السيناريو الجماعي

يُعتبر فن كتابة السيناريو من الفنون الجميلة والراقية جدًا والتي من خلالها يمكن أن نرى تفرد العقل البشري في صنع تركيبة فنية خلاقة من الخيال المترابط الأفكار، المتعدد في النسق والاتجاه. وعندما أقول إنّ كتابة السيناريو تكاد تكون عملا فنيًا تغلب عليه صفة الانتاج الفردي مثلما هو الحال في الرسم أو النحت مثلا، أعني هنا أنّ هذا الاتجاه في الإنتاج كان هو القالب المتعارف عليه في كتابة السيناريو إذ ينفرد السيناريست بكتابة سيناريو من تأليفه قصة وحوارًا - وفي بعض الأحيان قد تكون القصة تخص أحدًا آخر غير الكاتب - فيتحكّم السيناريست في مكوّنات نصّه ويحتكر أفكار قصته.

لكن هذا التوجه - وإن كان ما يزال يهمين على قوالب الإنتاج الكتابي في السيناريو السينمائي- بدأ في التراجع قليلا على حساب توجه جديد آخر ألا وهو السيناريو الجماعي. خلال العقود المنصرمة وحتى الآن بزغ فجر جديد من بين براثن الهيمنة الفردية على كتابة السيناريو ليتّسع المجال أكثر لوجود كاتبين اثنين للنص وربما ثلاثة بل تعداه إلى وجود أكثر من خمسة كتاب يعملون على نفس النص. لم تعد المهمة الإبداعية في الاتيان بسيناريو جيد مقصورة على عقل واحد فقط بل أصبحنا نرى مجموعة من العقول تعمل في عصف ذهني مشترك لتوفير نص واحد . وفي حقيقة الأمر أصبحت كبريات شركات الإنتاج الفني في العالم تحبذ كثيرا هذا التوجه الجديد خصوصا في الأفلام المعقدة قليلا والتي تحتاج إلى تكاتف مجموعة محترفة من الكتاب لإجادتها كتابيا كأفلام الجريمة أو السير وأفلام الخيال العلمي إلا إذا كان كاتب السيناريو أحد عمالقة الكتاب المشهورين بالإبداع والتمكن بحيث تتهافت على نصّه تلك الشركات بعينها.

في السيناريو الجماعي أصبح الوضع أشبه بصنع فيلم فعلا. هنالك الكاتب الرئيسي الذي يتولى كتابة معظم السيناريو - وقد يكونان كاتبين رئيسيين - وهنالك مطور الأفكار وهنالك الكاتب الذي يسد الثغرات وهنالك الكاتب صاحب القصة مثلا وهنالك الكاتب الذي يركز على توفر المواد المعرفية اللازمة لاكتمال النص. هي عملية جماعية تتناوب فيها عقول هؤلاء الكتاب في الخلق والإبداع والتعميق والترقيع والتجويد. وفي هذا النمط قد تطول فترة الكتابة طويلا، ربما بالأشهر وأحيانا بالسنوات حتى .

هذه الورشة السينمائية الكتابية المصغرة هي نموذج لمدى التمازج في عبقرية الإنسان لينأى بعيدا عن الذات المبدعة ويخرج إلى رحاب الاشتراكية الفكرية في الإبداع مما يجعل التقوقع على الفكرة ومحاصرتها في إطار ضيق مبني على الخيال الواحد والتطوير الواحد في نهج النص عملية بعيدة كل البعد عن الفعالية المعرفية. ولست من المعارضين على نمط الكاتب الواحد هنا ولكنني أقول، ما الضرر في تشارك مجموعة من الكتاب المبدعين كل بقدراته واستطاعته وفكره في نص واحد يخرج بروح الجماعة ويغذي الفن السابع بنص قوام مزيجه انصهار الفكر والإبداع؟

هنالك أعمال سينمائية أكاد أجزم أنّها بلغت طريقها إلى الجمال والنجاح بسبب التعاون المثمر بين مؤلفيها. فالنص القوي المبدع يفرض نفسه غالبًا ويقود الفيلم إلى النجاح خصوصا إذا ما توفّر له المخرج الجيد والمنتج الجيد وطاقم التصوير الجيد أيضًا.

هيثم سليمان

سيناريست سينمائي وتلفزيوني

Careless7@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك