في مكتب رئيس هيئة حماية المستهلك

Sultankamis@gmail.com


سلطان بن خميس الخروصي

في بُرهة من الوقت عملت على إجراء استطلاع رأي للمواطنين حول مجلس الشورى العماني في دورته السابعة - التي انقضت أو تكاد- حينها تواصلت مع أحد أقطاب المجلس (الكِبار) والذين أكنُّ لهم جُلَّ الاحترام والتقدير لما يتمتع به من خُلق دمثٍ وتواضع كبير، كان العهد بيننا أن تُذلَّل الصِعاب نحو تطبيق الاستطلاع ليُستقرأ منها واقع المجلس في عيون المواطنين وتقديم رؤية الشارع الوطني حول سيناريوهات التطوير، لكن - وألتمس لأخينا المُبجَّلِ ألف عُذرٍ - لم يتم التواصل معي، حينها آثرت أن أُجريه بالتعاون مع بعض المواقع الإلكترونية وعلى رأسها جريدة الرؤية، فكانت النتائج تُشير إلى سُخطٍ كبير من قبل المواطنين تجاه المجلس ودوره الهزيل - من وجهة نظرهم- على الساحة الوطنية وتفاصيل أخرى يمكن الحصول عليها من خلال التواصل عبر بريدي الإلكتروني، والشاهد في الأمر أنني تلقيت اتصالات وإيميلات من بعض أصحاب السعادة الفضلاء أعضاء المجلس وبعض الموظفين الذين أبدوا امتعاضهم من الاستطلاع وأنّه لم يكن مُنصفاً لأعماله وأدواره الوطنية (المشهودة) - حسب تعبيرهم-.

انتابتني شقاوة القلم ذات يوم أن أُسطّر شذراً من إنجازات مؤسسة وليدة لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات ونيف؛ لكنها استطاعت أن تكشف مافيا الاقتصاد الوطني، وأن تقرع طبول الإنذار من تداعيات من يلتحفون الأموال على حساب الوطن وصحة المواطن، هذه المؤسسة التي لا يتجاوز عدد كادرها الألف موظف بجميع فروعها في السلطنة لكنها استطاعت أن تكشف للعيان أطنانا من الطعام والشراب الفاسدين، أبهرت الدولة والمواطن والمُقيم بحجم الفساد المالي الذي تتغذى عليه بعض المؤسسات التجارية من جيوب الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة؛ ليصبح مؤشر الأموال المستباحة بغير وجه حق في ارتفاع، كشفت اللثام عن سلع مغشوشة وأخرى غير صالحة للاستخدام، صدحت محذّرة من بعض الأدوية والعقاقير التي تغزو بطون الحوامل والرُضَّع والأطفال والشباب وكبار السن فبدلا من أن تكون قنطار علاج أصبحت أنهار سموم وفضلات مؤلمة، استطاعت - بحسب إمكانياتها المحدودة - أن تجمح جنون الأسعار في مرافق الحياة بالدولة إلى تسعيرات عالمية أو توزاي المعقول، قارعت حيتان من الأُسر القابضة على صدر الاقتصاد الوطني والتي طالما استهدفت نسف ميثاق شرف هذه المؤسسة والتشكيك بها وتقزيمها في عيون الآخرين لتكون إحدى حلقات مسلسل الكرتون ((pink pantherللأطفال، لكنها جابهت الأمر بعزيمة وحزم ودفعت القضاة إلى رفع مطرقة المحكمة لتدين الفاسد وتحق الحق لأصحابه، عند كل ذلك كتبت مقالاً جاء بعنوان "حينما تتحدث الهيئة العامة لحماية المستهلك" إلحاقًا بقرار المحكمة في قضية الحلويات منتهية الصلاحية، وحتى أخرج من دائرة التمجيد والمدح - كما قد يراه البعض- ولكي أنأى بقلمي عن دائرة (المُطبلين) وجدت أن الوقت مناسب لاستقراء آراء المستهلكين حول الهيئة، أشارت نتائج الاستطلاع الذي نشر عبر صفحات الرؤية في وقت سابق إلى تكاتف المُستهلكين مع الهيئة ودعمهم اللامحدود لها بل طالب البعض برفعها إلى مستوى الوزارة واستقلال كيانها الإداري والمالي والجزائي لتكون لها صلاحيتها الاعتبارية والحقيقية.

