اللي عمره ما تبخر...

د. سعيدة بنت خاطر الفارسي

حال أمتنا العربية في هذا الوقت العصيب هو حال ( اللي عمره ما تبخر، تبخر واحترق) هذا مثل خليجي شهير نابع من واقع الحال نظرا لانتشار البخور في مجتمع الخليج العربي والجزيرة، وحتى نعود لهذا المثل سنجدف قليلا في متغيرات الأموج العربية الحالية، وهي أمواج عاتية ومتقلبة، وتجاوزت في تدميرها التسونامي الشهير الذي قلب باطن الأرض فأخفى مدنًا كانت عامرة وأقام بدلا منها دمارا شاملا، ولايعرف إلا الله كيف ومتى سيتوقف تسونامي العرب، ولنصل لعمق المشكلة أضع يدي على مقال قصير كتبه كاتب عراقي اسمه أحمد الحاج، عبر نسخة ورقية تسمى (صوت العراق) ويحمل المقال عنوان( حين يكون المسؤول باشا حقيقي تنحل العقد) يقول فيه : ( في عام 1957م، أزيل الجسر العائم الذي يربط الأعظمية بالكاظمية وتم بناء جسر قوي شبيه بجسر الأحرار من حيث التصميم الشبيه بدوره بجسر باترسي في لندن، وبعد الانتهاء من بناء الجسر أراد أهالي الأعظمية - وهم سنة - تسميته باسم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، فيما أراد أهالي منطقة الكاظمية - وهم شيعة - تسميته باسم الإمام الكاظم، ووصل الأمر إلى - ثعلب السياسة العراقية - بلا منازع، نوري باشا السعيد، فقالوا له كيف الحل باشا؟ أطرق رأسه مليًا ثم قال " بسيطة نسميه جسر الأئمة وتنحل المشكلة" فكان له ما أراد بكل ودٍّ واحترام وسط بهجة وفرح الجانبين، المعاظمة والكواظمة حفظهم الله من كل سوء ومكروه، لا بوكسات، لا دفرات، لا هاونات، لا مسدسات، لا قناصات، لا رمانات، لاهتافات، لا استفزازات، لا تظاهرات لا ميليشيات، لا قاذفات، لا بي كي سيات..لا صحافة تؤجج الفتن ليل نهار، لا عمائم تنبش الماضي وتؤلب القلوب على بعض، لا ساسة يلعبون على الحبلين من أجل مصالحهم ومصالحهم فقط " كلمتان حلتا المشكلة (جسر الأئمة) وبس والنتيجة حبايب بهدف لكل منهما، حقاً إن ‏العراق اليوم بحاجة ماسة إلى قادة أذكياء، أوفياء، أمناء على شاكلة - أبو صباح - الباشا نوري السعيد الذي شغل منصب رئاسة الوزراء في المملكة العراقية 14 مرة بين 1930 - 1958 والذي قتل فيما بعد بعيد قيام ثورة 14 تموز، ولم يترك لأهله مالاً أو تركة فيما خصص لزوجته مبلغ قليل بالكاد يكفي لسد رمقها، بالمقابل لو توهمنا وعلى سبيل الفرض أن بناء الجسر كان في يومنا هذا ونشب الخلاف بين الجانبين- الكواظمة والمعاظمة - لتسميته ترى كيف سيتصرف من أثروا على حساب الشعب انطلاقاً من ديماغوجيتهم المعروفة - إرضاء للجمهور التابع لهم شكلياً لضمان تأييدهم في الانتخابات فضلاً عن المهاترات والخصومات التي يخوضونها ضد بعضهم البعض على مدار الساعة - ؟! لاشك أن التصريحات النارية والطائفية ستملأ صفحات الجرائد والفضائيات والإذاعات مشفوعة بنبش الماضي القريب والبعيد، وتجيير منابر الجمعة لحساب هذا الطرف أو ذاك، وانتشار الميليشيات المسلحة وارتفاع وتيرة الاغتيالات والاختطاف متأثرة بالشحن الإعلامي من كلا الجانبين، رحم الله الباشا وأيامه ).

‏ ونقول ترى هل هذا حال العراق فقط، لوكان هذا كذلك لهان الأمر، لكنه للأسف هو حال يستشري في جسد الأمة ككل، فبعد أن كان النزاع بين الديانات السماوية الكبرى اليهودية والمسيحية والإسلامية، رأى المنتفعون من الحروب - وهم كثر - أنّه من الأجدى والأسرع والأنفع لهم في المتاجرة أن يسخر المكر الهائل لتمزيق أمة لديها مالديها من أموال مكتنزة، ولا تستفيد منها شعوبها، إذن لتشفط تلك الأموال بطريقة ذكية، وتحول إليهم، طالما هناك سموم مكنوزة ومشحونة في النفوس ومن السهل استغلالها، وقد كان، فبمجرد ضغطة على مكامن العفن فينا، قامت قيامتنا ولم تقعد إلى الآن، فمن يصدق أن كل هذه الكراهية مدفونة في النفوس وأنه بمجرد أن أُشعل ثقاب في الهواء اشتعل الحقد الطائفي الذي يبتلع الأخضر واليابس، من يصدق أنّ العراقي الشيعي الذي كان يتزوج ولا يعرف مذهب من تزوجها، أصبح اليوم يقاتل تحت مسميات لبيك يا حسين، ومن يصدق أن السنية التي تعطى للشيعي، دون أن يسأل أهلها عن مذهبه أصبح السني يستقوي حتى لو بانضمامه إلى القاعدة، ترى أين كانت هذه السموم تختبئ !!! لقد صدق الحاج ترى لو كان المسؤول باشا هل تصارع وهو قادم على دبابته ليبيع وطنه، من أجل ملايين تنقله من وضعه الأسري المتردي المأزوم وحاجته وفقره، ترى لو كان المسؤول باشا ( ابن ناس) مثل ما يقول المصريون، سيقتل الناس بهكذا دم بارد ويجيش المليشيات والعصابات ويبيع بغداد جوهرة العرب بالرخص لأعدائها، كما فعل المالكي !!! ترى لوكان الحاكم ابن ناس هل تفتت الجمهوريات العربية كما يتفتت الكرتون الورقي عند أول نفخة ريح ؟؟ طبعاً لا أعتقد، على الأقل لقاومت هذه الجمهوريات كما تقاوم الملكيات الآن في الوطن العربي، ترى هل وصلنا لهذا لأنّ حكام الجمهوريات ينطبق عليهم المثل القائل (اللي عمره ما تبخر تبخر واحترق) لقد تحول هؤلاء للأسف إلى قياصرة لا يريدون أن يتخلوا عن الربوبية وعبادة الناس لهم، لهذا حرقت سوريا ونيرون الذي أحرقها يضحك وكان بإمكانه أن يكف النيران عنها بإطلاق كم ألف من سجونه التي تفيض بالآلاف المؤلفة من الناس، خاصة وأن شعبه عندما خرج كان له مطلب بسيط جدًا (سوريا بدها حرية) ترى هل الطائفية فقط هي السبب أم أنّه الظلم، وعدم العدالة والفقر، والظلم هو أساس انهيار الحضارات، وهلاك الشعوب، (وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا) سورة الكهف، ولأن نتائج الطائفية وخيمة، وحدها لبنان التي نأت بنفسها عن الربيع العربي وثوراته، لأن لبنان ذاقتْ نيران الحروب وويلاتها لأكثر من عشرين عاما، وتوصلت لنتيجة محددة أن الدين لله والوطن للجميع، والتعايش هو أفضل طريقة للأمان والسلام والحياة، وأن التنوع نعمة وثراء للوطن لا مرض، ولهذا كانت لبنان هي الأصح صحيًا، لأنّ الحكم متنوع لم يستلمه طاغية واحد من أدعياء الثورات، وعندما ذهبنا لزيارة لبنان بعد الحرب كان وجهها ملغما بالبثور وقيح الحروب الطائفية لكنه كان يتشافى قليلاً قليلاً، رغم عضلات الأسد الأب الذي خربش وجه لبنان الجميل بمتاريس وثكنات حتى في بيروت إظهارا لعضلات الجيش العربي السوري، وكنتُ أصفق له، لأنني ظننتُ كما يدعي هذا الجيش الموغل في عروبته وقوميته، أنه من حمى لبنان من إسرائيل كما يدعون، لكن اللبنانيين فاجأونا بصراخهم المستمر والذي ينم عن كراهيتهم لهذا الجيش العربي السوري، بل بالغ أحدهم وقال لوكان جيش إسرائيل لكان أرحم لنا، لم أصدق هذه المقولات حتى رأيت البراميل المتفجرة والكيماوي وعنف النظام مع أهله، فما بالكم بالغريب، المهم أننا خرجنا من لبنان المشوهة والمحروقة من أثر الحروب بسلام وبدون أية أضرار، بل وجدنا كل التسهيلات والترحيب الذي يحترم إنسانيتنا، ودخلنا إلى الحدود السورية التي يفترض أنها مستقرة ومتخمة بالسلام وفوائد الاستقرار، لنجد أن الطوابير طويلة ولا تتحرك إلا كما تزحف السلحفاة، ماهذا هل هذه ضريبة الاستقرار العربي؟ ربما، بعد انتظار طويل جاءت الواقفة في الطابور قائلة: كل وحدة تضع في جوازها 5000 ليرة ووضعنا فدخلنا في غمضة عين، ياله من حل سحري ...لماذا يتقاضى ضباط النظام المتوج بالمديح والمقاومة والتحرير والقومية، رشاوي من الجميع هكذا جهارا نهارا، وترفَّع عنها الضابط اللبناني الفقير؟ معادلة صعبة، إذن الدول الكرتونية القائمة على الفساد سرعان ما تتهاوى، والسؤال هل هذه الحروب ضرورية لإبادة أنظمة تجاوز ظلمها وفسادها كل الحدود؟؟ يبدو كذلك، هل هو تطهير لهذه الأمة؟ أعتقد ذلك، ولو أنه تطهير دفع ثمنه الإنسان البسيط ولم تدفعه الأنظمة التي خرجت من الحروب غانمة سالمة مكتنزة الحسابات، والآن تقترب هذه الأوجاع منّا فأرباب الجشع لا يريدون الاستقرار لأحد ليحترق اليمن وليحترق الخليج وليجر أحدهم لبنان إلى حرب لا يريدها، وليس له فيها ناقة ولا جمل، وهاهو الدخان يزكم أنوفنا نحن في هذا الجزء الآمن من الجزيرة وهاهم بعض ذوي العقول الضيقة في عمان يحاولون أن يجرونا خلفهم بطعم القاشع والعومة والمالح والعوال، باسم الدفاع عن المظلوم، ترى كم كلف ادعاء المظلومية هذه الأمة من الأرواح ؟ إننا في هذا البلد نرفض الانجرار وراء أوهام صاغها بعض المتفيقهين، ونرفض المتاجرة بالدين والإقصاء، فلا يوجد لدى الله فريق هو عصائب للحق، وغيرها عصائب الباطل، ولا يوجد حزب لله، وغيره هي أحزاب الشيطان، ولا يوجد أنصار لله، وغيرهم أنصار للطاغوت، فالله ليس له أحزاب ولا أنصار ولا عصائب ولا جيوش تقاتل باسمه، الله رب الجميع، فليس باسم الدين والفتاوي التي لم ينزل الله بها سلطان، وضيق أفقكم ستسحبوننا إلى مستنقع الكراهية والتباغض والشحناء، وهو مستنقع تجاوزناه في عمان، منذ أن مَنَّ الله علينا بقابوس بن سعيد حاكما مستنيرا واعيا .

تعليق عبر الفيس بوك