في الطريق للمسرح

أسماء القطيبي

يعد المسرح من أقدم أشكال الفنون التي عرفها الإنسان واستخدمها للتعبير عن معتقداته، ومناقشة أوضاع عصره. وهو أحد طرق التوثيق للحقب الزمنية المختلفة، لذا فنحن نستمتع بإعادة قراءة مسرحيات الرومان والأغريق خاصة تلك التي تتحدث عن الآلهة لما فيها من معانٍ سامية، ولكونها تساعدنا في فهم إنسان العصور القديمة. ولا ينفك المهتمون بالبحث حول هذه المسرحيات والحض على إعادة تمثيلها وتدرسيها للأجيال القادمة.

ومن أبرز أشكال المسرح، المسرحيات الكوميدية وهي مصدر جذب للجماهير خاصة إذا ما تمت مقارنتها بالأشكال الأخرى كالتراجيديا مثلا، ولعل ذلك عائد إلى سببين رئيسيين، أولهما أن الناس تميل إلى الإنجذاب لكل ما هو مسلٍ ومضحك، بحيث يكون الذهاب للمسرح هو وقت المتعة والترفية بعيدًا عن ضغوطات الحياة، دون الالتفات كثيرًا لمضمون الرسالة التي يحملها النص. الأمر الآخر أن البعض يجد صعوبة في فهم الأنواع الأخرى من المسرحيات ويصفها بالغامضة والمعقدة، كونها تتطلب جهداً عقليًا لاستشفاف المعاني الكامنة وراءها، وانتباها لكل حركة يقوم الممثلون بأدائها.

في الوطن العربي عامة والخليج خاصة إذا ما ذكر المسرح فلا بد أن نذكر تجربة دولة الكويت فهي واحدة من التجارب الرائدة في الوطن العربي في هذا المجال. حيث إنه منذ أن تمّ تأسيس فرقة المسرح العربي في عام 1961 والكويت تجتذب المواهب الشابة البارعة في الفنون المسرحية. وكان افتتاح المعهد العالي للفنون المسرحية خطوة ممنهجة في سبيل الارتقاء بمستوى هذا الفن ليصبح المسرح علماً يدرس تطبيقيا ونظريا للمهتمين. وهاهي الكويت اليوم تحوي العديد من المسارح المنتشرة في مدنها. تقدم فيها الفرق العروض خاصة في مواسم الأعياد، فالذهاب لمشاهدة مسرحية من الأمور التي تدرجها العائلة الكويتية في جدول برامجها الاحتفالية. كما أصبح الناس أكثر وعيا وقدرة على نقد النصوص المسرحية، وأداء الممثلين، والتمييز بين المسرح الرديء والمسرح الجيد الذي يقدم فناً راقياً يحترم فيه جمهوره.

أما التجربة في بلدنا فهي ما زالت خطوات متعثرة متمثلة في جهود فردية ومسابقات تقام بين فترة وأخرى، وأعتقد أنه حان الوقت للبدء بخطوات جادة في سبيل تأسيس مسرح عماني، يكون أعضاؤه الشباب الموهوبين من الكليات والجامعات، بما يملكون من موهبة وشغف، وأن يكون هذا الأمر متزامنا مع تدريس مجالات النقد المسرحي والديكور وتأليف النصوص للشباب داخل وخارج السلطنة بعد أن يخضع المتقدمون لاختبارات تكشف عن أهليتهم لتعلم هذا النوع من الفن. فالمسرح إذا ما تم دعمه من قبل الجهات الحكومية ممثلة في وزارة التراث والثقافة أو من جهات خاصة سيفتح مجالا واسعا للتعبير عن هموم المجتمع بطريقة جديدة، كما أنه سيكون مجالا للترفيه من مجالات محدودة متاحة للجماهير، ورغم أنه قد يواجه -في بداياته- الكثير من النقد إلا أن التقبل سيكون أكبر، خاصة لو قدمت أعمال ذات جودة عالية وقريبة من يوميات المواطن العماني.

ولأن المسرح للجميع فمن ضمن الأمور التي يجب أن تراعى هو أن يخصص مسرح للطفل، يتم فيه عرض أشهر القصص العالمية والشعبية للأطفال، بإشراك نخبة من علماء الاجتماع والمهتمين بالطفل، فليس أكثر من القصص رسوخا في أذهان الأطفال، ورؤيتها على بعد بضع خطوات منهم ستجعلهم يعيشون في أحداثها مما يعمق الرسالة التي تحملها القصة في نفوسهم. وتستحضرني هنا قصة أحد أشهر المخرجين المسرحيين الذي ذكر أنه كان يتسلل من المدرسة للذهاب لمشاهدة عروض الممثلين المتجولين، وهذه العروض كانت الإلهام الأول له في إخراج العروض المسرحية ثم السينمائية فيما بعد. إذن فالمشاهدة الدائمة للعروض تنمي الذوق الشخصي وحس النقد لدى الأطفال مما سيفيدهم في كافة نواحي حياتهم. ويفتح أذهانهم لعوالم أخرى لم يكونوا يشاهدونها إلا في أحلامهم.

إن الاهتمام بالمسرح وفتح دور عرض في عدة محافظات لتقديم عروض متنوعة من الداخل ومن الخارج سيساهم في الحراك الثقافي في البلد، وسيكشف عن مواهب دفينة وقدرات مذهلة، وستجد العائلة العمانية مكانا مناسبا تشعر فيه بالألفة لكونه يقدم قضاياها وهمومها بطريقة ذكية دون خطابات طويلة ونصائح مباشرة لا يتعدى تأثيرها طبلة الأذن. كما سيزيد من حب الناس للفن الذي تذكر به الحضارات وتحسب به الإنجازات.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك