"الصرنوخ".. نشاز مألوف


عائشة البلوشية

استبشرنا بقيظ هذا العام من خلال رطب النغال اللذيذ الذي وصلنا من العراقي بوﻻية عبري بتوصية شديدة من الجدة الغالية الشيخة موزة بنت راشد؛ بأن أرسل لمنزل أختي ومنازل أبناء العم الأقرب للمنزل، وأن يأكل كل من في المنزل ولو حبة واحدة، وبعد القيام بالواجب أمسكت بالصندوق أبحث لي عن حبة من الفلخ (وهو نوع خاص من رطب النغال ويعتبر أفخرها وألذها)، ووجدت عدة رطبات وزعتها علينا جميعًا؛ وبدأ ذلك الصوت المزعج الشجي! والذي يعبر عن قدوم القيظ بقوة، أﻻ وهو صوت حشرة "الصرنوخ" (يسميه أهل الشام بـ"الزيز")، وتذكرت ما قرأته في حساب الدرور لمحافظة الظاهرة، أنّ خلال موسم القيظ والذي يمتد لمئة يوم، يبدأ الصرنوخ بالغناء الغريب فرحًا بالحرارة والرطوبة، ولن أنسى أنّ هذه الحشرة كانت رفيقة لهو الطفولة، حيث كنا نربطها بخيط لتقوم مقام الطائرة الورقيّة الخاصة بنا، أو نقوم بعصر ثمار فاكهة الأمبو ("القاو" في بعض وﻻيات السلطنة)، ونستخرج عصارتها اللزجة لعمل مصائد للصرانيخ، ﻻ لشيء سوى التباهي بأكبر عدد جمعناه، ولكننا لم نأكله قط ﻷنّ نفوسنا تأنفه، حيث كان الصرنوخ قديما يعتبر من المقرمشات التي يتمتعون بأكلها، مثل الجراد ويرقات الدبابير (الدبي)..
وسرح فكري مع إحدى مقاطع الفيديو لمجموعة(Backyard Brains) والتي تعني العقول الموجودة في الفناء الخلفي، تابعت التجارب العلمية لهذه المجموعة والتي تقوم بإجراء تجارب على الحشرات الموجودة في حديقة الفناء الخلفي، وذلك بزرع موصلات ومستقبلات ودوائر كهربائية في تلك الحشرات حتى تتحول إلى شبه آلية، وهم يقومون بهذه التجارب العلمية من أجل الاستفادة منها في دراسات أعمق وأكبر لعلاج الإنسان من الإصابات المختلفة، أو حتى لدراسة التصاميم وتطويرها ﻷغراض عسكرية، أو كل ما من شأنه أن يجعل الحياة أكثر يسرا وسهولة، وتذكرت تلك الأيام الخوالي والتي كنا نمسك بـ"الفنزوز" (حشرة كبيرة من فصيلة الخنافس، ذات ظهر أسود اللون تشوبها نقاط فسفورية اللون كثيرة تنتشر على ظهر الحشرة، مما يجعلها ﻻمعة اللون)، ونقوم بغرس شوكة نخل طويلة في منطقة معينة في بطنها، وذلك للحفاظ عليها حيّة لنمسك بها في أيدينا وهي ترفرف بجناحيها ونجول جذلانين في الضواحي وكأننا أمسكنا بأيدينا بطائرة من السماء البعيد، ونحن نترنم بأعلى صوت: "فنزوز قاتل سبعة.. والنار ما تورابه"، وللترنيمة حكاية وهي أن فنزوزًا حطّ على جدار البئر الداخلي، فجاء رجل ونظر في البئر وظن أنّه قطعة ذهب، فنزل ليجلبها ووقع في البئر وصاح طالبًا النجدة، فجاء شخص لينقذه ووقع هو الآخر، وهكذا حتى صاروا سبعة، وماتوا جميعا بسبب الحر الشديد؛ كم كنا نسعد باكتشافاتنا لهذه الكائنات..
غاية القول هو أنّ القرآن الكريم في محكم آياته حثنا على التأمل في خلق الله، قال تعالى: "وفي الأرض آيات للموقنين"، وأﻻ نحتقر مخلوقا مهما بلغ حجمه، فنملة صغيرة أضحكت سيدنا سليمان عليه السلام، بل يجب أن نستعين بهذه المخلوقات لنرتقي ونتعلم ونعمر الأرض، إنّ مراكز الابتكار الآخذة في الانتشار في السلطنة يجب أن تخرج عن المألوف، لتوفر بيئة خصبة للإبداع والتفكر، فهؤﻻء طلبة مع أستاذهم ابتكروا صرصورا حيًّا شبه آلي(Roboroch)، وصاروا إلى التحكم بحركته عن طريق جهاز تحكم صنعوه بأنفسهم، وهنالك الكثير من الأجهزة التي تحاكي الموجود من المخلوقات، والتي ولدت من حاضنات علميّة، وكانت نتيجة الكثير من التجارب، وسنجد الكثير من أمثال هؤﻻء بين أبناء عمان، وليس ببعيد عن ذلك الإنجازات الأخيرة التي وافتنا بها وسائل الإعلام التقليدية والعصريّة، حيث ضرب العديد من أبناء وبنات عمان أروع الأمثلة في المحافل الإقليميّة والدوليّة عندما واتتهم الفرصة ليثبتوا جدارتهم..
توقيع: "طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان".


تعليق عبر الفيس بوك