ولنا أخلاقنا

سارة البريكيَّة

حينما أكون مع ذاتي أستدعي الذكريات وعددا من صور الحياة الكريمة التي نعيشها اليوم، ويأخذني الفكر حينها إلى ما نحن فيه من خير وراحة وأمن وأمان.. وآخذ وقتها بالتجوال فكريا هنا وهناك، والتأمل بعين يملؤها الرضا عن واقعنا العماني.. طائفة على مسندم فصلالة جنوبا، ومارة بالشرق بدءا من رأس الحد، وإلى اقصى الغرب لدينا في عمان، فإنَّ حالة من النشوة تعتريني، والسرور يغمرني، كيف لا ونحن -ولله الحمد- دولة تعيش في منأى عن الصراعات الطائفية والمذهبية والسياسية ومجمل الفتن، وتنعم وشعبها الكريم المتماسك في وحدته براحة وطمأنينة واستقرار، وهذا كله عائد إلى النهج الحكيم والسياسة المتزنة لمولانا جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه.

ومنذ فترة، كنت أتابع عبر جهاز التلفاز إحدى الجلسات النقاشية والتشاورية التي عقدت بإحدى الدول، وإذا بي أرى القاعة قبل أن ينفض الاجتماع وقد تحولت إلى هرج ومرج واعتداء الحضور على بعضهم البعض بالضرب والتنابز بالألقاب والسب والشتائم، وتذكرت حينها جلسات مجلسي الدولة والشورى، وكيف تكون طبيعة وشكل الحوار فيهما، وبين الأعضاء والرؤساء والضيوف، فحمدت الله على هذه النعمة.

... إنَّ انعقاد الجلسات البرلمانية لدينا في عمان وأي جلسة واجتماع كان، نجد أنَّ الأسلوب الراقي والحوار الهادئ هو السائد فيه، والهدوء والعقلانية والنقاش المتزن هي السمات الطاغية عليه؛ إذ لا يتحوَّل النقاش بين الأعضاء والرئيس وضيف الجلسة إلى صُراخ وانفعالات تخرج بصاحبها إلى الاعتداء على الغير بالسب أو الضرب أو الشتم؛ سواء كان ذلك غير مسؤول أو عضوا أو ضيفا، وكذلك الحال بالنسبة للجلسات التي تعقد في الجانب البلدي أو المحلي، في معظم محافظات وولايات السلطنة، وحينما نريد أن نحلل سلوكَ أولئك الأفراد في تلك الدول التي يحدث بها مشاجرات تحت قبة برلماناتهم...وغيرها، نجد أنَّ ذلك عائد إلى الجهل وانعدام الأخلاق، وغياب الوازع الديني والرادع الذاتي، وانحسار الفهم والوعي والاحترام، وتبلد الثقافة الشخصية والمجتمعية.

ويُعتبر سلوك أي فرد في أي مجتمع كان، ترجمة لما هو سائد في مجتمعه من أخلاق وأعراف وقيم نبيلة، والتي لها شأن عظيم في حياة الناس؛ فالأخلاق هي فن التعامل مع الغير، والدين يقوم على حسن المعاملة كما جاء في الحديث النبوي الشريف: "الدين المعاملة"، وهو منظم لعلاقات الإنسان بربه وبنفسه؛ فكيف بعلاقته بالناس، ولا ننسى أنَّ رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- بُعث متمما لمكارم الأخلاق، وأنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال "لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"، فإذا نحن العمانيين اشتهرنا بهذه المعاملة الحسنة فيما بيننا، وبتقديرنا للضيف واحترامنا له، فإن احترامنا لبعضنا البعض ولقوانين بلدنا وأنظمتها أكثر أهمية ومسؤولية، ولا شك أن جلالته -أعزه الله- له دور كبير في ترسيخ الأخلاق والقيم والمثل العليا فينا، وتعزيز عناصر التسامح والقوة والولاء والتعايش السلمي في مجتمعنا العماني.

... إنَّ مولانا جلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- قد أحاط بلده وشعبه جل رعايته واهتمامه، وكان الثالث والعشرون من مارس من هذا العام حيث عودة جلالته من ألمانيا، مرحلة جديدة من مراحل العمل والبناء والاستمرار، على ما نحن عليه من ثقافة ووعي وحضارة؛ استنادا لماضٍ تليد واستشرافا لمستقبل مشرق.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك