خطوط حمراء لا يراها أحد

فؤاد أبو حجلة

ردّ الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة في الجامعة العربية على الدعوات التي وجهتها منظمة "الهيكل" الإسرائيلية إلى اليهود للمشاركة في اقتحام جماعي للمسجد الأقصى بمناسبة الأعياد اليهودية، باطلاق تصريحات تحذيرية نارية قال فيها إنّ قضية القدس هي أمّ القضايا الإسلامية.

السفير محمد صبيح أكد في تصريحاته أيضًا على أنّ المخططات الإسرائيلية لإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى هي مجرد أوهام. وقال إن "الجامعة العربية أبلغت العالم أجمع أنّ القدس خط أحمر".

لا أشك لحظة واحدة في صدق الصديق السفير صبيح، ومن يعرف الرجل يعرف كم هو مخلص لقضايا أمته وبخاصة قضيّة شعبه الفلسطيني. لكن مشكلة السفير الصادق تتلخص في تصديقه للنظام العربي والشعارات المرفوعة في الجامعة العربية، ما يدفعه ويدفع غيره من المقتنعين بجدوى وجدية الرسميّة العربية إلى الرهان على مواقف لا تتحقق.

هل يمكن اعتبار قضيّة القدس حقًا أُم القضايا الإسلامية؟ وهل يمكن القول إنّ قضية فلسطين هي أمّ القضايا العربية؟

بالطبع، يؤكد الواقع عكس الافتراض المنطقي، فلا العالم الإسلامي ومنظمته الرسمية مهتمة بالقدس، ولا العالم العربي وجامعته العتيدة معنية بفلسطين. وما كان الاهتمام بالقدس وفلسطين كلها في العقود الماضية يتجاوز حد المزايدات بين الأطراف المختلفة في النظام العربي، وما كانت الجامعة العربية إلا مؤسسة للخطابة والشعارات غير المتحققة والقرارات والمهمات التي تثير التساؤل بدءًا من جيش الإنقاذ وانتهاء بتبني القمم العربية لمبادرات التسوية السياسية مع إسرائيل التي تسخر من هذه المبادرات ولا تقيم لها وزنا.

كان السفير صبيح حاضرًا في القمم العربية التي أعلنت رصد ميزانيات كبيرة للحفاظ على عروبة القدس ومحاربة تهويدها، ويعرف الأمين العام المساعد أكثر من غيره أنّ معظم الوعود العربية تبخّرت في هواء الأنظمة ولم تصل إلى صندوق القدس إلا مبالغ صغيرة جدًا من الأرقام الضخمة المعلنة.

وربما يتذكّر السفير صبيح ما قاله الزعيم الراحل ياسر عرفات عن الدعم العربي، حين أوضح أنّ العرب قدموا للثورة الفلسطينية ملياري دولار في عشرين سنة ودعموا مجاهدي أفغانستان بعشرين مليار دولار في سنتين.

القدس يا سعادة السفير ليست خطًا أحمر لأنّ الولايات المتحدة لا تريدها أن تكون خطًا أحمر، ولأنّ القرار الرسمي العربي مرهون برغبة واشنطن وإرادتها، وليس هذا انتقادا للنظام العربي بقدر ما هو وصف لواقع الحال، يدركه الصغير قبل الكبير في شوارع العرب العامرة.

ولدى العرب الآن ما يشغلهم عن فلسطين وعروبتها، وهناك حروب لا بد أن يخوضوها ضد بعضهم في سباق المسافات الطويلة والمساقات الدموية لرسم خرائط ما بعد "الربيع السياسي" اليابس والبائس. ولدى المسلمين حروب قائمة وأخرى منتظرة بين السنة والشيعة، وما زال أبو لؤلؤة المجوسي يختبئ في المساجد وما زال عبد الرحمن بن ملجم يقبع في الحسينيات، وما زال التربص مهمّة الطوائف وواجبها المقدس.

حروب تشتعل في كل الجهات وعلى كل الجبهات إلا فلسطين، وتحالفات يصير فيها العدو صديقًا، وينقلب فيه الشقيق إلى شقي.. ولا أحد معني بأولى القبلتين وثالث الحرمين.

إنّه الواقع الموجع الذي تختار الجامعة العربية أن تنفصل عنه، فتعلن خطوطها الحمراء في زمن عمى الألوان الذي أصاب أمة تحث خطاها نحو فنائها. وهو الواقع الذي يؤكد أنّ العرب فشلوا في تحقيق مشروع الدولة ناهيك عن مشروع الأمة التي توزع ولاءاتها الآن بين الغريب.. والغريب.

تعليق عبر الفيس بوك