(وما أدراك ما العقبة)

د. محمد العريمي

ليعذرني القارئ الكريم إذا ما وجد في مقالي هذا شيئاً من الاستعجال، أو اكتشف خطأ إملائيّاً هنا أو هناك، ذلك أنّني أكتبه تحت وطأة قهر وإرهاق شديد بعد أن قضيت أكثر من ساعة ونصف الساعة لقطع المسافة بين منزلي في العامرات ومقرّ عملي بالغبرة، وهي المسافة التي أقطعها في الأوقات العاديّة (التي أصبحت نادرة هذه الأيّام) في حواليّ عشرين دقيقة لا غير!!.

الحكاية وما فيها أنّ أهالي العامرات صحوا ذات يوم ليجدوا أنّ طريق العامرات- بوشر مغلقا جزئيّاً، الأمر الذي ساهم في إحداث نوعٍ من الزّحمة غير الطبيعيّة خاصّة عند توجّههم إلى أعمالهم في الصّباح الباكر، فاعتقدوا أنّ الأمر يتعلّق ببعض الإصلاحات الطّارئة البسيطة التي سيتم الانتهاء منها خلال يوم أو اثنين على الأكثر، ليكتشفوا بعد ذلك أنّ الأمر ليس كما كانوا يعتقدون أو يأملون، وأنّ الأمر قد يطول، مترقّبين بياناً أو اخطاراً، أو حتّى خبراً صحفيّاً يتضمّن معلومات تتعلّق بالمشروع، ومُدّته، ومراحل العمل به قد تخرجهم من حالة (الحيص بيص) التي وقعوا فيها، ولكن دون أيّة جدوى، برغم عشرات الاتّصالات والاستفسارات والتّغريدات التي اتّسم بعضها بالحنق والغضب، وبعضها الآخر بالسّخريّة المفرطة، وأصبح ساكن العامرات يضبط مؤشّر الإذاعة في تمام السّاعة السابعة من صباح كلّ يوم على إذاعة الشّباب علّه يجد معلومة تفيده بخصوص ما يحدث، فيفاجأ بأنّ معظم الرّدود من نوعيّة: سينتهي المشروع بانتهاء الشّركة المنفّذة من أعمالها!! كلام جميل وفي قمّة الشفافيّة والوضوح، ولكن متى ستنتهي الشّركة من أعمالها؟! لا أحد يعلم.

المهم وبعد مرور اثني عشر يوماً على بدء العمل بالمشروع تكرّمت الجهة المشرفة فأصدرت بياناً على صفحتها بالتويتر تعلن فيه أنّه "وبالإشارة إلى ما يتم تناوله عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المختلفة حول التّحويلة المروريّة على طريق بوشر- العامرات......"، أي أنّ هذه الجهة لم تكن لتتكرّم بإصدار هذا البيان لولا ما لاحظوه من مطالبات وشكاوى وتغريدات وتساؤلات حول ما يحدث! وكأنّ عمل مؤتمر صحفي، أو تصريح إعلامي، أو إصدار بيان سابق لفترة التنفيذ لوضع سكّان الولاية في الصّورة على الأقل هو من قبيل الأمور المُحرّمة شرعاً أو المستحيلة!!.

يمضي البيان بعد ذلك ليؤكّد أنّ أعمال المشروع ستستمر على طول مسار الطريق للاتجاهين، وستصاحبه العديد من التحويلات المروريّة بإغلاق مسار أو مسارين أو إغلاق كامل للطريق وفق البرنامج الإنشائي للمشروع إلى النصف الثاني من 2016، مع دعوة مستخدمي الطّريق إلى التعاون لما فيه المصلحة العامّة!!.

يعني بالعربي أنّ المشروع أمامه أكثر من سنة كاملة، وأنّه سيستمر على نفس الوضع بل قد يغلق كاملاً في بعض الأحيان! كلام جميل ولكن: ما الحلول البديلة التي فكّرت فيها الجهة المشرفة على تنفيذ المشروع لتخفيف الاحتقان والازدحام الذي سيترتّب على استمرار العمل به خلال الفترة القادمة، وما نوع التّعاون المطلوب من المواطن القيام به؟!.

وقد يقول قائل: ولكن المشروع مهم وضروري، وعلى المواطن أن يستحمل ويُقدّر أهمّيّة مثل هذه المشروعات لأنّها توجّه لصالحه ومن أجله! كلام رائع ومنطقي ومقبول ولكن تعالوا نتخيّل الواقع الحقيقي للمكان، فالعامرات هي بمثابة عنق الزّجاجة للعاصمة، أيّ أنّها المعبر الذي يربط ولايات محافظة جنوب الشرقيّة، وعدد من ولايات محافظة شمال الشرقيّة ومسقط، وكذلك القرى المجاورة لها بالعاصمة، واستخدام الطرق التي تمرّ بها لا يقتصر على سكّانها فقط، كما أنّ هناك منفذين يربطانها ببقيّة ولايات محافظة مسقط: الأول طريق العامرات- وادي عديّ، والآخر العامرات- بوشر، وحيث إنّ الأوّل يمرّ بمرحلة تأهيل من خلال مشاريع الجسور والإنشاءات المرتبطة به، الأمر الذي يجعل حركة السّير به بطيئة، فبالتالي يتبقّى المنفذ الآخر الذي يستخدمه قطاع كبير من سكّان الولاية خاصّة المتجهين إلى ولايات بوشر، والسّيب، وما حولهما، لذا فإنّ أيّ تعطّل في مسار هذا المنفذ قد يؤدّي إلى تكدّس واختناق مروري رهيب، وضغط على المنفذ الآخر، إذاً فمن الخطأ القيام بأية إصلاحات أو إنشاءات فيه قبل الانتهاء من مشروع تقاطع جسور المحجّ، والذي كانت الجهة المشرفة عليه قد وعدت بالانتهاء منه في منتصف هذا العام، ويبدو أن أمامنا فترة طويلة قادمة قبل جاهزيته الكاملة!.

وقد يسألني آخر: ماذا ستفعل لو كنت مكان الجهة المشرفة على المشروع؟ الأمر أبسط من ذلك بكثير، فما سأفعله هو الآتي: سأجتمع مع كلّ من خبراء الطّرق والإنشاءات سواء الموجودين بالوزارة أو في كلّيات الهندسة المختلفة بالسّلطنة، وكذلك مع المسؤولين عن العمل البلدي والتنفيذي بالولاية سواء كانوا ممثّلين لمكتب سعادة الوالي، أو أعضاء المجلس البلدي، أو مسؤولي فرع البلديّة فأهل مكّة أدرى بشعابها، وسأناقش معهم كافّة الجوانب السلبيّة والإيجابيّة المتعلّقة بالمشروع، وسأطلب منهم إبداء حلول ومقترحات بديلة للحدّ من التأثيرات السلبيّة التي يمكن أن تترتّب على تنفيذه، وسأحرص قدر الإمكان على الأخذ بالمقترحات التي تُقلّل من تلك التأثيرات حتّى لو تطلّب الأمر زيادة مدّة تنفيذ المشروع، أو تأجيله لبعض الوقت، أو القيام به في غير أوقات الذروة، بعدها سأقوم بإصدار بيان صحفي مرئي ومسموع ومقروء يتناول التعريف بالمشروع، ومبرّراته، ومراحل إنجازه، والمسارات البديلة المقترحة كي يقف النّاس على طبيعة الوضع، وكي يتأقلموا مع الحلول البديلة. أمّا أن يتمّ البدء في تنفيذ المشروع هكذا فجأة دون (إحم ولا دستور)، ودون أن يعرف أحد ما الذي يحدث، ومتى سينتهي كلّ هذا، فهو أمر أراه يحمل في طيّاته شيئاً من اللامبالاة بقاطني هذه الولاية، وتهميشاً لأدوار بعض الجهات التي يعنيها الأمر.

ليتخيّل أحدكم أن يخرج من بيته صباحاً فيتفاجأ بأنّ كل المسارات مُغلقة إثر الاكتظاظ الشّديد للمركبات في الشّوارع الرئيسيّة والفرعيّة، وبدلاً من أن يصل إلى عمله في موعده المعتاد فإنّه يتأخّر كلّ يوم لمدّة قد تزيد أو تقصر عن ساعة كاملة، فأيّ طاقة بقيت لهذا الموظّف كي يبذلها في عمله، وبأي نفسيّة سيقابل زملاءه ومراجعيه! وليتخيّل أحدكم أنّ ثمّة من يعاني من مرض مزمن، أو آلام في الرّجل أو الظّهر وهو يقضي كلّ صباح مدّة طويلة على مقعد القيادة! وليتخيل كذلك حجم التأثيرات المحتملة على المركبات من ارتفاع في درجات الحرارة، ومن تأثّر للفرامل، وغيرها، أي أنّ هناك تأثيرات اقتصاديّة واجتماعيّة قد يقع عبؤها على عاتق الحكومة والمواطن متمثّلة في فاتورة الأدوية المختلفة، وفاتورة شراء قطع الغيار وإصلاح المركبات، فضلاً عن انخفاض إنتاجيّة الموظّف نتيجة تأخره عن عمله، وحالة التجهّم والكآبة التي قد تصاحب البعض، مع ارتفاع في معدّلات الإصابة ببعض الأمراض كالضغط والسّكري وتصلّب الشّرايين وغيرها!!.

إنّ الأمر أصبح بمثابة الكابوس الجاثم على أنفاسك، فبدلاً من أن تُفكّر في ماذا ستفعل غداً، وما الجديد الذي ستنجزه، أصبح كلّ همّك هو ستتمكّن من القيام مبكّراً (جدّاً) لترشّ وجهك ببعض الماء، وتلبس ملابسك على عجل كي تلحق بعملك، تاركاً إفطارك المنزلي ورؤية أولادك على المائدة! بل لن تستغربوا إن حكيت لكم عمّا حدث لي ذات ليلة عندما صحوت مفزوعاً في حوالي السّاعة الواحدة ليلاً لألبس ملابسي الرّسميّة اعتقاداً منّي بأنّ الفجر قد حان!! ولن أحدّثكم عن وصولي المبكّر جدّاً لمؤسّستي في بعض الأيّام حتّى قبل أن يصل عمّال النّظافة، وكلّ ذلك خوفاً ممّا سيحدث لي لو تأخرت بضع دقائق عن السّادسة صباحاً!

برأيي أنّ القضيّة ليست قضيّة زحمة بقدر ما هي سوء تخطيط وضعف في الاستشراف المستقبلي، فعندما تتحوّل العامرات في غمضة عين من ولاية صغيرة لا يتجاوز عدد سكّانها بضع آلاف إلى واحدة من أكثر الولايات اكتظاظاً بالسّكان دون حساب أو توقّع لهذه الزّيادة، وبالتالي الضغط الرّهيب على خدمات وجدت في الأساس لعدد محدود من السّكّان، وعندما يصرّ البعض على أن يتركّز كلّ شيء في مسقط دوناً عن بقيّة المحافظات، وبالتالي التحوّل التدريجي إلى (قاهرة) جديدة بازدحامها، وكثافة سكّانها، ومشاكلها الاجتماعيّة، مع وجود هجرة داخليّة وخارجيّة متزايدة عليها نتيجة بحث الكثيرين عن فرص عمل مناسبة، أو تحسين وضع اجتماعي واقتصادي، أو القرب من الخدمات الصّحّيّة والتعليميّة والترفيهيّة فتوقّع أن تظلّ المشاكل كما هي مهما توسّعت في خدمات البنية التحتيّة، ومهما حاولت (الترقيع) هنا وهناك.

تعليق عبر الفيس بوك