الرستاق.. عندما تسقط الأحلام

أحمد السلماني

في واحدة من ليالي صيف العام 1986 دعي أهالي قريتي الوادعة إلى مركز الولاية بعد صلاة العشاء لاجتماع هام يتم فيه تأسيس اللبنة الأولى لقيام كيان رياضي وربما يلوي على شيء من الثقافة والبرامج الاجتماعية، وفعلاً تحركت بنا حافلة صغيرة ووصلنا إلى موقع الحدث الهام ولو متأخرين.. وكانت ولادة نادي الرستاق الرياضي الثقافي الاجتماعي.

وفي عمر الشعوب والأمم والمؤسسات الكبيرة خاصة الأندية بالسلطنة فإنّ الرستاق يعتبر واحداً من الأندية حديثة التكوين واليوم وقريبًا جدًا سيتوج 3 عقود من التجربة العميقة ما بين صعود وهبوط.. فوز وهزيمة.. نجاح وإخفاق، ومع ذلك بقي شباب الرستاق على عهدهم بناديهم وحبهم لهذا الكيان الذي يمثل رسميًا أكثر من 35 فريقاً أهليا أو يزيد.

ولقد تعاقب على إدارة دفة هذا النادي وتمثيله وطوال العقود الثلاثة المنصرمة العديد والعديد من شباب الولاية على كافة مستوياته ومساقاته من رياضة وثقافة وأنشطة اجتماعية وبرامج هادفة وطوى من أوراقه التي سقط عديدها كثير من الذكريات الجميلة والحزينة في آن واحد وعلى مستوى اللعبة الشعبية الأولى في العالم كرة القدم ذات حضور خجول ولا يرقى أبداً إلى التجربة الكبيرة حيث لم تغب شمس نادي الرستاق عن دوريات السلطنة منذ تأسيسه ولكنها لم ترق يوماً إلى أن يصل الفريق إلى أعتاب إنجازات كروية يشار إليها في عناوين الصحف ووسائل الإعلام.

ومع بزوغ الألفية الجديدة بزغ فكر جديد اهتم بالجانب الاستثماري وبما يساهم في رفد خزينة النادي بالأموال التي هي عصب الأندية فاهتمت الإدارات المتلاحقة بهذا الجانب ليضق النادي طريقه نحو المنافسة على الألقاب في كرة القدم فهي واجهة الأندية فتوج بطلا لدوري الدرجة الثانية الموسم المنصرم ليتأهل لدوري الدرجة الأولى عن جدارة واستحقاق مع عدم إغفال الجانب الثقافي والاجتماعي في النادي حيث وكلمة حق تقال إن كل مجالس الإدارات التي تعاقبت على النادي لم تمس شخوص اللجان الثقافية والاجتماعية لأنها وبحق تقدم خدمات للمجتمع قل نظيرها وهنا وكل من يكتب كان لزامًا عليه أن يشد من أزرها وأن يبارك مساعيها وأن يقف معها بالقلب والقلم.

الفريق وبعد صعوده كان ضيفاً ثقيلاً جداً على دوري الدرجة الأولى وقد تصدر ترتيب فرقه في فترات من عمر الدوري قبل أن يتراجع في الدور الثاني وكل ذلك ما كان ليتأتى لولا البناء الجيد والمؤسسي والممنهج لإدارة النادي الحالية ومن سبقها وكان معها إلى مرحلة ما قبل هذا الموسم، فالصعود إلى القمة سهل ولكن تكمن الصعوبة في المحافظة عليها.

ولكي أكون مباشرًا في طرحي فإنّه وبعد الحضور اللافت للفريق في الدوري وبعد أن أصبح واحدًا من أفضل أندية السلطنة كرويًا فمن الواجب على إدارة النادي أن تستخلص العبر من تجربة السقوط في الخطوة الأخيرة بعد أن حل الفريق ثالثا في سلم الترتيب ليقابل نادي صحار صاحب الترتيب الثاني عشر في دوري الأولى في ملحق الصعود والهبوط بدوري المحترفين فالمتابع لمباراتي الملحق يدرك أنه كان بالإمكان تحقيق أفضل مما كان مع القليل من التركيز وزيادة جرعات الثقة لدى الفريق بعد أن ظهر الطرف الآخر بوضعية أشبه بمن يتعلق بالقشة الأخيرة فنجح.

وقبل ذلك فاجأ الفريق محبيه ومتابعيه بالتراجع غير المبرر في الدور الثاني والأكثر من ذلك ظاهرة خسارة الفريق على ملعبه وتفوقه على خصومه في ملاعبهم وهذه تحتاج إلى وقفة جادة حيث تفيد الإحصائيات والأرقام بأن الفريق خسر في الدور الثاني 14 نقطة على ملعبه ثم جاءت مباراتا الملحق حيث غاب مستوى الفريق ذهابا وصعد صحار من المباراة الأولى بعد خسارة الفريق للمباراة على ملعبه(مجمع السلطان قابوس) بهدف.

ولأنني لست ناقدًا فنيًا ولا أجيد ذلك ولكن ومن واقع ما شاهدته وما تعلمته من أبجديات كرة القدم فإنّ المدرب والذي لطالما أسعد أبناء النادي وعاشت معه جماهير النادي إنجازات لم تتحقق مع سابقيه إلا أنني أرى أنه لم يغير شيئاً من فلسفة المدرسة الفرنسية ولعب بنفس أسلوبه الذي لعب به طوال مراحل الدوري ولأن مباريات الملحق أو الكؤوس تحتاج إلى خصوصية معينة يدركها المصطفى السويب نفسه إلا أنّه لم يغير شيئا فاستسلم مهاجمو العنابي بتعدادهم الهجومي القليل لدفاعات صحار بقيادة أبو حلاوة وعندما أدرك المدرب ذلك في مباراة العودة فاجأته الأخطاء الفردية القاتلة فضلا عن التنظيم الدفاعي لصحار وصعوبة النيل منه في عرينه وبين جماهيره التي كانت علامة فارقة هذا الموسم على عكس جماهير الرستاق السلبية طوال الموسم والتي كانت تحضر للمشاهدة فقط والتي تتحمل جانبا من ضياع الفرصة التأريخية والجانب الآخر تتحمله إدارة النادي التي لم تفعل هذا الجانب إلا في المباراة الأخيرة وبعد فوات الأوان.

والحق أن مدرب عنابي الجبل احترم التماسيح وبالغ في ذلك ولكن يبقى للمدرب رؤيته الفنية وهو أدرى بفريقه وإمكانياته ولكن ولاستخلاص العبر فعلى إدارة النادي أن تخضع التجربة لمتخصصين وأن تستخلص العبر والسلبيات التي صاحبتها من أجل أن يظهر الفريق بصورة أقوى الموسم القادم ويتأهل لدوري المحترفين مباشرة وهو قادر على ذلك، وشخصياً أتمنى المحافظة على الفريق وجهازه الفني مع بعض التغييرات الضرورية والتي تدركها الإدارة الفنية لعنابي الجبل فإلى الموسم القادم بثوب جديد لباسنا فيه زبرجد وحرير (فريق وجماهير).

رسالة أخيرة لإدارة النادي "أن توقف لعبة أو نشاط معين لموسم واحد يعني تراجعك لخمسة مواسم قادمة" وكفى.

تعليق عبر الفيس بوك