العرب...غياب أمة

نائب ربيع بيت مبروك

ما أجمل أن تشهد الجزيرة العربية أعظم ميلاد لأعظم شخصية عربية وعالمية عرفتها الإنسانيةفما أعظم المشهد وما أعظم الميلاد، ألا وهو شخص الرسول النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم .. الرسول الذي جاء هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، جاء ليُقدِّم الرسالة التي تكاملت فيها كل أركان الإنسانية الخيرة والعدالة الاجتماعية والسياسية، رسالة جمعت كل الصفات المجيدة والخصال الحميدة كيف لا وهو المبعوث رحمة للعالمين، صاحب الخلق العظيم، كان إيمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة نابعًا من صميم ثقته ويقينه بالله سبحانه وتعالى ومعرفته وأجواء البيئة التي كان يحيط بها الشرك والفساد، ناهيك عن الضلال وعبادة الأوثان وقد كانت خطوات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تملؤها الطمأنينة والثقة ومعارف المنهج الإسلامي وآفاقه العالمية، وهو يدرك أنّ هذه الدعوة تحتاج إلى تريث وصبر وحكمة واعتدال وقوة وإيمان صادق بالله عزّ وجلّ والاستعجال- ليس من طبع الرسل عليهم السلام والبصيرة نافذة في ذوقهم وذاتهم وفطرتهم، عاش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزرع الأمن والسلم والطمأنينة في عالمه وأمته، يدعو إلى الأمر بالمعروف والبر والتقوى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وفي حجة الوداع وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخاطبًا أمته قائلاً (أيها الناس اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، أيها النّاس إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، واختتم رسول الله خطبته قائلاً وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا، أمرًا بيناً، كتاب الله وسنة نبيه، وأنهى الخطبة بقوله اللهم هل بلغت، قالوا اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم فاشهد) الخطبة طويلة وقد كان هذا جانب منها، فماذا حدث للمسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لقد حدث ما كان يخشاه وهو أن يتغلب اللهو واللعب والملذات والشهوات والهوى، وأن يتمكن من الأمة البغي والاستبداد والظلم والكبر والغرور، وأن تمارس الأمة على نفسها وشعوبها الاضطهاد والإقصاء، وأن يتساقط المسلمون في وكر الفتن وأنفاس الوثنية والعلمانية، وتم السقوط في المستنقع الحضاري عندما طغت أدوات المادة على أدوات العبادة تغير الاتجاه ولم يعد في الأمة من يستطيع أن يدافع أو يصمد أمام تيار التغيير فانحرفت السفينة عن مسارها وأصبح الملك والأملاك هو البريق الذي يسيل له اللعاب ويأخذ الألباب والسحر الذي يخطف الأبصار، وها هي الأمة العربية اليوم وقد انقضت على بعضها البعض تسفك دمها بلا شفقة أو رحمة وتدفع فاتورة جسيمة كانت في غنى عنها، فأنى لها أن تدرك أن الدعوة إلى الحق تحتاج إلى رجال والرجل هو من يقوى على تكاليف وأعباء الرسالة، كما قال المولى عزّ وجلّ (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) الأحزاب.

فأيّ نوع من الصدق تعيشه الأمة وروح التقوى غائبة، وأي نوع من الأدوات والآليات تملكها وهي في حالة اضطراب وضعف، إن المشاهد التي يرزح تحتها الوطن العربي اليوم تدعو إلى الحزن والرثاء والطريق الذي تسلكه شاق وطويل يحتاج إلى أنفاس وروحانية عالية والأعداء المتربصين بها يراقبون كل خطواتها ويرصدون جميع تحركاتها ولن يقبلوا إلا بالذل والضعف لها، ولن يرضي جماح شهوتهم إلا سحقها وانكسارها وهزيمتها وكفرها بما تؤمن به، ومن يشاهد الأذى والمصائب التي حلت ونزلت بالأمة العربية، يرى مدى الخلل والنزيف والشتات والضياع والعداوة والبغضاء والحروب والانقسام الذي تضج وتترنح به الساحات فى الوطن العربي من هنا نسأل ونتساءل، ونقول هل هناك تأثير خضع له الوطن الأم والبدايات وعودة للتاريخ الذي احتضن التربية والفطام، وإن خصوبة الذهن بحاجة إلى تصحيح المسار، وإننا كأمة لم نستطع تجاوز الماضي بكل آفاته وسلبياته وعاهاته بعد، وكأننا مازلنا نبحث عن هويتنا في مكان ما، وإننا لم نشعر بقيمة الحرية والتطور، وكأن أبناء الجزيرة العربية تأثروا بعامل البيئة الاجتماعية تأثيرًا واسعاً أثر في بناء تكوينهم الذهني والعصبي، وأن السلوك النفسي والانفعالي والمناخ والطقس والأجواء التي اجتاحت مجتمعاتنا قد لعبت دورًا سخياً في ذلك وأنها أجبرت عالمنا على العيش ضمن إطار مكونات مجزأة متفرقة، وحياة يغلب عليها الغلظة والقسوة غير قابلة للإنتاج والعطاء الحضاري كانت السبب وراء كل معاناة وكل خلل وكل مأساة، فإذا كان الأمر كذلك هل تستطيع مثل هذه البيئات أن توفر حياة اجتماعية ديمقراطية تجسد مفاهيم الحرية دون أن تخدش كرامتها، أم أن الحياة والظروف القاسية ساهمت وبشكل غير مباشر في إنتاج معادلة تماثل نفس قسوة المكان والزمان والأوان، ثم تكونت بعد ذلك ذهنية مشابهة لقسوة البيئة وطبيعة حياة الصحراء القاسية رغم الحضارة والعلم والتطور الشيء الذي أسهمت فيه الفردية والأنا وأصبحت هي الاتجاه والغاية التي تسود وتقود العمل والحركة والإنجاز، حينئذ أفرزت هذه المكونات بيئة خصبة للتناحر والنزاعات وأنشأت مضاعفات أثرت وأثرت في تكوين شخصية من عانق مثل هذه المجتمعات وتسابق في مضمار تلك المنافسات هل هي كذلك؟ ختامًا أقول إنّ الحياة التي تعيشها الأمم تحت القهر والضغط والنزاعات وتساق فيها إلى السمع والطاعة، لن تنشئ مثل هذه البيئات سوى الغياب الحضاري والاغتراب الوطني، ومن أخطر ما تفرزه مثل هذه المكونات الفكر المختل والذهنية الهزيلة، وضعف الأسلوب والحوار وضحالة المهارة والإبداع وغياب التخصص والاحتراف، والأكثر خطورة من ذلك، هو شدة التعصب والخصومات والتجزئة، ومع كل ما ذكرت إلا أنه وبشيء من الأمل بالله سبحانه وتعالى أرى أنّ معطيات المستقبل لهذه الأمة والمخاض العسير الذي تمر به العملية القيصرية الراهنة أنها كانت تحتاج إلى أن تخوض مثل تلك التجارب الصعبة، فالولادة لابد لها من الألم، والحرب لابد أن تشهد الدماء، وإنني على قناعة تامة بإذن الله تعالى، بأن هذه الأمة سوف تنهض وستعود كما كانت وترتقي كما بدأت، وهي اليوم في طريقها إلى ذلك وما يجسده طريقة السلوك الجديد وأنماط الفعل ضمن أساسيات التغيير والتطورات وأهداف السعي يؤكد النوايا والغايات إن قيم هذه الأمة وما تعتز به من مبادئ إيجابية، سوف يكون هو القوة التي تشهد التغيير القادم وأجيال متعطشة لبناء مجد الأمة في كل النواحي والاتجاهات العالمية، وسوف يتحقق ذلك مستقبلاً بإذن الله تعالى، وأخيراً الحمد لله رب العالمين، إننا نحيا ونعيش في بلد آمن يحب السلم والسلام، وينبذ العداوة والخصام فتحية وسلام لأبناء عمان جميعًا وعظيم الامتنان لسيد عمان على حكمته وحكمه الرشيد.

تعليق عبر الفيس بوك