الثقافة العمانية وأثرها على السلوك التنظيمي

خلفان العاصمي

لكل مجتمع خصائصه الثقافية التي قد تختلف عن غيرها من المجتمعات وقد تتشابه مع بعضها الآخر وخاصة في المجتمعات ذات الدين الواحد أو اللغة المشتركة، فالثقافـة بمعناها التقليـدي تعرف على أنها عمليـة الإنتـاج الأدبـي والفكري والفني للمجتمع، إلا أن هناك معنى آخر للثقافة هو الأوسع والأشمل، فهي تعني أنمـاط السلوك المادية والمعنويـة السائـدة في مجتمــع من المجتمعات والتي تميزه عن سواه، وبالتالي تعتبر هي ثقافته، وبناء على ذلك فإن الثقافة العمانية هي الكل المركب والذي يتشكل من جانبين الأول يتمثل في الجانب المعنوي ويشير إلى العادات والتقاليد والأفكار والرموز التي مارسها وطورها العمانيون منذ مئات السنين وبالتالي هي تميز هوية المجتمع العماني، أما الجانب الثاني فهو الجانب المادي، المتمثل في الحرف والصناعات والعمارة، وجميع الأنشطة المادية العمانية المتوارثة جيلا بعد جيل عبر الزمن، وقد حرص النشاط الثقافي العماني على التمسك بالخصوصية الوطنية والانتماء القومي والهوية الإسلامية، وعلى ألا تفقد عمان اتزانها بين الثروات المادية العالمية وبين التطلع الحقيقي لبناء قاعدة صلبة في صرح التكوين الدولي، فكانت الثقافة العمانية متناغمة مع ذاتها، ومتناسقة مع محيطها الإقليمي، ومتوازنة مع العالم من حولها، حيث كان ولا زال الوعي واضحا وجليا في المنظور الثقافي العماني بفلسفة التاريخ وأهميته وحركته كعنصر فعال في بناء الثقافة العمانية، وتعميق الشعور بالانتماء الوطني، والربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، فأرادت الإستراتيجية العمانية في إطارها الإداري ومنذ العصور السابقة أن تزرع في نفوس العمانيين الثقة والأمل، وتنزع منها الخوف والجزع، والإحساس بتناثر الذات، ففي مجال السلطة والمسؤولية فإن المجتمع العماني يتكون من قبائل متعددة، بحيث تختار كل قبيلة الرجل المناسب ليمثلها في جميع الجهات ويتم تفويضه السلطة ليقوم مقامها ويكون مسؤولا عنها بالاتفاق مع القبائل الأخرى، على امتداد ولايات السلطنة المختلفة وبلدانها المتناثرة وتجمعاتها السكانية مهما كان حجمها ومهما كان وضعها المعيشي والاقتصادي، وانعكس ذلك على حياة الإنسان العامة وقدرته على التعايش مع مجتمعه الصغير المستمد قوته من النظام الإداري المعمول به عرفا، حيث لم تكن الأمور التنظيمية مكتوبة أو موثقة وإنما هي أعراف متواترة يتبعها الجميع، ولقد انعكس ذلك على الإنسان العماني فأصبح لديه القدرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار، حيث كان السلوك التنظيمي القبلي متزنا من جميع النواحي مستندا على تأثير البيئة العمانية وتمسكها بالعادات والتقاليد السائدة وقيم المجتمع المستقاة من الدين الإسلامي، وبذلك تولد الوعي لدى الإنسان العماني بأهمية خدمة مجتمعه والسعي لبذل المزيد من الجهد لرقيه بما يتناسب وتقدم المجتمعات في كل حقبة زمنية متأثرا ومتماشيا مع المتغيرات الحديثة التي يشهدها العالم.

وفي مجال العمل المؤسسي المركزي والذي بدأ مع مطلع عصر النهضة الحديثة للسلطنة فلم يجد المجتمع العماني مناصا إلا إتباع النظام المركزي في الإدارة حرصا منه على تخصيص الموارد المحدودة وتوزيعها بصورة عادلة على الولايات بمختلف بلدانها وقراها وتجمعاتها السكانية، فأصبح الإنسان العماني شريكا مع الحكومة في اتخاذ بعض القرارات المتعلقة بالشؤون الداخلية فيما يخص مصلحة المجتمع إضافة إلى الهدف الأساسي الذي سعى إليه هذا المجتمع وهو القيام ببناء دولة عصرية حديثة واللحاق بالدول المتقدمة بواسطة القيام بتنمية اقتصادية سريعة وشاملة.

ولقد أثرت ثقافة المجتمع العماني في السلطة والمسؤولية والمركزية واللامركزية على السلوك التنظيمي انطلاقا من تمسك العمانيين بالعادات والتقاليد النابعة من المجتمع باعتبار الأسرة هي النواة الأساسية في التربية، والتي تستمد ثقافتها من الشريعة الإسلامية السمحة، فأتضح ذلك جليا من خلال تطور المجتمع في جميع الميادين تماشيا مع التطورات العالمية واللحاق بكل ما أفرزته هذا التطورات من وسائل تقنية حديثة سواء في مجال الاتصال أو وسائط المعرفة وأوعيتها دون المساس بالمكون الفكري والقيمي، وذلك لإدراك المجتمع العماني لأهمية ضبط السلوك التنظيمي في المجتمع والتمسك بالقيم والالتزام بها لتحقيق الهدف المرجو وهو السمو بهذا المجتمع ورقيه إضافة إلى جعله مجتمعا يحاول تحقيق قدر من التوازن والمرونة في سلوكياته بما يتماشى مع ظروف العصر والالتزام بثقافته الأصيلة.

تعليق عبر الفيس بوك