الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد

زاهر بن حارث المحروقي

أيّ دولة في العالم لن تكون دولة قوية وحقيقية؛ إلا إذا اهتمت بتقوية اقتصادها، لأنّ أيّ نجاح يتحقق يكون بفضل ذلك الاقتصاد عندما يكون قوياً، وقد تكون عمان الآن في أمسِّ الحاجة إلى الاهتمام بتقوية اقتصادها؛ لأنّ عبارة "تنويع مصادر الاقتصاد الوطني" التي ترددت عبر وسائل الإعلام العمانية منذ سنوات طويلة، يبدو أنها لم تتحقق حتى الآن، إذ ظلَّ الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل القومي مستمراً حتى الآن، رغم كلِّ الدراسات التي نُشرت حول نضوب النفط والغاز.

وتأتي أهمية الاهتمام بتنويع مصادر الاقتصاد العماني في هذا الوقت، أكثر من أيِّ وقت مضى، لأنّ ظروف المنطقة قد تغيّرت، وأصبحت الدول الشقيقة في منظومة مجلس التعاون، تنظر إلى المواقف السياسية العمانية المستقلة بنظرةٍ أقربَ إلى صيحة الرئيس بوش الابن، عندما قال "من ليس معنا فهو ضدنا"، ممّا يعني -ضمن ما يعني- أنّ علينا أن نلغي أنفسنا ونذوب مع الآخرين، إنْ حاربوا حاربنا وإنْ رضوا رضينا، وأن نتلقَّى التعليمات من خارج مسقط، تنير لنا الطريق وتقول لنا علينا أن نصادق من ونعادي من..؟!، وهو قد يكون مؤشراً على ما هو آتٍ في الوقت القادم، ممّا يحتِّم على المسؤولين أن يركزوا في قضية تقوية الاقتصاد العماني، هذا خلاف ازدياد عدد السكان، وارتفاع معدلات العاطلين، وتقلص المخزون النفطي مع الانخفاض في الأسعار، ممّا يدلّ على أهمية العمل بجد لتحويل شعار "عدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل" إلى حيِّز التنفيذ؛ فكما هو معلوم، عندما يكون اقتصاد أيِّ دولة قوياً، فهذا يعني قوة الدولة في كلِّ شيء، وعندما يكون الاقتصاد ضعيفاً فالدولة تكون أيضاً ضعيفة.

ولقد منح الله عمان هذا المحيط، حيث انطلق العمانيون عبر البحار، وأقاموا علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع العالم، وهو ما نحتاج إليه الآن؛ إذ الوضع يتطلب أن نقيم علاقات اقتصادية ومصالح مشتركة قوية، مع دول تملك الكثير لتعطيه لعمان، مثل إيران وباكستان والهند والصين وأفريقيا، وغيرها من دول شرق آسيا، وفي الأساس كانت العلاقات العمانية مع هذه الدول مبنية على التجارة؛ فإذا أخذنا مثالاً واحداً؛ فإننا نرى أنّ العلاقة بين عمان وشرق ووسط إفريقيا تعود إلى أكثر من ألفي عام، وقد كانت تجارية وتطوّرت مع مرور الزمن، إلى علاقات ثقافية واجتماعية، وانتهت إلى هجرة العديد من العمانيين إلى هناك، بحثاً عن الرزق والعيش الكريم، وليس مطلوباً الآن أن يهاجر العمانيون، بل المطلوب أن تستفيد عمان من الثروات الطبيعية الوفيرة، التي تتمتع بها بلدان شرق ووسط إفريقيا، من خلال العمل الجاد، بإقامة مشاريع تجارية ضخمة مع تلك الدول، بحيث تكون الساحةَ الخلفية لعمان، فما تفتقده عمان من الثروات الطبيعية هو موجود هناك، ممّا يوجب على عمان أن تنظر إلى ما هو أبعد من حدودها الجغرافية، من أجل البقاء على المدى البعيد كما كان دأبها عبر التاريخ، ولكن التغني بالتاريخ وبالأمجاد لم يعد ذا فائدة الآن، ويكفينا كثرة ما عزفنا على هذا الوتر حتى أصبح نغمة نشاز.

وتستطيع عُمان أن تقيم صناعات عديدة مع الدول الصديقة؛ وأن تنتج كميات هائلة من السلع الاستهلاكية، لتغطية الطلبات المحلية، ثم لتصديرها إلى أسواق شرق ووسط وجنوب إفريقيا؛ لأنّ هذه الدول تتمتع بكثافة سكانية تزيد على مئتين وخمسين مليون نسمة، وهي بذلك سوق مستقبلية هائلة لمليارات الدولارات؛ كما أنّ هذه الدول بها ثروات طبيعية وزراعية ومعادن، يمكن أن تكون رافداً قوياً للاقتصاد العماني، فما تم حتى الآن من التبادل التجاري مع هذه الدول لم يرق إلى المستوى المطلوب، رغم المساعدات الكثيرة التي قدمتها الحكومة العمانية لبعض هذه الدول؛ إلا أنّ عدم الاهتمام بتقوية تلك الروابط، جعل من بعض الدول في المنطقة تتسابق الآن للاستثمار في تلك الدول، في الزراعة والسياحة والصناعة والتعدين وغيرها من الأنشطة، كما بدأ بعض الأفراد الخليجيين، -ممن يتمتعون ببعد نظر-، الاستثمار في العقارات والقطاع السياحي في شرق إفريقيا، وانتقلوا إلى مجالات تجارية أخرى.

إنّ تلك الأسواق الواعدة يجب أن تقع في إطار الإهتمام العماني، خاصةً وأنها ليست جديدة على العمانيين، الذين ظلوا يمارسون التجارة معها على مدى أكثر من ألفي عام تقريباً، و ما زال العمانيون المقيمون هناك يمارسون التجارة والأعمال الأخرى؛ ومن ميزة عمان أنّها تتمتع بمميزات عديدة في أسواق شرق ووسط إفريقيا، تتفوق به على معظم بلدان الخليج الأخرى، ومن هذه المميزات وجود عدد من السكان ذوي الأصول العمانية يقيمون هناك، ويعرفون المواطنين المحليين معرفة تامة، كما يعرفون لغاتهم ونمط تفكيرهم وفلسفتهم للعمل، ثم إنّ لديهم علاقات وقدرات تمكنهم من الوصول إلى صناع القرار، وهي ميزة لا تتوفر لغيرنا ولكنّ غيرنا قد سبقنا الآن إلى هناك، والخشيةُ أن نلعب في الوقت بدل الضائع، وألا نستغل "قوتنا الناعمة" في القارة.

في دراسة أعدها المكرم محمد بن سعيد المحروقي عضو مجلس الدولة، عن فرص الاستثمار في شرق ووسط أفريقيا، بعد أن قدّم نبذة تاريخية عن العلاقة التجارية التاريخية بين الطرفين وفرص الاستثمار العماني هناك؛ قدم عدة توصيات لتطوير تلك العلاقة، منها؛ تشكيل لجنة خبراء، تضم ذوي المعرفة والكفاءة من رجال الأعمال والاقتصاد والتجارة، وعلماء الاجتماع والسياسة، والمسؤولين الحكوميين الذين يعرفون المنطقة، لإجراء الدراسات والبحوث للخروج بتوصيات تقوم على استراتيجيات للعمل على المدى القريب والمتوسط والبعيد للتعامل مع المنطقة، في المجالات والبحوث المتعلقة بالقضايا التاريخية والسياسية والاقتصادية.

وكذلك توصية بإنشاء وحدة للأبحاث الاقتصادية، مهمتُها جمع المعلومات الاقتصادية، وتقييم الأوضاع السياسية، وإجراء دراسات الجدوى ورفع التوصيات في شأن المشاريع الاقتصادية والتجارية التي يمكن تنفيذها، كما نصت التوصيات على زيادة عدد العاملين في السفارات العمانية هناك، ومراعاة أن يكونوا من ذوي المعرفة والإدراك بتاريخ وسياسات المنطقة، إضافة إلى قدرتهم على تقييم فرص واحتمالات الأعمال التجارية الجديدة، مع تكثيف الرحلات الجوية للطيران العماني إلى زنجبار ودار السلام وكذلك كينيا وأوغندا.

إننا بحاجة إلى خطوات جادة وملموسة للعمل على تقوية الاقتصاد العماني من خلال البحث عن مصادر دخل جديدة وقوية ودائمة، ومن خلال الاهتمام الجاد لتحقيق ذلك؛ بدلاً من الاعتماد على دراسات إثر دراسات دون أن ترى نتائج هذه الدراسات النور؛ فيما غيرنا يبدأ بعدنا ويسبقنا، ومما يؤسف له أنّ مؤتمراً أو ندوة أقيمت في زنجبار عن فرص الاستثمار العماني هناك، حضرها من عمان، عمانيٌّ واحد فيما حضرها أكثر من خمسة عشر شخصاً آسيوياّ، ممّا أدى إلى طرح بعض التساؤلات، منها هل هؤلاء يمثلون عمان أو يمثلون الدولة التي أتوا منها..؟!

كان ذلك عن شرق ووسط إفريقيا، فهناك أماكن أخرى يحتاج أن نركز عليها، فلقد كان الله سبحانه وتعالى كريماً مع عُمان، عندما أتاح لها هذا البحر، الذي كان مصدر خير ورزق لعمان وللعمانيين عبر التاريخ، وعلينا الآن أن نستغل ذلك، وأن نتجه إلى خارج المحيط، فالدورُ السياسي الذي قامت به عمان في تقريب وجهات النظر بين إيران وأمريكا، يجب أن يعود بالنفع إلى عمان، بأن تستثمر عمان ذلك الدور، بأن تتصدر عُمان الدولَ المستفيدة من الرفع المتوقع للحظر الاقتصادي الغربي المفروض على إيران، وذلك بعد الاتفاق المبدئي مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني، وذلك موضوع آخر يحتاج إلى مقال آخر مستقل، فلدى إيران الكثير ممّا قد تقدمه لعُمان، سواء اقتصادياً أو علمياً أو زراعياً أو طبياً وغير ذلك من المجالات؛ كما أنّ ما ينطبق على إيران ينطبق أيضاً على دول مهمة مثل باكستان والهند والصين وغيرها من الدول، ويجب أن يكون شعارنا الآن هو "الاقتصاد.. ثم الاقتصاد.. ثم الاقتصاد".

Zahir679@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك