العلاقات الاقتصادية بين عُمان وإيران

زاهر بن حارث المحروقي

لقد كان من رأي د. عامر عاشور الخبير الاقتصادي والمالي، وهو يتحدث لإحدى القنوات الفضائية حول أحداث 2011 في السلطنة، أنّ هناك خللاً كبيراً في السياسة الاقتصادية العمانية؛ إذ اعتمدت على النفط كمصدر أساسي للدخل الوطني، رغم وجود بدائل كثيرة؛ فخلال السنوات الماضية ارتفع الاعتماد على النفط عاماً بعد عام، رغم كلِّ الدلائل التي تشير إلى نضوبه، ممّا انعكس سلباً على الاقتصاد العماني، وفي ظني أنّ كلَّ المتابعين لذلك اللقاء، يعرفون تماماً أنّ د. عامر كان محقاً في تحليله؛ فها نحن في عام 2015، ولم تمض إلا سنوات قليلة من حديثه ذلك، حتى هبطت أسعار النفط هبوطاً مؤثراً على الاقتصاد العماني، ممّا أثّر على الناس حتى في ترقياتهم وفي تأخير قانون التقاعد الجديد.

ولقد كان من رأي د. عامر، أنّ تخصيص إعانات للباحثين عن العمل، هو مجرد "مسكنات" مؤقتة، حيث كان يجب أن تضخ تلك الإعانات، مع الـ 15 مليار دولار المخصصة للناس إلى مشاريع تعود بالنفع للاقتصاد العماني، وتؤدي إلى تقوية البنية الاقتصادية العمانية، حتى يتحول الشباب العماني إلى شباب منتج؛ بدلاً من أن يكون عضواً مستهلِكاً فقط، وذلك من خلال وضع برامج تنشيط وفتح مشاريع صغيرة وغيرها؛ فموازنةُ السلطنة - حسب رأيه - هي موازنة استهلاكية، وقد آن الأوان أن تتحول إلى موازنة استثمارية، ومن هنا -حسب رأيه- جاءت الشروط الخليجية للمساعدات المقررة لعُمان أن تشمل على خطة واضحة وعلى مشاريع تنموية، وربما يكون غياب هذه الخطة هو ما عرقل وصول تلك المساعدات حتى الآن.

الوضع السياسي والاقتصادي يحتِّم على الحكومة الآن أن تسعى إلى وضع سياسات ومبادرات تعمل على تحسين وتقوية الاقتصاد العماني بشكل عام، من خلال وضع استراتيجية لتقوية الاقتصاد وتحسين أدائه وتنويع مصادره، ووضع المشاريع والبرامج التنموية المستدامة، التي تضمن تلبية الخدمات واحتياجات المواطنين، كما أنّنا بحاجة الآن إلى مراجعة وتحديث كلِّ القوانين التي تتعلق بالاستثمارات الخارجية في السلطنة، بحيث تخدم الاقتصاد العماني، وتعمل على مصلحة الوطن وليس على مصلحة المستثمرين الأجانب في عمان، مع الاستفادة من كلِّ الفرص المتاحة، التي تفي باحتياجات السلطنة المستقبلية.

في مقال سابق بعنوان "الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد"، تحدثت عن أهمية الاستثمار العماني في شرق ووسط أفريقيا كنموذج؛ ولكن هناك أماكن أخرى يحتاج أن تركز عليها الحكومة؛ فالدورُ السياسي الذي قامت به السلطنة في تقريب وجهات النظر بين إيران وأمريكا، يجب أن يعود بالنفع إلى عمان، بأن تستثمر ذلك الدور، وتتصدر الدولَ المستفيدة من الرفع المتوقع للحظر الاقتصادي الغربي المفروض على إيران؛ فهي لديها الكثير ممّا تقدمه، سواء اقتصادياً أو علمياً أو زراعياً أو طبياً وغير ذلك من المجالات؛ وما ينطبق على إيران ينطبق أيضاً على دول مهمة مثل باكستان والهند والصين وغيرها من الدول.

تتمتع عمان وإيران بعلاقات سياسية قوية، ولكن العلاقة الاقتصادية رغم أنها في ازدياد؛ إلّا أنّ حجم التبادل التجاري بين عمان وإيران يُعد دون مستوى الطموح، ممّا يعني أنّ المطلوب هو تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، ورفع هذا السقف خلال الفترة المقبلة؛ فالإحصائيات تشير إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ حالياً نحو ٣٣٧ مليون ريال عماني، وهو مؤشر على ضعف هذا التبادل، نظراً للأوضاع الاقتصادية العمانية التي تحتاج إلى مزيد من الاستثمارات، وبالمقابل نظراً للإمكانيات الهائلة التي تملكها إيران في المجالات كافة.

وكان وفد من غرفة تجارة وصناعة عمان، بصحبة مسؤولين من جهات حكومية قد قام بزيارة للعاصمة الإيرانية، وعلى إثرها، أعلن رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة المشتركة بين إيران وعمان، "محسن ضرابي"، أنّ البلدين اتفقا على تأسيس شركة مشتركة للاستثمار، بالإضافة إلى تدشين خط ملاحي يربط بينهما، وعقد رجال الأعمال الإيرانيون والعمانيون، اجتماعاً مشتركاً شارك فيه أكثر من ١٠٠ من رجال الأعمال وأصحاب المصانع؛ لمناقشة سبل تعزيز التعاون التجاري والصناعي المشترك؛ وهي خطوةٌ في الطريق الصحيح إذا تم تحويلها من مجرد فكرة إلى واقع؛ مع الاهتمام بالتركيز على تسهيل الإجراءات والابتعاد عن "البيروقراطية" التي جعلت كثيراً من المستثمرين يتركون عُمان ويتجهون إلى الدول المجاورة، ومع كثرة ما قيل عن ذلك؛ فإنه لم يُتخذ اللازم حيال ذلك.

