لماذا تتوقف ترقيات موظفي الدولة المدنيين؟

عبد الله بن علي العليان

بعد انخفاض أسعار النفط في أواخر العام المنصرم، قرأنا تصريحات لمعالي/ درويش بن إسماعيل البلوشي الوزير المسؤول بمجلس الشورى عن الشؤون المالية في نوفمبر العام المنصرم، عن موازنة 2015، وحول ظروف انخفاض أسعار النفط، ومما قاله معاليه في مجلس الشورى: "إن السنة المالية الحالية 2015م هي العام الأخير والمتمم للخطة الخمسية الثامنة. مما يتطلب العمل على استكمال الالتزامات المتبقية في هذه الخطة وتصحيح الإطار العام للإنفاق والموارد، ليكون ذلك أساسًا ومرتكزًا لانطلاق الخطة الخمسية القادمة. وأضاف معاليه أنّه على ضوء التطورات المُتصلة بأسعار النفط ومستويات الإنفاق العام فإنّ أبرز أهداف الموازنة العامة للسنة المالية 2015، يتمثل في دعم الاستقرار الاقتصادي والمحافظة على سلامة المركز المالي للدولة، مع الإبقاء على تنفيذ الخطط الحكومية لتطوير الخدمات العامة المُقدمة للمواطنين واستكمال وتطوير البنية الأساسية وتغطية المتطلبات الاجتماعية".

وكانت هناك توجهات من المالية ـ كما أشيع ـ إلى أن هناك توجها لتخفيض الإنفاق، ومنها فيما يتعلق بتنفيذ الأوامر السامية،ومنها،تأجيل تطبيق طبيعة العمل والترقيات، لكن تصريحات سُّمو السيد/ فهد بن محمود آل سعيد، حسمت كل هذه التوقعات،أو التوجهات، وأثلجت الصدور إلى شريحة كبيرة من موظفي الحكومة المدنيين وأسرهم، عندما أكد سموه أن انخفاض أسعار النفط (لن يؤثر على سياسات التعمين والتوظيف وبرامج التدريب والتأهيل في القطاعين العام والخاص وكذلك ما يتعلق بمستحقات الموظفين والعاملين في الدولة، باعتبارها ثوابت أساسية تعكس حرص جلالته -أبقاه الله - على توفير أفضل سبل العيش الكريم لأبناء هذا البلد المعطاء، وعليه فسوف يمضي العمل بتلك الثوابت قدماً).

والحقيقة أنّ تصريحات سموه واضحة، لا تقبل القسمة على اثنين وأن هذه من أسس السياسات التي سارت عليها الدولة منذ انطلاقتها، وأن الأزمة النفطية، يتم التعامل معها بصورة متوازنة، وهذا ما أكد عليه سموه أيضًا في التصريح نفسه عندما قال بالنص:(إنّ السلطنة ومنذ بداية النهضة المباركة لعام 1970، قد تعايشت مع التقلبات في أسعار النفط، واستطاعت برؤية صاحب الجلالة السلطان المعظم المستنيرة، وتضافر جهود أبنائها أن تتجاوز كل التحديات، وتحقق معدلات اقتصادية واجتماعية متطورة".

ولكن لاحظنا أن موضوع طبيعة العمل التي جاءت ضمن الأوامر السامية، لم يتم تطبيقها، حيث شكلت لجنة من بعض الجهات الحكومية لترتيب تطبيق طبيعة العمل، كما أن ترقيات الموظفين المدنيين حسب ما جاء في الأوامر السامية، في توحيد الرواتب،لا ندري عنها شيئاً، وماذا تم بهذا الشأن لتنفيذ الأوامر السامية، طلبت اتخاذ اللازم وفق السرعة الممكنة، لتطبيق توحيد منافع التقاعد، وتم كذلك أيضا توقيف الترقيات لموظفي الدولة المدنيين، وشملت أيضا الذين تم تخليص ترقياتهم من كل الجهات المختصة، ومنها وزارة الخدمة المدنية ـ الجهة المعنية بإجراءات الترقيات وقوانين تطبيقها، مع أن تصريح سُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد أكد فهذا التصريح ـ المشار إليه ـ أكد أن حقوق موظفي الدولة لن تؤثر عيها ظروف الأزمة النفطية ومنها (ما يتعلق بمستحقات الموظفين والعاملين في الدولة، باعتبارها ثوابت أساسية تعكس حرص جلالته -أبقاه الله ـعلى توفير أفضل سبل العيش الكريم لأبناء هذا البلد المعطاء، وعليه فسوف يمضي العمل بتلك الثوابت قدماً). وكنا نتوقع أن تتحقق التوجيهات السامية في بداية 2015، وكذلك تصريحات من سُّمو السيد نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، بخصوص عدم المساس بمستحقات الموظفين العاملين بالدولة، وبالنسبة لترقيات موظفي الدولة، اللافت أن موظفي مئات الموظفين المستحقين لترقياتهم في 2012، تم توقيفها بمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، مع أنهم استكملوا كل إجراءات الترقية من كل الجهات المعنية، وخاصة وزارة الخدمة المدنية، وقد لجأ بعض الموظفين إلى محكمة القضاء الإداري بصلالة، للمطالبة بحقهم بالترقية، بعد الموافقة التامة من كل الجهات المعنية من تاريخ1/ 1/ 2012،وحسب الدعوى من المدعي بالحق، فإن وزارة المالية "لم توافق على الترقية من 1/ 1/ 2012، وأصرت على تصدر قرارات ترقياتهم في 1/1/ 2014 .

