المال لك ولكن الموارد للجميع!

ليلى البلوشي

قرأت منذ وقت قريب قصة عجيبة عن طالب ذهب إلى ألمانيا للدراسة، وأثناء إقامته هناك وصلته دعوة من صديق له في مدينة هامبورغ، رتبت ولزملائه الآخرين جلسة ترحيب في أحد المطاعم، وعندما دخلوا المطعم لاحظوا أن كثيرا من الطاولات كانت فارغة، وكان هناك عدد قليل من السيدات الكبيرات في السن يجلسن جانبا، وطاولة صغيرة تواجد عليها زوجان شابان لم يكن أمامهما سوى اثنين من الأطباق وعلبتين من المشروبات، مما جعله يتساءل في نفسه عن هذه الوجبة البسيطة في مناسبة رومانسية جمعت بينهما بل تمادى في تساؤلاته حول ما ستقوله الفتاة عن بخل هذا الزوج؟.

طلب زميلهم الطعام وكانوا جياعا فطلب المزيد، وعبت قائمة طلباتهم الطاولة سريعا؛ لأن المطعم كان هادئا.

لم يقضوا وقتا طويلا في تناول الطعام وعندما قاموا للمغادرة، كان ثلث الطعام المطلوب متبقٍ في الأطباق دون أن يمس.

وما كادوا يصلون إلى نهاية باب المطعم حتى ناداهم صوت، توقفوا والتفتوا فلاحظوا أن السيدات الكبيرات في السن كن يتحدثن عنهم إلى مالك المطعم، وحين تحدثوا إليهم فهموا أنهم يشعرون بالاستياء لإضاعة الكثير من الطعام المتبقي.

أجاب زميلهم الذي دعاهم : "لقد دفعنا ثمن الطعام الذي طلبناه، فلماذا تتدخلن فيما لا يعنيكن؟"

لكن إحدى السيدات الكبيرات في السن حدقت فيه بغضب شديد واتجهت نحو الهاتف واستدعت أحدهم.

بعد مرور دقائق وصل رجل في زي رسمي، قدم نفسه على أنه ضابط من مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وحرر لهم مخالفة 50 ماركاً. التزموا جميعا الصمت من الواقعة العجيبة، وأخرج زميلهم 50 ماركاً قدمها مع الاعتذار إلى الموظف.

قال الضابط بلهجة حازمة: "اطلبوا كمية الطعام التي بإمكانكم استهلاكها، المال لك لكن الموارد للجميع، وهناك العديد من الآخرين في العالم يواجهون نقص الموارد، ليس لديكم سبب لهدر الموارد".

قرأت هذه القصة الحقيقية بتأثر عميق، وأنا أفكر في كمية الهدر الهائل لمعظم مواردنا نحن العرب، لاسيما في دول الخليج العربي!.

كميات هائلة من الأطعمة الفائضة عن موائدنا، تفيض حتى عن حاجة الحيوانات التي تقتات عليها، كميات هائلة من شتى أنواع الطعام في أوعية القمامات، معظمها لم يمس!.

وبما أننا على أعتاب الشهر الفضيل رمضان، فإن كميات الطعام ستفيض مرتين بل أكثر، دون أن نفكر ولو لحظة في الجوعى والمشردين فكيف إذن يطرأ ببالنا نحن -المسرفون- ما يسمى بهدر الموارد!.

للأسف في الشعوب المرفهة الإسراف ليس في الطعام فحسب بل في كل شيء يعد نوعا من الكرم والشهامة، بل من يقدم ما يسد حاجته فقط، يعد في نظر هذا المجتمع الذي تعوّد على التبذير إنسانا بخيلاً بل ناقص شهامة أيضا، ويكون علكة على ألسنة القاصي والداني!.

نحتاج إلى مراجعة، مراجعة شاملة لأنظمة حياتنا، لإعادة بناء أفكارنا المجتمعية، لننجب جيلا يدرك حجم النعم، ويؤمن أن الثراء لا يعني إهدار الموارد ولا إسرافها!.

نحتاج إلى إعادة منظومة علاقاتنا الاجتماعية خاصة ما يسمى بالــــ "وجاهة"؛ فهناك مليار جائع في هذا العالم يبيت أياما بلا وجبة، إنهم يعانون ما يسمى بــ ـ"الجوع المزمن" حيث لا يعرف مجتمعات الرفاهية معنى شعور الجوع؛ فالموائد وافرة بما لذ وطاب، حتى في الشهر الفضيل الذي يفترض فيه أن يعرفوا معنى الجوع، وأن يعايشوا شعور الفقراء والمشردين في هذا العالم، يحدث العكس تماما، حيث يتبارى الجميع في شعور الشبع، بل وصل الأمر إلى حدوث حالات من الوفاة بسبب التخمة في إحدى الدول الخليجية!

شعوب تموت من الجوع وشعوب أخرى تموت من الشبع، شعوران متضادان في العالم نفسه!

ربما نحن أحوج شعوب العالم إلى لجنة تحاسبنا على هدرنا لموارد الكرة الأرضية، بالتأكيد نحن أحوج الأمم لذلك!

Ghima333@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك