هل ما زالت الوظيفة تكليفا ومسؤولية .. أيها الموظفون؟

حمد بن سالم العلوي

إنّ عنوان المقالة مأخوذ من خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله وأنعم عليه بالصحة والعافية - الذي ألقاه في سبعينيات القرن الماضي على موظفي الجهاز الإداري للدولة من عسكريين ومدنيين، وقد اخترت بعض اللقطات التوجيهية من ذلك الخطاب السامي، لاعتقادي أن نفراً قليلاً ظل في الوظيفة العامة من ذلك الرعيل الأول لعصر النهضة العمانية المباركة، ففي ذلك الخطاب ورد الآتي: (إن الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذا أو سُلطة) وأتى أيضًا في الخطاب نفسه: (وهناك أمر هام يجب على جميع المسؤولين في حكومتنا أن يجعلوه نصب أعينهم، ألا وهو أنهم جميعا خدم لشعب هذا الوطن العزيز، وعليهم أن يؤدوا هذه الخدمة بكل إخلاص وأن يتجردوا من جميع الأنانيات وأن تكون مصلحة الأمة قبل أي مصلحة شخصية، إذ إننا لن نقبل العذر ممن يتهاون في أداء واجبه المطلوب منه في خدمة هذا الوطن ومواطنيه..).

لقد أوردت فقرتين فقط من ذلك الخطاب البالغ الدلالة والوضوح والصراحة، والخطابات السامية التوجيهية تأتي على صيغة البناء التراكمي، ولا تسقط بالتقادم وعدم التكرار، فهي كالقانون لا تنقضي بمرور الزمن، حتى وإن لم تأت على شكل مراسيم سلطانية، فتظل سارية حتى تلغى بما يتعارض معها، ومع ذلك تظل القواعد والمبادئ العامة قائمة، لأنّها تشكل الأساس الذي يقوم عليه كيان الدولة، فلا يعني أن موظفي اليوم لا تعنيهم القواعد العامة التي سبقت مجيئهم للوظيفة، بل هي تعليمات مستديمة، فتظل نافذة مهما تعاقبت الأجيال على الوظيفة العامة، وما استوجب أو استدعى هذا التذكير، هو نأي الكثير من الموظفين بعيداً عن القواعد والمبادئ الأساسية للعمل العام، الذي رسم نهجه جلالته - أعزّه الله - ليُنفذه متولو الوظيفة العامة على الدوام.

إذن ليس كل ما يكتب اليوم يمثل نقداً هداماً، وبالطبع لا أحد ينكر أنّ هناك بعض المُندسين الذين يسعون بالهدم، ومن بين هؤلاء، أولئك "المطنوش" عمداً أو جهلا لواجباتهم من المسؤولين الحكوميين - للأسف الشديد - وهذا الصنف منه العدد الوفير، والأمَرُّ والأدهى، أنهم يمسكون بمفاصل مهمة في الحكومة، وتكمن مرارتهم الكبرى، أنهم يظنون أنهم الأفضل والأحرس والأحرص والأحوط على مصلحة الوطن من غيرهم، ففي الوقت الذي يفترض منهم عند استلام الوظيفة العامة، يعملون مباشرة على تعلية البناء فوق الأسس السابقة، ولكنهم يتعمَّدُون هدم القائم مهما كانت جودته، ويحاولون إعادة البناء من جديد، ليس لعلة في السابق إلا نكاية في الأوائل، فيتحول همٌّهم في مسح تأريخ من سبقهم، ويمعنون في إزالة كل أثر من صنع غيرهم، حتى لو كان ذا قيمة تأريخية أو معنوية، وهم بجهلهم يُنصِّبون من أنفسهم الخصم والحكم، وقد غيَّب الغرور والشعور بالعظمة، الحكمة والبصيرة من عقولهم، وهم يسلكون نهجا غبيا "أنا ومن بعدي الطوفان" وهذا الأمر هو الأخطر على عصر النهضة العُمانية.

إنّ المرء حين يتكلم، فإنه يفعل ذلك لأنه يشعر بأنه عضو مشارك في المسؤولية تجاه دولته، وليس بهدف مواجهة حكومة بلده، وهذا الأمر نبّه إليه دكتور عُماني من أساتذة جامعة السلطان قابوس، حين قال إننا نحلم بإعلام "دولة" يراقب الأداء الحكومي، وغياب إعلام الدولة يفقد السلطة الرابعة دورها في الرقابة البناءة، وللحقيقة أقول إن شيئاً من مكونات هذه السلطة (الرابعة) موجود، وهناك كتّاب وإعلاميون يقومون بهذا الدور قدر الاستطاعة، فالكثير من الكتّاب يكتبون بشجاعة ومسؤولية، ولكن الاستجابة الحكومية ضعيفة، أو حتى نادرة في التفاعل مع ما يكتب، بل أخذ البعض يُعطي الأذن الصماء للإعلام، أما البعض الآخر ممن بيده سلطة ما، فإنه استغلها لصد الإعلاميين والكتّاب، أما بالترغيب أو الترهيب، وقد نجح مع البعض منهم ممن يفضلون السير بجوار الحائط وهذا من خصائص البشر في الاختلاف.

إنّ قائد هذه الأمة العُمانية، يُعد مدرسة فكرية عالية الجودة والتقدير في القيادة والحكمة والوطنية، وكان من الواجب على كل عمُاني وليِّ وظيفة عامة، أن يجعل من جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم قدوته، ومشعل نهجه المنير، وإن لم يفعل فمصيره الشطط والاعوجاج، ومن لا يأخذ من النهج القابوسي الرفيع نهجاً له، فهو بلا شك سائر في منحدر وضيع، فأقول لذلك البعض، كفاكم ما ضيّعتم في حق هذا الوطن، بأنانيتكم وجهلكم، حتى وإن تصنَّعتم لبوُس الفلاسفة الكبار في مظهركم، إلا أن الحقيقة الواضحة أمام الناس، تعرِّي تصنّعكم الرخيص، وتقول إنكم أصغر من الوظيفة بقدر كبير، والشاهد على ذلك، تغيركم وتعاليكم فوق العباد، والتوجيه في الخطاب السامي أعلاه، قد حدد مهمتكم، فلا تخرجوا على التعليمات، ألا وهي خدمة هذا الشعب الوفي، وهذا القائد العظيم، الأمر الذي يوجِّب عليكم الانحناء أمامه تعظيماً له، ولعُمان الأبية بعظمة مجدها وتاريخها العريق، فلا يجوز لعمالقة الحكمة والمعاني العظيمة، إلا أن يظلوا كذلك عبر التأريخ.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك