تحت الضوء .. يتحسّسُ مركبات الأُجرة

هلال بن سالم الزيدي *

بين اللونين الأبيض والبرتقالي ثمة ترابط ومسارات تخترق صمت المكان منذ الصباح الباكر.. فهناك علاقة بين تلك المركبة ومن يتسيد مقودها تختلط حولها القيم والسلوكيات والثقافات .. وبين اللونين الأزرق والأبيض كذلك ثمة تنظيم لم يجد الاهتمام في ترتيب هذه العملية وفق مستجدات العصر.. فالطريق ضبابيّ مبنيّ على اجتهادات تعتمد على التكسب بأية طريقة على امتداد شوارعنا من كمزار شمالاً وحتى حاسك جنوباً.. فالحياة مفتوحة على مصراعيها في إيجاد حياة كريمة.. إلا أن من يقبع تحت تلك المظلة وهم سائقو مركبات الأجرة رقم صعب لم يُلتفت إليه لتفسير ما قد يحدثونه من فارق في البُعد السياحي والاجتماعي والاقتصادي.. فعلى الرغم من الخصوصية التي نتميز بها من حيث الكادر الذي يقوم بتلك العملية إلا أننا تأخرنا كثيرًا في لملمة هذه المهنة بأبعادها المختلفة من أجل إيجاد تنظيم واضح يُحقق توازنا اجتماعيا وعيشًا كريمًا لفئة أحبت هذه المهنة بكُل تفاصيلها.. فالمجتمع عبر مؤسساته وأفراده اعتبروها حالة طبيعية تتنامى وتتطور بتطور المجتمعات وتتوسع مع التمدد السكاني والعمراني.. إلا أنّ هذه الفكرة لم تعد تقنع من يقف على مقربة من هذه المهنة بفئاتها المختلفة، مع حفظ بعض الإسقاطات الإعلامية بين الفِينة والأخرى عليها.

تعتبر قضية سائقي الأجرة قضية شائكة في مختلف المجتمعات، لكن الكثير من الدول استطاعت أن تُشرّع هذه المهنة وتلقي بها في خانة الخصخصة بإدارة شركة ما تقوم بجلب أيدي عاملة أجنبية لإدارتها كونها تُعتبر مهنة وضيعة لا تصلح لأبناء الوطن، لكن وفي مجتمعنا استطعنا أن نلقيها لفئة غير معروفة أبدًا من حيث عددها أو مضمونها، فالكثيرون اعتبروها مهنة مكمّلة لقضاء وقت فراغ ما بعد العمل، والآخر اعتبرها محطة مُكمّلة أيضًا لفترة ما بعد التقاعد لتكون دخلاً إضافيًا لعيش كريم.. خلال الأسبوع الماضي ألقى برنامج تحت الضوء قليلاً من الضوء عليها لينير عتمتها ويتحسس صعوباتها وما تبذله الحكومة من جهود في الاهتمام بها، إلا أن هناك الكثير من النقاط يجب الوقوف عليها تخص البرنامج والمهنة ذاتها من حيث توقيت الطرح والآلية الفنية المتبعة (في الفترة الأخيرة) من قبل القائمين على البرنامج، لذلك أرتأيت الوقوف عليها من باب الاجتهاد ليس إلا.

تحت الضوء برنامج تلفزيوني تكفل به قطاع الأخبار عبر منظومة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من أجل إلقاء مزيد من الضوء والتمحيص لمختلف قضايا المجتمع في إطار الوظائف الإعلامية التي يجب أن يؤديها الإعلام، إلا أنه ومع عدم معرفة قوة البرنامج تمت إزاحته من الخريطة التي تُمثل أوقات الذروة ليكون برنامجا مسجلا يقبع في وقت متأخر من الليل (الساعة الحادية عشرة ليلاً) لذلك فَقَدَ البرنامج بريقه وقوته من حيث تأثيره على أصحاب المهنة وصُنّاع القرار في شرطة عُمان السلطانية وبلدية مسقط وجهات أخرى، وبالتالي ذهب التحليل أدراجه وبقيت آثاره تتناقل عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خجول، لأنّ الشبكة العنكبوتية أبت استيعاب ساعة كاملة لكي نحظى بمتابعة غير متقطعة، وهذه قضية أخرى يُحتم علينا إلقاء الضوء عليها في ظل وجود التنافس غير العادل، وعليه فإنّ أصحاب القضية وهم سائقو مركبات الأجرة لا يوجد لهم تنظيم أو حتى جمعية تنادي بأصواتهم وتضع الصعوبات التي تُعرقل مسارهم على طاولة المسؤولين .. فجميع ما ذكره البرنامج هي اجتهادات تعتمد على الأمنيات وجملة من التسويفات أطلقها ضيوفه.

تنبري بين فترة وأخرى الكثير من القصص حول هذه المهنة، فأحياناً يكون بطلها سائقا جشعا لا يفطن إلا لرائحة المادة وصوت "البيسة" وهي تتدحرج على أرض خشنة، وأحياناً أبطالها أصحاب المركبات الخصوصية عندما يزاحمون هذه الفئة على فئة من الركاب ليقضوا حاجة في نفوسهم .. فهذه قصة واقعية شهدتُ بعض فصولها.. ففي وقت الظهيرة ودرجة الحرارة تشتد وتتزايد لتصل إلى 48 درجة مئوية، سائحتان من الجنسية الآسيوية جاءتا من دولة مجاورة تقفان على شارع فرعي، وهناك مركبة أجرة تقف بجانب إحداهن لمعرفة قيمة الأجرة، وفي مساحة ليست بالبعيدة تقف مركبة خاصة لتعرض على الأخرى خدماتها لنقلها وبالمجان إلى المكان المطلوب.. تتّجه الأولى إلى رفيقتها وتترك قائد مركبة الأجرة لأنّها حظيت بسيارة مجانية (مكيفة وجميلة) ، هنا يثور صاحب الأجرة ويزمجر ويتلاسن مع ذلك الشاب الذي قطع عليه رزقه .. صُراخ يشوبه عبارات التهديد والوعيد .. إلخ.، والسائحتان مندهشتان من المنظر إلا أنهما فضّلتا أن يكون نقلهما للجهة المطلوبة مجاناً، ذلك مشهد بسيط من مشاهد كثيرة... وما خُفي كان أعظم وأمر. تحت الضوء سلط ضوءه على محاور كثيرة، ووضع ضيوفه أمنيات عديدة إلا أن الاستجابة من الجهات المختصة بطيئة جداً، فمهنة قائد مركبات الأجرة تحتاج إلى تشريع وقانون يُلزم كل الأطراف باتباعه، إلى جانب وجود مؤسسة واحدة تقوم على تنظيم آلياته، حتى لا تختلط الاهتمامات والأولويات لأنّ البعد الحضاري والثقافي والاجتماعي والسياحي أصبح مشهدا يوميا يجب الاعتناء به من أجل تقديم البلد بصورتها الحقيقية لجعل قطاع السياحة مساهما أكبر في رفد الحياة واستقرارها.

لا تتوفر إحصائية دقيقة واضحة لعدد سائقي الأجرة إلا عبر معرفة الأرقام أو الرخص التي صرفتها شرطة عُمان السلطانية، وهي أرقام لا ندري فاعليتها على أرض الواقع، ولا من يدير هذه المركبات، فبالتالي نحن بحاجة إلى جعلها مهنة وليست تكملة وقضاء وقت فراغ سيؤثر سلباً على فئات وقيم المجتمع، كما أننا نحتاج إلى ربط تجديد الرخصة أو رقم الأجرة أو إصدار رقم جديد بمسألة الأمان الاجتماعي لمن اتخذها مهنة حصرية لقوت يومه وذلك عبر مظلة التأمينات الاجتماعية على العمانيين العاملين لحسابهم الخاص ومن في حكمهم، حيث يقوم هذا النظام بتوفير الأمان المستقبلي في حصول صاحب المهنة على تقاعد عند استيفاء الشروط، كونها مهنة لا تقل عن المهن الأخرى، وبوجود هذا النظام فإنّ الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية تُجاهد وتقاوم في مسألة تعريف هذه الفئة المبعثرة بأهمية النظام، لذلك آن الأوان أن تعمل الجهات تحت هدف واحد وأن تكون هناك جهة واحدة تلم شمل هذه الفئة ليسهل التخاطب معها والوصول إليها، كما أنه ومن خلال التجارب نكتشف أن من يقوم على هذه المهنة لديه وظيفة أخرى أو أنه متقاعد من عمل خاص أو حكومي، لذلك فالتنظيم واجب وحتمي من أجل تحقيق الأهداف.

قبل أن يُسدل الستار .. علينا أن نضع البرامج الهادفة في ساعات الذروة بصفة مباشرة لا بصفة تسجيلية.. لأن البرامج المباشرة أكثر فاعلية وتحمل في طياتها الشفافية والدقة والحيادية وهي مبادئ يقوم عليها الإعلام.

همسة:

مهنية الإعلام تقوم على أسس واضحة وصريحة لكنها لا تعتمد على التجريح والتشهير.. فكلما اقتربنا من معرفة وظائف الإعلام كلما حققنا النتائج الإيجابية مبتعدين عن صخب المجاملات والاجتهادات التي تُسيء فهم واقع الإعلام وأهدافه.. فالنأي بالإعلام عن فقاعات الشهرة الخدّاعة حري بأن يُرجع للإعلام هيبته ومكانته.

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك