حاربوا الإرهاب بالتسامح

مدرين المكتومية

ما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي اليوم من تفجيرات انتحارية دامية، وقتل بتُهمة الهويّة، وتكفير الآخر وفق المعتقد والطائفة أمر يبعث على الحزن حقًا. فالتفجيران الأخيران اللذان طالا مسجدين في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية أمر يبعث على القلق والخوف، وينذر بشر مستطير، فمن أين يأتي هؤلاء القتلة؟ وأي أشرار هؤلاء الذين يفجرون بيتا من بيوت الله، أي أرض تقلهم يا ترى وأيّ سماء تظلّهم، وأي أم ومدرسة خرّجت هؤلاء السفاحين.. من الذي كذب عليهم الكذبة الكبرى وقال لهم "اقتلوا لتدخلوا الجنة" "أي منطق هذا اللامنطق"؟.. لا يحل للإنسان قتل أخيه الإنسان فما بالكم بامرئ مسلم يهدر دم أخيه المسلم!! أي جنون هذا؟

تشهد بلاد المسلمين سنويا آلاف التفجيرات؛ وفي معظمها يتم القتل وسفك الدماء وفق تصنيف الهويّة، أي أرض مسمومة أنبتت هؤلاء القتلة؟ لماذا يكون الموت هو الدين؟ ولماذا يغزو الجهل هذه العقول المتعلمة، لماذا يبحثون عن الاختلاف والتفرقة.. لماذا لا نترك كل شيء خلفنا، اختلافاتنا وثقافاتنا ودياناتنا ومعتقداتنا ولا نلتفت إلا " للإنسان" ذلك المخلوق الذي كرمه المولى عز وجل بنعمة العقل وفضّله على سائر المخلوقات؟!

وحين نتحدث عن الإنسان فإننا نتحدّث عن المساواة والعطاء وتقبّل كل منا للآخر برغم الاختلافات، عندما نفكر في الإنسان نذيب كل تلك الاختلافات ونتعايش معها في محيط واحد، حينها سنعلم أنّ عمان إحدى دول التسامح التي تتعايش مع اختلافات البشر، فهي بلاد اكتسبت مبادئها وقيمها من الدين الحنيف، فالناس في عمان سواسية كأسنان المشط، والإنسان فيها يظل إنسانًا بغض النظر عن اللون أو الجنس أو المعتقد، فتكريم الله للإنسان عن باقي مخلوقاته هو الفيصل في ذلك، لذا فإننا حين نرى ونسمع عن الشقاق الذي أضاع الأمن والأمان في كثير من المجتمعات يتبادر إلى أذهاننا كمجتمع عماني خطاب صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه ﺍﻟﻠﻪ ورعاه- حين قال: "ﺇﻥّ ﺍﻟﺘﻄﺮّﻑ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺴﻤّﻴﺎﺗﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻌﺼّﺐ ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ أﺷﻜﺎﻟﻪ، ﻭﺍﻟﺘﺤﺰّﺏﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺩﻭﺍﻓﻌﻪ ﻭﻣﻨﻄﻠﻘﺎﺗﻪ، ﻧﺒﺎﺗﺎﺕ ﻛﺮﻳﻬﺔ ﺳﺎﻣﺔ ﺗﺮﻓﻀﻬﺎ ﺍﻟﺘﺮﺑﺔ ﺍﻟﻌُﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻄﻴّﺒﺔﺍﻟﺘﻲ ﻻ‌ ﺗﻨﺒﺖ ﺇﻻ‌ ﻃﻴﺒًﺎ، ﻭﻻ‌ ﺗﻘﺒﻞ أﺑﺪﺍً ﺃﻥ ﺗﻠﻘﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺬﻭﺭ ﺍﻟﻔﺮﻗﺔ ﻭﺍﻟﺸﻘﺎﻕ". فالمُتمعّن لهذه الكلمات سيعلم جيدًا أنّ التسامح أسمى مبادئ التعايش، وأسهلها لمد جسور التواصل بين بلد وآخر ومجتمع وآخر، فعمان بلد ترفض أن تنبت السموم أو أن تشارك في تدمير دولة إسلامية أو تشتيت مجتمع بأكمله واضطهاد حقوقه، وترفض الاختلافات وتدعو للاندماج والتعايش السلمي مع كل العالم، ونحن نفاخر فعلا بأنّ بلدنا الغالية لم تصدر إرهابيًا واحدًا للقتال في البؤر الملتهبة من دول العالم الإسلامي.. فنحن بلد السلام والتسامح.

ولأننا شعب يرفض الحرب ويحب التعايش السلمي الذي حثنا عليه ديننا الحنيف وشمائلنا العمانية التي توارثناها جيلا عن جيل منذ عهد الأسلاف والأجداد؛ علينا أن نركز جيدًا على بث روح الاندماج بيننا، وتقبل الاختلافات التي جُبلت عليها الطبيعة الإنسانية، والابتعاد عن كل ما يثير الشقاق والفتن ويدعو إلى الخراب، فكما ذكر سماحة الشيخ مفتي عام السلطنة في إحدى خطبه أنّ "أهل عمان نأوا بأنفسهم عن الفتن ولم ينفصلوا عن العالم الإسلامي".. علينا أن نسعى لتحقيق تلك المفاهيم؛ فالنموذج العماني أصبح فخرًا للعرب والمسلمين في التسامح والتعايش وقبول الآخر، والواجب يحتم علينا نحن العمانيين أن نحافظ عليه بقوة، وأن نعض عليه بالنواجذ، وأن نحرص على أن نقدم إنجازًا تاريخيا لنا وللأجيال القادمة، وأن ننتهج النهج القويم الذي تربينا عليه وفق روح التسامح، وليظل العماني في كل مكان إنسان السلام والتسامح وحامل رسالته في كل مكان، مقتديا في ذلك بنهج قائده الذي يرى العالم بمنظور "الإنسانية" قبل اللون والجنس والمعتقد.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك