نحو هيئة عليا للانتخابات

علي المطاعني

عندما أُعلن عن تأسيس لجنة عليا للانتخابات في البلاد استبشرنا خيرًا بأنّ هذا يعدّ تطورًا جديدًا لتطوير إدارة الانتخابات على وجه مستقل، يسهم ليس في تطوير الانتخابات لمجلسي الشورى والبلدي فقط، وإنما يكون لكل الانتخابات التي تجري في البلاد سواء كانت أندية أم جمعيات أم نقابات واتحادات وغيرها كما هو الحال في الكثير من الدول، وتكون هناك هيئات عليا لإدارة الانتخابات وتطويرها وتحديث النظم فيها، إلا أنّي تفاجأت أنّ اللجنة مقتصرة على انتخابات مجلس الشورى فقط ومنزوية في إحدى الفيلل في العذيبة، في إشارة إلى أنّ اللجنة ستظل لجنة بدون أن تكون هيئة مستقبلا، وتقتصر على ما هي عليه، في حين هناك حاجة ملحة لتطوير العملية الانتخابية في السلطنة لكل الانتخابات كأحد جوانب تعزيز المساهمة في اتخاذ القرار وتعزيزًا لدولة المؤسسات والقانون، وإيجاد هيئة مستقلة واحدة تدير الانتخابات وتنظمها وليس جهات غير ذات اختصاص وما يشوب ذلك من أخطاء في إدارة هذه الجوانب، وما يترتب عليه من تبعات واحتجاجات تصل إلى اتهامات وشكاوى وقضايا إلى غير ذلك مما نشهده بين الفينة والأخرى، وهو ما يفرض إيجاد هيئة عليا مستقلة لإدارة الانتخابات في السلطنة لا تتبع أي جهة في الحكومة لإضفاء الشفافية وتأسيس مؤسسات تدير مثل هذه الجوانب تتمتع بالمصداقية والشفافية والحيادية كذلك.


ولا شك أنّ إدارة الانتخابات في البلاد قطعت شوطًا متميزا، وتدرّجت عملية المشاركة إلى أن أضحت انتخابًا مباشرًا في كافة المجالس والهيئات في السلطنة، إلا أنّ تكملة هذه الجهود بجهة تدير كل الانتخابات أمر ذو أهمية كبيرة جدا، وتوحيد كل الجهود للنهوض بهذا الجانب بشكل يسهم في تعزيز الثقة بالانتخابات في المؤسسات، وعدم توجيهها من جهات إلى غير ذلك مما زال يشوب هذه العملية وتحتاج إلى إزالة هذا الغموض بإيجاد هيئة عليا للانتخابات بكوادرها واختصاصها وآليات عملها.

إنّ من يدير انتخابات الشورى والبلدية وزارة الداخلية وهي جهة حكومية غير مختصة ولها عملها ودورها الإداري في البلاد، بعيدا عن الانتخابات وتنظيمها وتفتقر للكثير مما يجب أن يكون في الانتخابات، وكذلك الأندية الرياضية تشرف على انتخاباتها وزارة الشؤون الرياضية وهي أيضًا لها أجندتها ودورها وليست ذات اختصاص في العمل الانتخابي، وكذلك الاتحادات الرياضية لها انتخابات والمشرف عليها لا يعي كيفية تنظيمها، وجمعيات المرأة والجمعيات المهنية وغيرها التي تدار بطريقة الانتخابات وتدار من وزارة التنمية الاجتماعية فحدث ولا حرج عن التخبط في إدارة مثل هذه الانتخابات والعملية البدائية التي تدار بها، وكذلك النقابات التي يشرف على انتخاباتها اتحاد عمال سلطنة عمان، وغرفة التجارة والصناعة التي تشرف على انتخاباتها وزارة التجارة والصناعة، فلديها ما يكفي من العمل في إدارة شؤون الاقتصاد والتجارة، وقس على ذلك الكثير من المؤسسات التي تعوزها الخبرة والدراية وتنقصها الإمكانات البشرية والآليات والنظم التي تنظم الانتخابات كما يقال، وكل هذه أخطاء وبعضها قاتل بسبب عدم الاختصاص تارة وعدم الكفاءة ونقص الكوادر المتخصصة مرات أخرى لإدارة مثل هذه الجوانب التي فيها من الحساسية ما يعكر صفوها.
والسؤال المطروح لماذا لا تجمع جهود هذه الجهات التي تعمل في إدارة الانتخابات في جهة واحدة كهيئة انتخابات عليا تعمل على تطوير إدارة الانتخابات وتهيئ لتنظيمها بشكل أفضل، وتشرف على كل الانتخابات في البلاد من ناد إلى مجلس شورى إلى غيرها من التشكيلات، وتعمل على سن قوانين وتشريعات متوافقة مع النظم العالمية في إدارة الانتخابات.
إنّ مثل هذه الهيئات ترسم صورة ناصعة للبلاد حول كيفية إدارة الانتخابات واستقلاليتها وحياديتها وكذلك تنظيمها بشكل متطور يتواكب مع تطور المجتمع ومع ما وصل إليه العالم، فما الضير من وجود هيئة عليا للانتخابات بدلا من هذه الكينونات الصغيرة التي تفتقر لكل مقومات إدارة الانتخابات، ولا تعكس صورة مشرفة عمّا وصلت إليه عملية المشاركة السياسية.
فإذا كنا نحن بالسلطنة قطعنا شوطا في تمكين الناخبين من الاختيار المباشر والحر وبدون تدخل من الحكومة، فماذا يضير إذا حققنا هذا الهدف بإنشاء هيئة تعنى بهذا الجانب، فمن حيث المبدأ المهم إجراء الانتخابات وتحققت، فعلينا تطوير إدارتها لتكتمل الصورة المشرقة عمّا وصلت إليه الديمقراطية في البلاد.
بالطبع هناك جهود تبذل في تطوير الانتخابات من إدارات مختلفة من العديد من الجهات، لكن أن تبقى ضعيفة وغير منظمة وغير مختصة أصلا يفرض وبسرعة إيجاد هيئة عامة للانتخابات في البلاد.

نأمل من الدولة التسريع في إنشاء هيئة عليا للانتخابات في البلاد تعزز من الديمقراطية ممارسةً وإدارةً، وتعمل باستقلالية عالية تكرس التطور الذي وصلت إليه السلطنة في هذا الجانب في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -.



تعليق عبر الفيس بوك