الذكاء الجمعي

نوف السعيدي

ما هو عدد حبات العلكة الموجودة في الحاوية الزجاجية لآلة كرات العلكة؟ طُرح هذا السؤال على مجموعة عشوائية من المتطوعين المشاركين في إحدى حلقات الموسم الرابع من "ألعاب العقل" الذي يُعرض على قناة نات جيو. وقد لا نتفاجأ إذا علمنا أن المشاركين العشرين فشلوا جميعاً في تخمين عدد حبات العلكة، لكن المفاجئ حقاً هو معرفة أن حساب المعدل[1] يعطينا نتيجة مقاربة جدا من الإجابة الصحيحة! إذن فالعقل الجمعي ينجح أحياناً فيما يفشل به الدماغ الفردي!

الذكاء الجمعي الحيوي

يمكن تعريف الذكاء الجمعي بأنه الذكاء المشترك لمجموعة كائنات مستقلة متعاونة معاً. ظهر هذا المفهوم في البداية في العلوم السياسية والقانون وكانت إحدى تطبيقاته هيئة المحلفين التي لا تعتمد على حكم فرد بل على الحس السليم لمجموعة كاملة. ثم ظهرت عند علماء الأحياء الذين لاحظوا العمل الجماعي لدى الكائنات الحية كالبكتيريا والحشرات، و الحركة المتناسقة للقطعان والأسراب. إلا أن مصطلح "الذكاء الجمعي" لم يظهر إلا لاحقاً لدى علماء الاجتماع.

يُنظَّم السلوك البشري بمجموعة من الأدوات منها الأشكال المتفق عليها كالقوانين، والمتفق عليها ضمنيا كالأخلاق والحس المشترك أو ما يُسمى الفطرة السليمة. هذه المظاهر هي ما يضبط الفعل البشري ويحمي وجوده عن طريق إعادة التوازن وفق متطلبات الظروف. لذلك حُقّ لكورنريخ أن يسأل فيما يتعلق بالمتع البشرية: "هل نسير نحو التدمير نتيجة الاستهلاك الجامح، الناجم عن طلبنا المحموم للمتعة؟ أم هل يشكل الدماغ الجماعي الرائع، الذي بات على وشك أن يتكون من 7 مليارات شخص يتواصلون في ما بينهم، ضمانة لمستقبل أفضل، وإمكانيات لا يرقى إليها الشك."[2]

الذكاء الجمعي الاصطناعي

لقد كان المفكر وعالم الاجتماع الإنجليزي هيربرت جورج ويلز أهم المتحمسين لفكرة أسماها "الدماغ العالمي" وتعني القدرة على مشاركة عدد هائل من المعلومات والبناء عليها بشكل حر. وكان حُلم ويلز بمثابة التنبؤ بما حُقق لاحقاً عبر الإنترنت بشكل أساسي وما رافقه من تطبيقات كالويكبيديا والبرمجيات مفتوحة المصدر.

يمكن اختصار الذكاء الجمعي في ثلاث قيم أساسية (أو بشكل أدق يمكنه تحقيق أحد هذه القيم على الأقل): التعاون، الحُكم )اتخاذ القرارات، وتقديم التوقعات)، والتوجيه أو التنسيق. كان الذكاء التجميعي ممكنا قبل الإنترنت حيث بالإمكان استخدام المسوح والاستبانات وووسائل جمع المعلومات الأخرى، غير أن القدرة على جمع المعلومات من آلاف وحتى ملايين الناس على الشبكة فتحت الباب على فرص واحتمالات جديدة‏. أهم الوظائف التي تقوم بها الأنظمة المبنية على الذكاء التجميعي -أيا كان الغرض منها- مع الاستعانة بمفاهيم الذكاء الإصطناعي وبالأخص مجال تعلم الآلة:

1. تقديم التوصيات: تقديم الاقتراحات لمستخدمٍ ما من خلال تحديد المستخدمين الذين يماثلونه في الذوق، واقتراح المواد التي لم يصل إليها من قبل. ومثال على ذلك التوصيات التي تُقدمها مواقع التسوق لزوارها.

2. البحث: تحسين نتائج البحث بالإستفادة من: ترتيب الصفحات لمستخدم يبحث عن شيء للمرة الأولى بناءً على رأي المستخدمين الآخرين فيها واتخاذهم إياها كمصدر، أو بناءً على الصفحات التي زارها المستخدم مسبقا، أو حتى النتائج التي اختارها. وأشهر مثال على ذلك محرك البحث جوجل.

3. التحسين: هناك بعض التطبيقات تستدعي التعامل مع العديد من المتغيرات التي تؤثر في نتيجة ما، كتوزيع مجموعة كبيرة من الطلبة على مجموعة تخصصات بالإعتماد على: مستوياتهم، رغباتهم، والقوة الإستيعابية لتلك التخصصات. كما يفعل نظام القبول الموحد على الأغلب.

4. الترشيح (الفلترة): بالاستفادة من تاريخ تعامل المستخدم مع المواد الشبيهة، وتطبيق هذه المعرفة على المواد الجديدة التي تواجهها. كترشيح رسائل البريد الإلكتروني واستبعاد الرسائل المزعجة.

5. تقديم التوقعات: الاستفادة من المعلومات التي مرّت على النظام للتعامل مع المعلومات الجديدة، كتقديم توقعات أسعار المنتجات أو التذاكر.

6. التصنيف: القدرة على معرفة التصنيف الذي يندرج تحته عنصر من العناصر، يمكن الاستفادة من ذلك لاكتشاف الإهتمامات وبالتالي معرفة المنتجات الملائمة أو الأصدقاء الملائمين ضمن شبكة إجتماعية مثلا.

أمور مثل الذكاء الجمعي تجعلنا نستوعب أهمية الفوارق بيننا، وكيف يمكن للإختلاف أن يصنع عالما أكثر كفاءة. نحن بحاجة إلى المتشائم بقدر حاجتنا للمتفائل، والقاسي والرحيم وكل الصفات التي لا يمكن أن تجتمع في فرد.

هوامش:

0- التركيب الإنجليزي (Collective Intelligence) يقابله العديد من الترجمات العربية مثل: الذكاء الجمعي/ الذكاء الجماعي/ الذكاء التكافلي/ الذكاء التراكمي

1- مجموع التخمينات مقسوم على عدد المشاركين

2- شارل كورنريخ، تطور المتع البشرية: رغبات وقيود، ترجمة: محمد حمود، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، بيروت 2014



تعليق عبر الفيس بوك