عـــام على رحيل ابن الصغيرة

 

د.محمد بن سعيد الشعشعي

 

في هذه الأيام من شهرشعبان الفضيل ومع اقتراب النفحات الإيمانية لشهررمضان المبارك المعطرة بذكرالله نكون قد أكملناعاماً بعد رحيل شخصية وطنية من الطرازالأول،غابت عنّا بعد أن قديرًاعند البعيد والقريب واحتلت منزلة خاصةعلى المستويين الرسمي والشعبي وهذا مالا يختلف عليه اثنان، نتحدث عن ذكرى العام الأول لرحيل سعادة الشيخ مسلم بن سهيل بن الصغيرة جداد الكثيري- رحمه الله- الذي انتقل إلى جوار ربه في هذه الأيام من عام2014 بعد تاريخ حافل وخدمة وطنية جليلة قدمها لهذا الوطن وأعمال مجتمعية تتمثل في مساعدة أفرادالمجتمع فمن أولوياته إعانة المحتاج، وفك كربة المستعسر، وإيصال صوته وطلباته إلى أصحاب القرارومسؤولي الدولة للحصولعلى ما يصبو إليه من خدمات مستحقة فقد كان رحمه الله يملك من الصبروالنفس الطويل والتحمل ما لا يملكه إنسان فبالرغم من تردد الناس عليه وفي كل الأوقات وبدون مواعيد واتصالهم به ليلا ونهارا، من الشرق والغرب ومن داخل البلاد وخارجه الأفراد قد يعرفهم أو لا يعرفهم أو أنه حتى لا يُسمع عنهم،لكنه -رحمه الله- كان هكذا للكل واعتاد الناس على أن بابه مفتوحاً للقاصي والداني وبمثابة المجلس الواسع الذي يحتضن الجميع لايقابلك إلا بالأخلاق والتواضع والبشاشة والطيبة ولا يرد عليك رحمه الله  بكلمة تجرحك ولايُعاملك معاملة تأخذ بخاطرك منها،كان لايحب التباهي والمديح،ولا يحب أن يعرف الناس كلما قدّم من عمل خير أو مساعدة بل كان يوصي الذين يتعامل معهم في عمل الخيرات ومساعدة المحتاجين بعدم الوضوح أو حتى التلميح بما أعطى وأعان.

هذه الشخصية وتلك الهامة العالية ستظل عالقة في قلوبنا بأفعالها التي لا تنسى وبتاريخها الوطني الحافل والمدون في سجل الوطن الكبير الذي يثمن ويقدس كل من وضع لنفسه بصمة مشرقة جسدتها أفعال وطنية متراكمة بدأت من ستينيات القرن  الماضي وحتى الأيام التي سبقت سفره إلى ألمانيا في رحلته العلاجية الأخيرة .

 

 

 

 

غفر الله له، كان بطلاً وهب نفسه لوطنه ونذر حياته لمساعدة الجميع، على اعتبار أن الإنسان يحتاج إلى أخيه الإنسان في هذا الكون الواسع لأنّ التآلف سمة أساسية من سمات البقاء والوجود وأن التعايش لا يتم بالانعزالية والانفرادية كما ذكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، فقد كان الشيخ المرحوم متنبهًا لهذا، وفي الوقت نفسه يملك صفات الشرفاء الشجعان والهمم العالية واتخاذ القرار الحاسم والسريع وفي الوقت المناسب فعند الصعاب والظروف الحرجة تلتفت إليه الوجوه ويرجى قراره وموقفه لأنه يدرك من أين تضرب الفواصل والنتيجة يحصدها مصب مصلحة الوطن، وما تصدر من شائعات وأقاويل وأكاذيب مضادة لتلك المواقف إلا وكان مصيرها التلاشي والتطاير في الرياح العاتية وفي الختام تظهر لنا الرواية بطلها وفارسها رافعًا راية النصر بعد حبكة درامية مؤلمة ينجرف وراءها البعض وقد لا يفهمها آخرون ، لكن الأهم هو أن رب الأسرة أدرى دائما بأبر أولاده وأصلحهم.

الصفات الشخصية للفقيد الغالي يعلمها من يعرفه أو حتى من لا يعرفه لكنه يسمع عنه وإن لم يراه من حيث الكرم والحكمة والخلق والنطق والمنطق.. مما يجعلنا نستنتج دروسا وعبرا نستفيد منها حتى وإن مر علينا عام أو أعوام بعد وفاته على اعتبار أن الرجال ليسوا سواسية وأن الأفعال العظام لن يطويها شريط النسيان وإنما تلك سيتداولها الأجيال جيلا بعد جيل حتى تنتقل من اللسان الشفهي إلى التاريخ المكتوب.

أذكر جيدًا اتصالي به قبل سفره وكان حينها في المطار ورد عليّ وقال معي محمد؟ قلت له نعم .. وبعد أن تبادلنا التحية تحدث عن الانطباعات حول مهرجان مقشن وعن الطموح الواسع والنظرة البعيدة المتطلعة لتطوير هذا المهرجان واسترسل في الكلام حتى أني قاطعته وقلت يا بو محمد الأهم من هذا أن تعتني بنفسك وصحتك، ردَّ علي قائلاً: عندما أعود سيكون الحديث، ولكن قدّر الله له أن ينتقل إلى مثواه الأخير.

 

 

 

 

يا سبحان الله رجل حتى في سقمه وشدة مرضه كان رحمه الله لا يبالي ولا يعتني إلا بكيفية تقديم الجديد. لأن هذا الجديد يصبح فيما بعد حديث الناس لأنهم شغوفون بما يطرحه عليهم من رؤى وأفكار أو مبادرات يشعلها بوقود الهمم العالية المنقطعة النظير التي قلما تجدها في رجل سواه.

هؤلاء الرجال الأوفياء المخلصون أعمالهم مُخلدة باقية ومن أفعالهم وطموحاتهم تتولد الدروس والحكم .. منها ما يعظ الفرد بأن مصيره إلى فناء مهما بلغ جاهه وماله وأنه محاسب ومعاقب ومثاب بما قدم، فطوبى لمن عامل الناس بالطيب والخلق، ويا سعد من أعطت يمينه ما لم تعرف يساره، ويا حظ من حبه الله وحبه الناس ويا بخت من ساعد محتاجاً أو فك كربة أسير.

وما نستخلصة أنّ بعض الشخصيات وإن ماتت إلا أن أفعالها لا تموت فكم من رجال من أمثال الشيخ مسلم فقدناهم ولكن أسماءهم ظلت خالدة لا تموت ونتذكر أفعالهم وأقوالهم يومياً في مجالس الرجال والسبل العامة، ونستشف أيضًا أن الآدمي قادر على أن يفعل المستحيل ويمكنه أن يحقق الإنجازات الضخمة والنتائج الباهرة إذا توفر لديه فكر وعمل وطموح وإنّه هو الذي يضع لنفسه المكانة التي تجعله محل احترام وتقدير وإن الذي عمل لآخرته وأخلص لوطنه ومجتمعه لن يذهب سدى فالرب رحيم لطيف بعباده الصالحين وفقاً لقوله تعالى "إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً" وحتى على مستوى النظام الدولي والمؤسسي نجد أن الدول تحترم وتقدر الرجال الأوفياء أحياءً كانوا أم أمواتاً.

بعد مرور عام على رحيلك أيها الشيخ مسلم بن سهيل الصغيرة، واجب علينا أن نكتب هذه الأسطر المتواضعة والتأنيبية ونحن نعلم علم اليقين أنها قليلة في حقك لكنها ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين ومن واجبنا أن نترحم عليك وأن نذكر محاسن موتانا وموتى المُسملين وأن ندعو الله جلّ علاه، العزيز الكريم في سماه، أن يغفر لك وأن يمدك مد بصره وأن يوسع عليك وأن يرحمك وأن ينزلك منزل الشهداء والأولياء الصالحين في جنات النعيم.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك