بالتعليم نحيا ونتطور

مدرين المكتومية

جميعنا يعلم أنّ التعليم يمثل مرحلة انتقالية في تطور المجتمعات وتشكّلها، وأهميته اليوم لم تعد محل جدل أو شك، فقد أثبتت تجارب الأمم سواء السابقة أو الحالية وبما لا يدع مجالاً للشك أن بداية أي تقدم حقيقي في نهضة الدول يكون عبر بوابة التعليم، بل أضحى مقياسا لتقدم الدول والشعوب في مراقي التطور والنماء، فالبلدان والحضارات التي سادت العالم ردحًا من الزمان لم تبلغ ما وصلت إليه من قوة اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية إلا عن طريق التعليم.

وليس هناك مجالا للشك حول أن تحقيق مجتمع صحي خال من التخلف الفكري والثقافي لن يكون إلا بوجود مؤسسات تعليميّة راسخة، قادرة على أن تقدم مخرجات تعليمية تستطيع الانخراط في سوق العمل متى ما قُدر لها أن ترفد مسيرة الوطن بالعطاء.

فمقتضيات العصر في زمان الطفرة الرقمية الآن تحتم على الجهات المعنية بالتعليم مواكبة الإصلاحات التعليمية الشاملة بهدف إعداد أبنائنا ومواطنينا لمواجهة تحديات السنين القادمة ومواكبة ثورة المعلومات والتكنولوجيا.
بها.

فالتعليم الذي كان يقدم في السابق لا يمكن تطبيقه على جيل "الآيباد ووسائل التواصل الاجتماعي" فهو جيل حداثة يستطيع الحصول على المعلومة في أقل من الثانية، ويستطيع أن يجاري غيره بثقافته إن تمّ تعليمه بدل تلقينه ما عاش عليه السابقون. فالعالم يتغيّر وكل جيل يختلف عن غيره. وقديمًا قالها علي بن أبي طالب رضي الله عنه " ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم" وهذه لعمري نظرية رائعة، ربما تساعدنا على تفسير كثير من الإخفاقات التربوية التي منينا

ولا أشكك أبدًا في أن الجيل السابق برغم مساحة التعليم الضيّقة استطاع أن ينهض بالدولة، وقدم جيلا واعيًا مدركا لمسؤوليته القادمة لبناء عمان وحاضرها المشرق.

يجب أن يعاد النظر في منظومتنا التعليميّة من مرحلة الأساس والإعداد وحتى الدراسات العليا، لاسيما شهادات الدكتورة التي يستطيع امتلاكها الجميع إمّا لأجل تحسين الراتب أو لرؤية حرف الدال يسبق اسمه، أو سماع جملة الدكتور فلان؛ فالشهادة والدرجات العلمية وللأسف الشديد، أصبحت في العديد من الدول لا تحتاج إلى ذلك الجهد للحصول عليها، وربما في بعض الدول يدور حديث كثير حول منحها وتوفرها بحسب السعر ومقدار ما يدفعه الشخص.. كما يجب أن يعاد النظر في الموظف الطالب الذي ينتهي من الدبلوم العام وينخرط في الدراسة ويثقل كاهل التعليم بمنحة مدفوعة والوظيفة براتب شهري مع التفريغ الكامل وهو في نهاية المطاف لا يطمح إلا للراتب، وفي كثير من الأحيان يسلك تخصصا لا يتناسب ووظيفته..

ولكن؛ بعد 40 عامًا من فجر النهضة المباركة هل استطاع التعليم أن يحقق المنشود منه؟ وهل مخرجاتنا مع التخصصات المتاحة قادرة على أن تخوض تجربة العمل بمستوى متميّز للعشرين عاما القادمة؟ وهل النسبة المطلوبة من الخريجين في التخصصات التي نحتاج إليها كافية وتفي بالغرض؟.. هذه الأسئلة وتحويلها إلى عمل ملموس على أرض الواقع يحتم علينا جميعا وعلى رأسنا حكومتنا الرشيدة والجهات المعنية بأمر التعليم وضع استراتيجية حقيقية تستصحب معها احتياجات السلطنة على مر السنين القادمة، وألا يرمى عبء ومسؤولية التعليم على كاهل وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي فقط؛ وإنما يجب تكاتف جهود كل الوزارات، بعمل سجل سنوي بالاحتياجات والمطالب من الخريجين ونسبة الكفاءة التي يجب أن يكونوا عليه، حتى لا نقع في ما يُعرف بنقص الكوادر المتخصصة، مما يدفع بنا مستقبلا للاستعانة ببيوت خبرة خارجية وعالمية دون الإعداد لمثل هذه الاحتياجات التي يكون على رأسها العماني.

نحتاج تخطيطا حقيقيا واستراتيجية واضحة توضح احتياجات كل وزارة وهيئة ومؤسسة سواء في القطاع العام أو الخاص، كما يجب أن ننظر للعشرين سنة القادمة بمنظور الحوجة للتخصص الذي يتناسب والتشغيل حتى لا نقع في فخ زيادة المخرجات التعليمية، وحتى لا نجد أنفسنا مضطرين لوضع موازنات مالية طائلة لجلب بيوت خبرة عالمية لشغل الوظائف لدينا، فابن البلد أحق بذلك.

أخيرا أقول ليس عيبا أن يحمل أحدهم شهادة تقنية وفنية أو يعمل ميكانيكيا أو نجارًا فجميعها وظائف تكفينا مد يد الحاجة، وتجعلنا نعتمد على أنفسنا وتحمل المسؤولية.. ونحن على مشارف امتحانات الدبلوم العام أناشد الجهات أن تقوم بوضع خطة حقيقية يساهم الجميع في نجاحها وأن يكون التعليم ليس للتعليم فقط وإنما لتحقيق النجاحات والتخطيط للغد بطريقة واقعية تبعدنا عن الفجوات المستقبليّة.

تعليق عبر الفيس بوك