داعش يقرع أبواب السعودية

 

 

 

 

الطائفية "ورقة نار" بيد التنظيم.. وسياسات "الجيل الجديد" في خطر

◄ واشنطن متخوفة.. و"القومي الأمريكي": الرياض لا تملك سيطرة مطمئنة على أراضيها

◄ "لجان شعبية" لحماية الأضرحة والمساجد.. واتهامات للأمن بـ"التقصير"

 

 و"اتسع الخرق على الرَّاتق".. هكذا تبدو حال التحالفيْن العربي في اليمن، والدولي في العراق وسوريا؛ بعد تنامي تهديدات المنظمات الإرهابية، رغم معارك الأرض وقصف الطائرات من السماء؛ لتنال الضربات هذه المرة عُمق المملكة العربية السعودية مُتسيِّدة التحالف المرابض في -وعلى حدود- اليمن؛ بدعوى دحر إرهاب الحوثيين والانتصار للشرعية...وغيرها من الدعاوى، التي لم تتبدَّ أية بارقة بشأنها رغم القصف المتوالي وغير المنقطع على مختلف المدن اليمنية.

ليفتح حادثا القطيف والدمام تساؤلات عدة حول جدوى تلك الضربات أولا، وقدرة الدول المشاركة فيها ثانيا على حفظ أمنها ابتداءً قبل المغامرة في بلدان أخرى؟ كما يفتح الباب مشرعا أمام تساؤل أخطر وهو المتعلق بماهية ذاك التنظيم العصي على الانكسار رغم كل هذه الغارات، وأهدافه؟ والتي يبدو أنها باتت تتمحور في نطاق "الشرق الأوسط الجديد".. فما كان بالأمس القريب شبه مستحيل، تحقَّق اليوم في ظل راية سوداء مخضبة بدماء الأبرياء، تنظيم إرهابي يُطلق عليه "داعش" يعبر الحدود ويمضي في إنشاء حدود دولته، عبر الهجمات الانتحارية تارة والمواجهات المباشرة تارة أخرى، وأخيرا عبر إشعال نار الصراع الطائفى؛ الذي بدأ بـ"حرق الكساسبة" ثم "ذبح" مصريين على أرض ليبيا، ومؤخرًا العبث بجمر الطائفية في المملكة باستهداف مساجد الشيعة، وتهديده بـ"تطهير" (بحسب بيان نُشر مؤخرًا) الأرض المقدسة من الشيعيين.

 

الرُّؤية - هيثم صلاح

فبعد الهجوم الانتحارى الذى استهدفَ مسجدًا شيعيًا فى منطقة القديح فى القطيف بالسعودية، يوم الثالث والعشرين من مايو الماضي، بثَّ عناصر تنظيم "داعش" على "اليوتيوب"، مقطع فيديو يُظهر العشرات من رواد المسجد وهم يمارسون الطقوس الشيعية، فى إشارة من عناصر التنظيم إلى أنهم يستحقون القتل كونهم ينتمون إلى مذهب لا يخرج فقط عن نطاق أهل السُنة والجماعة، بل "طائفة كفرية"، وفق اعتقاد التنظيم الإرهابي.

وبعد أسبوع على تفجير القديح (وفي ذات التوقيت) ضرب الإرهاب مرة جديدة إحدى مناطق المملكة وتحديدا الدمام التي تقع أيضا في المنطقة الشرقية، حيث فجّر انتحاري كان يرتدي زيا نسائيا نفسه في مرآب مسجد الامام الحسين في حيّ العنود، في وقت أعلن فيه التنظيم مسؤوليته عن الهجوم.

والحادثان لم يكونا مستبعدين منذ بدأت عملية "عاصفة الحزم"؛ حيث اعتبر خبراء ومحللون أنَّ الحرب التي تخوضها السعودية ضد الحوثيين فى اليمن ستجعل "داعش" يكثف من عملياته على أراضي المملكة، في إشارة منه إلى قدرته على اختراق الأمن، إلا أن سلاح الطائفية كان مستجدا على الحرب بين المملكة والتنظيم.

فالأهداف الخفية من وراء استهداف المواطنين الشيعة فى القطيف، لم تكن مجرد عملية ثأرية يضحى فيها التنظيم بأحد عناصره مقابل توجيه ضربة لطائفة تختلف معه عقائديًا وخارجه عن دائرة الصراع الجغرافى معه، بل كانت تهدف إلى تفجير المنطقة عبر النفوذ إلى الثغرة الطائفية التى تهدد "السبيكة المجتمعية" السعودية. فالتنظيم الذى وجد نفسه بعد التمدد فى العراق يتماس الآن حدوديًا مع السعودية التى يمتلك إرثًا تاريخيا فى العداء معها، مما دفعه لوضعها كنقطة أولى فى التمدد القادم على خريطته المصطنعة "الخلافة".

 

كرة اللهب

واستغل "داعش" دخول المملكة فى حرب طاحنة مع الحوثيين فى اليمن، وتزايد وتيرة الأحقاد الطائفية فى مناطق المملكة ذات الأغلبية الشيعية، ليشعل بعدها كرة اللهب بالعملية الأخيرة، آملًا فى تفجير الحراك الطائفي لإشعال المنطقة بحرب طائفية، يتخذها التنظيم بعد ذلك كنقطة انطلاق للسيطرة والتوسع، كما استفاد من الصراعات الطائفية فى كل من سوريا والعراق.

ورأى "داعش" فى فتور استقبال سكان القطيف لولى العهد محمد بن نايف بعد العملية الانتحارية، ثمار مبشرة لبداية الصراع بين حكام المملكة والشيعة هناك، الذى يرى التنظيم أنهم على أهبة الاستعداد لإشعال الصراع فى المملكة.

واستشاط التنظيم غضبًا من علماء المملكة، الذين أدركوا مخطط "داعش" فى إشعال الفوضى فأطلقوا بدورهم العديد من التحذيرات من وقوع الفتنة التى قد تؤدى بالجميع للهاوية. وليست هذه المرة الأولى التى يسعى فيها "داعش" إلى محاولة تفجير الصراع الطائفى فى المنطقة؛ فعملية ذبح المصريين الأقباط فى ليبيا هدفت بالأساس إلى محاولة إشعال مصر عبر الثغرة الطائفية.

كما جاءت عملية حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة، فى السياق ذاته، بعد محاولة التنظيم إيقاع النظام الأردنى فى الفخ ومحاولة إقناعه بتسليم "الجهادية" العراقية ساجدة الريشاوي، المحكوم عليها بالإعدام، على خلفية محاولة انتحارية فاشلة حاولت تنفيذها فى أحد الفنادق الأردنية، مقابل الإفراج عن "الكساسبة"، الذى كان أُعدم بالفعل بعد سقوط طائرته فى منطقة خاضعة للتنظيم.

ويطبق "داعش" نظرية أطلق عليها "إدارة التوحش"، وتقضى بالسيطرة على أرض تقيم بها إمارة تخوض بعدها معارك شرسة مع خصومها، لكنها فى الوقت ذاته تعمل على إضعاف الدول المركزية المجاورة عبر إشاعة الفوضى، إلى أنْ تتمكن هى من تقوية دولتها ثم تسيطر على الدول التى تكون أُنهكت بفعل محاولات الفوضى المتكررة، ويرى التنظيم من نفسه الأقدر على إدارة تلك الفوضى بما يؤهله لتأسيس دولة جديدة.

 

خطاب البغدادي

وعودٌ على عملية القطيف التى استهدفتْ الشيعة عقب خطاب البغدادى الذى ألقاه قبل العملية بـ4 أيام، بعنوان "انفروا خفافًا وثقالًا"، والذى حمل إشارات متنوعة لاستهداف القطيف.. فقد تحدث البغدادي فى أكثر من 10 دقائق عن المملكة العربية السعودية، ووجه تهديدات لحكامها، متهمًا إياهم بالتقاعس عن مساعدة المسلمين فى الصين وإندونسيا وإفريقيا، قائلًا: "ما عاصفة الحزم التى تقوم بها إلا محاولة يائسة لصد المسلمين عن الدولة الإسلامية التى باتت صوتها عاليًا فى كل مكان، وباتت حقيقتها تتضح لجميع المسلمين، وبدأوا يلتفون حولها شيئًا فشيئًا، وسيلتف عامة المسلمين فى الجزيرة حول الدولة الإسلامية، كونها المدافعة عنهم".

وعلى الرغم من الأنباء التي قالت بأن الأجهزة الأمنية السعودية كانت قد رصدت عددًا من المواقع، تدعو للانضمام للتنظيم ومنها "المجاهد الهذلى 2014"، وموقع "أبو قتادة الأنصاري"، و"موحد 9". وألقت القبض على خلية إرهابية 28 أبريل الماضي، مكونة من 93 عنصرًا إرهابيًا يرتبطون بـ"داعش"، كما ألقت قوات الأمن القبض على خلية سمت نفسها "جند بلاد الحرمين"، تكونت من 15 شخصًا جميعهم سعوديون، بقيادة متخصص فى صناعة العبوات المتفجرة، كانت أول إعلان عن مخطط لتأسيس جماعة لداعش فى المملكة، إلا أن الفاصل الزمني بين الحادثين كان مثار تساؤل.

وفي رأي مراقبين أن التنظيم يستهدف المملكة على اعتبار رمزيتها الدينية للسُنة، وخرج العديد من قيادات التنظيم أمثال "أنس النشوان" مُنظِّر التنظيم فى سوريا الذى قتل منذ أيام، بجانب المؤسس الأول للقاعدة السعودى أسامة بن لادن هو أحد أبنائها. فأعلن رجال ملثمون ينتمون للتنظيم فى صور نشروها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مبايعتهم للبغدادي، وحديثهم حول تأسيس "ولاية الحرمين"، وكتابة قيادات "داعش" على أبواب الحرم المكي، فكان طريقهم بتنفيذ عمليات نوعية تستهدف الأقليات على مستوى العموم، لأنها المدخل الأكبر للفوضى وزعزعة الاستقرار، وإحداث حالة من الفوضى المنظمة، التى تخلق له بيئة للحياة أسوة بما فعله فى سوريةا

ويلجأ أنصار "داعش" فى المملكة إلى استخدام أسلوب العبوات الناسفة، طبقًا لاعترافات رجل سعودى تم القبض عليه فى منطقة القصيم أول الشهر الماضي، وأقر فى أقواله مبايعة البغدادى وتخطيطه بعد انتهائه من إعداد العبوات الناسفة لاغتيال رجال أمن حدد ورصد مقرات سكنهم وطرق سيرهم.

 

الأمن السعودي

وبُعيد الحادث الأول في القديح، خرج العميد بسام عطية من إدارة التحقيقات بوزارة الداخلية السعودية، كاشفا أن التنظيم يسعى لتقسيم المملكة إلى خمسة قطاعات، وأنه يهدف لزرع الفتنة داخل المملكة. وأضاف -فى مؤتمر صحفى- بأنَّ لدى تنظيم داعش إستراتيجية أساسية وهى استهداف رجال الأمن، وأن أفراد خلية داعش خططوا لاغتيال خمسة ضباط بعضهم من أقارب بعض أفراد الخلية، غير أن الأجهزة الأمنية أفشلت مخطط تحديد منازل رجال الأمن الخمسة. ولفت إلى أن اثنين من قتلة الجندى الغامدى، ذهبوا إلى حفل زفاف بعد ارتكاب جريمتهم لإبعاد الشبهة عنهم، إلا أن رجال الأمن تمكنوا من القبض عليهم خلال 48 ساعة. وأضاف بأن القتلة رأوا أن قتل الغامدى حلال بينما تصويره حرام، مشيراً إلى أنهم اختلفوا أثناء توزيع المهام بينهم أثناء تنفيذ الجريمة. ولفت العميد عطيه إلى أنه لا حدود لنطاق التجنيد فى خلية داعش، موضحاً أن عبدالملك البعادى أخذ البيعة من أفراد قام بتجنيدهم وأرسلهم عبر وسيط إلى زعيم تنظيم داعش، كما انهم يجندون الأطفال وصغار السن عبر وسائل التواصل الاجتماعى، لاعتناق الفكر التكفيرى، ويحرضوهم على قتل أقاربهم. وقال العميد بسام عطية إن" خلية داعش بدأت فى التشكل قبل 4 أشهر".

ولم يفت عطية القول بأنه وبالنسبة لأهداف التنظيم بعيدة المدى؛ فهى: العسكرية والاقتصادية والأمنية...وغيرها، مؤكدا أن الحادث الأمنى الذى شهدته القطيف لهو أكبر دليل على تنفيذ هذه الإستراتيجية على أرض الواقع.

وعلى الرغم مما يحمله التفجيران من رسائل، ترى صحيفة "الجارديان" البريطانية أنَّ تنظيم " داعش" الإرهابي يسعى إلى إزكاء روح الطائفية بين أبناء المملكة العربية السعودية عن طريق استهداف مساجد التجمعات الشيعية.. مشيرة إلى بيان "داعش" الإرهابي الذي أعلن فيه مسؤوليته عن التفجير، كاشفاً عن منفذ العملية الانتحارية الإرهابي أبو جندل الجزراوي.. وقالت: إن " داعش" يحث الشباب السنة في السعودية لمهاجمة أهداف تتبع الشيعة من أبناء المملكة. ولفتت إلى ما أعلنه " داعش" حول مسؤوليته عن تفجير انتحاري في مسجد شيعي في قرية قديح، بالقرب من مدينة القطيف. ووصفته بأعنف هجوم شهدته المملكة منذ سنوات، حيث أودى بحياة 21 شخصا فضلا عن إصابة ما يقرب من 100 آخرين.

أما مجلة "ناشيونال جورنال" الأمريكية، فقالت إنَّ العمليات الانتحارية التي نفذها تنظيم "داعش" الإرهابي ضد الشيعة في المملكة العربية السعودية في أسبوعين تعتبر مفاجأة في بلد وصفت حكامها السنة بالأقوى في منطقة الشرق الأوسط.. وتابعت بأنَّ هجمات "داعش" الإرهابي في السعودية تعني الكثير للولايات المتحدة الأمريكية لأنها تهدد مصالحها في المنطقة، وأن واشنطن ترغب في تحقيق الاستقرار بالسعودية أكثر من شعورها بكيفية تحقيق آل سعود هذا الاستقرار.

وأشارت إلى مفاخرة "داعش" بوصول عميلها، الذي نفذ الهجوم على مسجد دمام، لهدفه رغم الإجراءات الأمنية المشددة بعد أول هجوم منذ 8 أيام بعد صلاة الجمعة على مسجد شيعي. ومن جانبه، قال مايك سينج مدير سابق لشؤون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي: "تهدف هذه الهجمات لتفاقم الإنقاسامات الطائفية في السعودية".. وأكدت أنه ينبغي على الولايات المتحدة دراسة هجمات "داعش" على المملكة العربية السعودية؛ لأنها دليل على أنَّ الرياض لا تملك السيطرة المطمئنة على أراضيها والتي ترغب واشنطن في أن تشعر بها.

 

تهديدات "داعش"

وفي الأخير، فقد أفاد مركز "سايت" الذي يُتابع المواقع الاسلامية على الإنترنت، بأنَّ فرع تنظيم الدولة الاسلامية في المملكة العربية السعودية يقول إنه يرغب في تطهير شبه الجزيرة العربية من الشيعة وحث الشباب في المملكة على الانضمام اليه.  وأضاف سايت -ومقره الولايات المتحدة- بأنه في تسجيل مدته 13 دقيقة قال المتحدث إن تنظيم الدولة الاسلامية أمر أتباعه في كل مكان بقتل "أعداء الاسلام" وخاصة الشيعة. وقال المتحدث في التسجيل "فكيف اذا كانوا مع كفرهم يعيشون في جزيرة محمد صلً الله عليه وسلم".

ولكن ردود الفعل التي صاحبت البيان، على ما يبدو لن تبشر بالخير، حيث تفاعلت منصات شيعية مع الحادث، كشفت عن نقطة خطيرة بدأت تنفذ وتسوق لتصبح واقعًا فعليًا على الأرض، وهي تشكيل "اللجان الشعبية" من شباب السعوديين الشيعة، والدعوة إلى تعميمها وإجبار السلطات على التسليم بها، بل والدعوة إلى تسليحها، واتهام الجهات الأمنية السعودية بالتقاعس عن حماية الشيعة ومساجدهم -إشارة إلى تفجيري مسجدي القديح والدمام- وحسينياتهم -الدالوة ليلة الاحتفال بعاشوراء- وهو الامر الذي ينذر بمستقبل مضطرب أمام الجيل الجديد للمملكة، وكل هذا يستلزم تحركا سعوديا لإعادة الوئام إلى المناطق الشيعية، وعدم السماح بتغلغل الأفكار المتطرفة.

تعليق عبر الفيس بوك