومنهم من جهّز كتبًا للمطالعة بحيث يقرأون ويعدون ملخصات أسبوعيّة عن كل كتاب يقرأونه، ومنهم من اهتم بالجانب الرياضي لأبنائه..

إنّ من الأهمية بمكان أن نوجد المتنفسات المختلفة ﻷبنائنا بمختلف فئاتهم العمرية، وﻻ أنكر الجهود التي تقوم بها بعض الجهات كوزارة التربية والتعليم للأنشطة الصيفية، ولكنّها مع ذلك تبقى قليلة مقارنة بعدد الفئات العمريّة المستهدفة، وأجزم بأنّه يجب تفعيل دور الأندية الرياضيّة بشكل أكبر، بحيث تصبح نقطة إشعاع اجتماعي للوﻻية التي يوجد بها، كما أنّ الأبنية المدرسيّة لدينا في السلطنة ولله الحمد تمّ إنشاؤها على مساحات كبيرة تتسع لملاعب معشبة، ولو تكامل التعاون بين وزارتي الشؤون الرياضية ووزارة التربية والتعليم وتمّ تأطير آلية تشغيل الأبنية في الفترة الصيفية، لخلقنا جوا من الانتماء والألفة بين الطالب ومدرسته، ولوجد الراحة هو وولي أمره في تفريغ طاقاته الرياضيّة والفنيّة والثقافية في مدرسته طوال فترة الإجازة الصيفيّة؛ ولكن الأهم من ذلك كله هو ما يقع على عاتقنا نحن أولياء الأمور من فتح قناة للحديث والحوار وتبادل المناقشات بيننا وبين أبنائنا، جيلنا ومن سبقونا كانوا يجلسون في المجالس المختلفة وينصتون إلى أحاديث الكبار، فلا آيباد يشغلنا وﻻ حاسوب يسرق وقتنا، وﻻ قنوات فضائية تسحرنا بإعلاناتها وموسيقاها وأفلامها، ولم يكن أمامنا سوى النخل أو البحر لمن كان يقطن على السواحل، أو الجبل لمن سكن الجبال، والجلوس مع الأهل والأقارب والجيران، أمّا اليوم فتشتت انتباه أبنائنا نحو كماليات الحياة العصرية، فابتعدوا وانشغلنا بالتخلّص من التعب والإنهاك الذي يعترينا بعد يوم عمل شاق، فلنغتنم فترة ما بعد العيد لنخلق قناة تواصل قوية مع أبنائنا، بدﻻ من أن ننعتهم بأنهم ليسوا كما كُنا ...

توقيع: "الفراغ هو ألد أعداء استقرار الأمم ونموها".

تعليق عبر الفيس بوك