لكن المحكمة ـ الدائرة الابتدائية بصلالة ـ حكمت بحقهم بالترقية، في جلستها المنعقدة في 7 أبريل 2015، وجاء في حيثيات قرار محكمة القضاء الإداري الآتي: (حيث إن المستقر عليه في أحكام القضاء الإداري أن القرارات الصادرة عن سلطة تقديرية للإدارة لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة وأنشأت حقاً أو مركزاً قانونياً، استجابة لدواعي المصلحة العامة التي تقتضي استقرار تلك المراكز، وفي حال صدر القرار باطلاً؛ فإنه يجوز لجهة الإدارة سحبه خلال ستين يوماً من تاريخ صدوره، وإذا انقضى هذا الميعاد اكتسب القرار حصانة تعصمه من الإلغاء أو التعديل، ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار. وحين إن البّين أن المكتب ـ مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار ـ المدعى عليه على نحو ما ورد سلفاً، قام بموجب قرار المطعون فيه بسحب القرار الصادر بترقية المدعي اعتباراً من 1 /12/ 2012 م بعد مرور أكثر من ستين يوماً، دون أن يشوب القرار المسحوب عيب من عيوب القرار الإداري يمكنه من سحبه، وأنه لو على فرض صدوره غير صحيح، كان يتعين عليه سحبه خلال المدة المحددة لسحب القرارات الإدارية، وإذ مرت على القرار هذه المدة فإنه يكون قد اكتسب حصانة تعصمه من الإلغاء والتعديل، مما لا يكون معه ثمة مجال للمساس بالحقوق المكتسبة التي أنشأها هذا القرار، وتأسيساً على ذلك فإن القرار الإداري المطعون فيه أخل بحق اكتسبه المدعي بترقيته اعتباراً من 1 / 12 / 2012م بموجب القرار المسحوب، وعليه يكون القرار المطعون فيه رقم (312 / 2014) بترقية المدعي اعتباراً من 1 / 1 / 2014م قد صدر خلافاً لأحكام القانون، مما يتعين معه القضاء بعدم صحته، مع ما يترتب على ذلك من آثار،أهمها: تطبيق القرار المسحوب بترقية المدعي اعتباراً من 1 /12/2012م.)، وأشارت المحكمة في ختام قرارها الذي جاء لصالح الموظفين بالترقية أيضاً.. (كما لا ينال من ذلك ما ذكرته وزارة المالية في مخاطباتها الواردة إلى مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار بشأن توجه الدول إلى توحيد ترقيات الموظفين المدنيين بالدولة، إذ إن ذلك لا يؤثر بأيّ حال من الأحوال على قانونية القرارات الصادرة، وكان من المفترض أن تقوم وزارة المالية بالتنسيق مع الجهات المختصة بعدم إصدار قرارات ترقية الموظفين إلا في التاريخ المحدد من قبل وزارة المالية لجميع الموظفين المدنيين بالدولة).والحقيقة أنّ قرار المحكمة جاء مؤيدًا بموجب النصوص التي تجعل الترقية حقا مكتسبًا لا رجعة فيه، بما تم من استيفاء كل الإجراءات من الجهات المعنية، بما فيها جهة الاختصاص وزارة الخدمة المدنية، لكن وزارة المالية ـ كما جاء في عريضة الدعوى ـ هي التي أصرت على أن تصدر قرارات الترقية من 1/1/2014، على الرغم من أن مكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار، أبدى استعداده لتحمل كافة التبعات المالية المترتبة على تلك الترقيات على موازنة المكتب اعتبارا من تاريخ صدورها، إلا أن وزارة المالية لم توافق.. والحقيقة أن المرء يستغرب من هذا الإصرار على تغيير قرارات إدارية، استوفت كافة الإجراءات القانونية، ووفق اللوائح والنظم من وزارة الخدمة المدنية، وقد يتساءل البعض: هل من حق وزارة المالية قانونياً، أن توقف قرارات إدارية استوفت شروطها كاملة من كل الجهات الإدارية؟ وخاصة وزارة الخدمة المدنية؟، وقد يقول البعض إن وزارة المالية، تدخلت بسبب الأزمة المالية؟ لكن السؤال نفسه يتكرر: كم من المبالغ المالية ستوفرها المالية من توقيف الترقيات في كل وزارة الدولة سنوياً؟ لا نعتقد أنها كبيرة ومؤثرة على اقتصادنا وقد لا تتجاوز عشرات الملايين، فالجميع يتابع من خلال وسائل الإعلام أن هناك مشاريع بمئات الملايين مستمرة بحمد الله، ولم نسمع بأيّ توقيف لأيّ مشروع من المشاريع التي تم اعتمادها من قبل، نظرًا للظروف النفطية الراهنة، بل وحتى المشاريع الجديدة التي نسمع من خلال مجلس المناقصات أسبوعيًا، كما لم تضع الدولة أي ضرائب جديدة على الشركات والمؤسسات الكبيرة بسبب هذه الظروف، بل وجدنا الإعفاءات مستمرة للشركات التي تمت في السابق ولا تزال مستمرة، بل رفض وضع ضرائب على التحويلات الخارجية كما قرأنا، فلماذا تتوقف الترقيات التي تمس معيشة وحقوق الموظفين؟ ولماذا لم يتم الإسراع في إنهاء موضوع دراسة الأوامر السامية في موضوع توحيد منافع التقاعد، والآن ندخل السنة الثالثة للتوجيه السامي؟، كما أن طبيعة العمل التي هي ضمن الأوامر السامية لم يتم تطبيقها حتى الآن؟ هذه الأمور تحتاج إلى مراجعة جدية من مجلس الوزراء، خاصة وأن سُّمو السيد فهد بن محمود آل سعيد، أكد على عدم المساس بهذه الشريحة من موظفي الدولة، وهذا ما نود أن يجد التطبيق في أقرب فرصة ممكنة.

تعليق عبر الفيس بوك