في تصريح سابق لمعالي علي بن مسعود السنيدي وزير التجارة والصناعة، لدى افتتاحه معرضاً تجارياً للشركات الإيرانية في مسقط، في يناير الماضي، أشار إلى أنه توجد في عمان ٢٥٩ شركة إيرانية مسجلة لدى وزارة التجارة والصناعة، تمارس نشاطاً تجارياً في عمان، وفي الحقيقة فإنّ نشاط هذه الشركات أقرب إلى أن يكون نشاطاً سرياً، فالمطلوب ليس مجرد عرض بضائع، وإنّما الاستفادة من التجربة الإيرانية في الزراعة والصناعة والعلم والطب وغيرها من المجالات وهي كثيرة، وقد بدأت الدول الأخرى تتسابق الآن إلى الاستفادة من الإمكانيات الإيرانية بعد رفع الحظر المتوقع.

هناك مؤشرات إيجابية على تطوير العلاقات الاقتصادية بين عمان وإيران، وقد يلعب مجال الطاقة دوراً مهماً في هذه العلاقة؛ إذ وقعت السلطنة مع إيران في مارس 2014، اتفاقية مدتها 25 عاماً، وقيمتها 60 مليار دولار، تقوم بموجبها إيران بدءا من العام الحالي بتزويد السلطنة بـ 350 مليون قدم مكعب من الغاز في العام، وذلك عبر أنابيب الغاز الممتدة على طول 420 ميلاً تحت مياه الخليج؛ فيما أعلنت إيران عن خطط لاستثمار 4 مليارات دولار لتطوير ميناء الدقم، وعن مشاريع بنية تحتية أخرى.

قد يتساءل البعض ممن لهم مخاوف وهواجس، ما فائدة ذلك..؟ أو لماذا إيران..؟ ولكن الإجابة هي أنّ كلا الطرفين لهما مصلحة في ذلك، فمصلحة إيران أن تكون عمان نقطة انطلاق لها للأسواق الأفريقية؛ فيما تستفيد عمان عندما تصبح نقطة عبور تجارية لدول آسيا وأفريقيا، وفي النهاية فإنّ كلَّ ما يؤدي إلى تقوية الاقتصاد العماني هو المطلوب، فالوضعُ السياسي الآن في المنطقة يحتِّم على عمان أن تركز على الاقتصاد في المقام الأول والأخير، بل كذلك الوضع في الداخل، لأنّ بدون اقتصاد قوي، فذلك يعني أنّ الدولة ستكون ضعيفة؛ وأيّ دولة في العالم لن تكون دولة قوية وحقيقية؛ إلّا إذا اهتمت بتقوية اقتصادها، لأنّ أيّ نجاح يتحقق يكون بفضل ذلك الاقتصاد، ولدينا نحن في عمان أصلاً مشكلة العاطلين، وكذلك لدينا جيل تعوّد على الأخذ فقط دون العطاء، وتربى على أن يدرس ليتخرج فينتظر الوظيفة من الحكومة؛ فيما القطاعات الهامة كقطاعات الاستثمار ذهبت إلى الأجانب الذين فاق عددهم الآن عدد المواطنين، ممّا يشكل خطورة كبيرة سواء على الاقتصاد العماني بما يحولونه من مبالغ هائلة، أو على مستوى التركيبة السكانية، أو على وضع العاطلين عن العمل من العمانيين؛ في وقت ذكرت فيه الإحصائيات أنّ ما يقرب من 10 آلاف وظيفة جديدة ذهبت إلى العمالة الوافدة في القطاع الخاص خلال شهر أبريل من عام 2015؛ فيما دواوينُ الحكومة تشهد تكدساً في العاملين دون إنتاج، إلّا في قطاعات معينة فقط، ممّا جعل أكثر من 70% من العاملين في الحكومة كأنهم مجرد أعضاء جمعية خيرية، وهذا هو ما أشار إليه د. عامر عاشور، عندما قال إنّ الحلول المؤقتة جعلت من الشباب العماني شباباً مستهلِكا وليس مُنتجاً، وهي مسؤولية كبيرة؛ بل هي جرس إنذار يجب أن يُقلق واضعي الدراسات ومتخذي القرارات؛ فأمام وضعٍ كهذا؛ جعل مجرد تغريدات من دول الجوار عن الوضع المالي للناس في السلطنة، تُحرِّك الشباب بل وتوجههم، وهي تغريدات بالتأكيد ليست بريئة.

كلُّ تلك الظروف وغيرها، مثل ازدياد حجم مديونية عمان، وزيادة فوائد تلك القروض، مع ارتفاع العجز في الموازنة، وانخفاض أسعار النفط، وارتفاع عدد الخريجين؛ كلُّ ذلك يجعلني أعيد ما ختمت به مقالاً سابقاً، وهو يجب أن يكون شعارنا الآن ومستقبلاً هو الاهتمام بـ "الاقتصاد.. ثم الاقتصاد.. ثم الاقتصاد"، وحان لنا أن ننظر إلى المستقبل.

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك