"آشوبا".. حالة من التعامل الواعي

خلفان العاصمي

بحر العرب وبحسب موسوعة ويكيبيديا هو جزء من المحيط الهندي، يقع بين سواحل شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الهندية، تحده من الشمال إيران وباكستان، ومن الشرق شبه القارة الهندية، ومن الغرب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي، أكبر عرض لبحر العرب هو 2,400 كيلومتر تقريباً، وأقصى عمق له 4,6 كيلومتر تقريباً، وله ذراعان ممتدان هما بحر عمان وخليج عدن، أمّا الدول المطلة عليه فهي الهند، إيران، عُمان، باكستان، اليمن، الصومال والمالديف، وتطل عليه مدن عدة مثل مومباي في الهند وكراتشي في باكستان وفي السلطنة عدد من ولايات محافظات جنوب الشرقية والوسطى وظفار، والمكلا في اليمن، وميركا في الصومال، ويولد بحر العرب الكثير من المنخفضات المدارية التي تتحول في الأغلب إلى عواصف تؤثر على الدول المطلة عليه، ولعل الحالة المدارية آشوبا والتي انتهى تأثيرها المباشر على السلطنة نهاية الأسبوع الماضي بعد أن شغلت المتابعين لها منذ لحظة رصدها كحالة مدارية تكونت في بحر العرب، كغيرها من الحالات التي تتكون مع كل صيف تقريبا وفي ذات التوقيت، ولعل ذاكرة العمانيين خلال هذه الأيام ما زالت تعيش ذكرى إعصار جونو والذي كان الأقوى والأعنف من مجموعة حالات مدارية عصفت بالسلطنة خلال السنوات الأخيرة.

عملية الرصد والمتابعة لآشوبا بدأت منذ وقت مبكر من تكون الحالة سواء عبر الراصدات المحلية أو الدولية والتي أصبح من السهل متابعتها ورصدها مع توفر وسائل التواصل الحديثة، ولعل المتتبع لما تبثه هذه الراصدات يجد فيه نوعا من التباين ما بين المعطيات والقراءة النهائية خاصة مع هذه الحالة، والتي لم تستقر منذ تكونها لا في المسار ولا في التصنيف حيث بدأت بمنخفض تحول إلى عاصفة مدارية إلى أن تراجع إلى منخفض قبيل تلاشيه عند السواحل الشرقية للسلطنة، ومن المهم جدا الحديث عند عملية رصد مثل هذه الحالات عن عدم الالتفات لأية معلومات قد تكون غير صحيحة وغير واقعية يتم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبشكل واسع، نظرًا لرغبة الجميع في معرفة تفاصيل الحالة وتأثيراتها، هذا ما حدا بالقائمين على المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة بالمديرية العامة للأرصاد الجوية وهو أحد أحدث مراكز التنبؤات على مستوى المنطقة على التأكيد بأهمية أخذ المعلومة من مصدرها وهي جملة تذيلت كافة ما أصدره المركز بدءا من البيان الأول وصولا للإشعار الأخير بانتهاء تأثير الحالة المدارية، والتي خرجت من خلالها بمجموعة من المشاهد أولها الثقة والهدوء الذي تعاملت معه الأجهزة الحكومية مع الحالة سواء كان من خلال مركز الإنذار المبكر أو اللجنة الوطنية للدفاع المدني بمقرها الرئيسي وفروعها بمختلف المحافظات، حيث تعامل هذان الجهازان بكل سلاسة مع معطيات الحالة، ولربما التجارب السابقة كان لها الأثر في ذلك حيث أصبحت الأمور على قدر من الوضوح والدقة سواء في الوقت المناسب لإصدار الإشعارات والتنبيهات أو تحديد الوقت المناسب للظهور الإعلامي والحديث للجمهور. المشهد الثاني كان حول تعامل الإذاعة والتلفزيون مع الحالة في كافة مراحلها حيث إن لغة الخطاب كانت واضحة وبعيدة عن التهويل ولكنها شديدة الحرص على التحذير والتنبيه من أجل السلامة العامة، وتقنيا تفوق تلفزيون السلطنة على نفسه هذه المرة عندما خصص قناة عمان مباشر لمتابعة الحالة وانتقل باستوديوهاته ومعداته إلى المركز الوطني للإنذار المبكر لتكون الصورة أكثر قربا من الحدث، وكذلك عبر أجهزة النقل الخارجي التي تواجدت بعدد من الولايات المتضررة من الحالة مع مجموعة من الموفدين لنقل الصورة وكان معظمهم من مراسلي التلفزيون حديثي التعيين حيث بدأ نقص الخبرة في التعاطي مع الحدث واضحا لدى البعض منهم وكنت أتمنى لو تم إلحاقهم بدورة قصيرة في المديرية العامة للأرصاد الجوية وذلك من أجل الوصول للغة مشتركة ما بين الراصدين والمراسلين التليفزيونيين والإذاعيين ومعرفة المصطلحات ومتى وكيفية استخدامها في نقل الصورة، وإن كانت هناك اجتهادات ولكن تبقى اللغة العلمية مهمة جدآ في هكذا حالة. أما المشهد الثالث فكان حول حالة التعبئة العامة والوعي المصحوب لدى المواطن حيث إذا ما قارنا هذه الحالة بالحالات السابقة نجد أنّ المواطن أصبح أكثر وعيا سواء من حيث الاستعداد المادي عبر توفير الاحتياجات الأساسية والضرورية له فقط بدون مبالغة، أو المعنوي في عملية الحرص والحذر والتروي فبل اتخاذ أي قرار له ارتباط بظروف الحالة.

رحلت آشوبا تاركة خلفها صورًا من الإنسانية الجميلة للإنسان العماني تحمل دلالات التكاتف والعطاء والتعاون من أجل عمان ومن فيها.

تعليق عبر الفيس بوك