وأمام كل ما سبق آثرت أن أكون في عين الواقع وأتلمَّس إنجازات هذه المؤسسة بأمِّ عيني؛ فهناك من يقول إنها لا تعدو سوى بهرجة إعلام أو فقاعة مُهرِّج وعلى قول المثل "ليس من رأى كمن سمع" فيممت وجهي شطر الهيئة بمسقط، حيث التقيت مدير دائرة الإعلام والتوعية الأستاذ خالد الراشدي الذي يتمتع بفور وهمَّة الشباب لخدمة هذا الوطن الأغرّ، رحَّب بالاستطلاع الذي أجريته لكن ما استوقفني أثناء تجاذب الحوار حول محور الإعلام والمنشورات التي تطرق لها الاستطلاع وأمام نسبة الرضا التي وصلت (70%) إلا أنه كان على قدر كبير من الاهتمام بالثلاثين بالمائة الذين كانت آراؤهم بين الحياد وعدم الرضا، فكان يسأل بشغف واهتمام: لماذا فقدنا هؤلاء الثلاثين بالمائة؟؛ نحن بحاجة لدراسة مسيرتنا وعملنا في هذه الدائرة لنضع النقاط على الحروف والإصبع على الخلل الذي دفع هذه الفئة لعدم الرضا!، وهنا تبادر إلى ذهني سؤال بماذا يشعر بعض المسؤولين في المؤسسات الخدمية حينما تتجاوز نسبة عدم الرضا (70- 80%) وربما تزيد؟، وذلك يدفعنا نحو استيعاب ماهية (الجودة) التي أصبحت بعض المؤسسات تُبذِّرُ الكثير من المال وتهدر طاقات بشرية لهذه الشمَّاعة دون أن تفهم مدلولاتها، دار حديث طويل وممتع بيننا حول الكثير من القضايا الاقتصادية التي تواجهها الهيئة ومنها يتصل بتلك المؤسسات التجارية الرائدة التي نهلت من البلاد خيرات وفيرة وتسهيلات مُجزية لكنها احترفت الغش والاحتيال، دخل أحد الموظفين وبيده ملف يضم سبعة عشر استدعاء لسيارات تباع للمستهلكين وبها أعطال فنية كما أنّها لا تحقق المستوى الأدنى من الأمان، وكل استدعاء يحوي ما بين (14-20) سيارة وقد تتجاوزها أو تقل.

"أصدقائي وأحبائي هم موظفو الهيئة والمستهلك في أرض عمان الطاهرة" كلمات كان لها وقعها الأصيل وإيقاعها الجميل من لدن مسؤول تشهد أفعاله قبل أقواله عن ماهية رسالته ودلالاتها الوطنية الجسيمة، جزء من حوار آخر دار بيني وبين سعادة الدكتور سعيد الكعبي - رئيس الهيئة- إذ بادر هذا الرجل الأشمِّ إلى لقائي في مكتبه واستقبلني استقبال الأخ لأخيه، رجل متواضع بكل ما تحمله الكلمة من ظاهر المعنى وباطنه، لا يستجدي مدحاً من قلم مأجور ولا يضيره ذمٌ من آخر مسعور، الأصل ألا يتجاوز حديثنا الربع ساعة لكننا التهمنا أكثر من ساعتين؛ فحينما تحدِّثه في الجانب الفكريّ والإدارة فهو يحمل درجة الدكتوراه في الإدارة، وحينما تستطرب القول عن الولايات وحاجاتها المؤمَّل تحقيقها من أعضاء مجلس الشورى تجد نفسك قطرة في بحرٍ لًجيٍّ إذ كان والياً لعدد من الولايات سابقاً وكأن لسان حالك يتساءل "هل أبيع ماء في حارة السقَّايين"، بدأنا الحديث عن الهيئة وكانت حروفه صادقة لكنها تخرج بألم وحرقة بين حين وآخر فيُمنِّيها بالعزيمة والإصرار، وأمام ذاك الزخم المهول من العمل الشاق الذي يقوم به أبناؤه في الهيئة - كما يطلق عليهم - كان يقولها بملء فيه إن هناك من يتصيَّد في الماء العكر بأن بعض موظفيك تتلألأ (القروش) في أعينهم للتغاضي عن بعض القضايا التي تمس الوطن والمواطن، متناسين أنّ هؤلاء هم أبناء عمان وأبناء قابوس فلا يمكن لهم أن يخونوا أمانتهم لحفنة من براثن الحياة وخاصة إن كان الأمر يتعلق بحقوق الوطن والنّاس، وأنا أثق أنهم يخشون الله وهم جنود خفيَّة تذود عن حياض هذا الوطن المقدَّس، تهافت إلى ذهني تعجب مهول وجاوره تساؤل حيران كيف لهذا الرجل والذي من المنطق أن يكون على كُرسي مُدوَّر يلاطمه ويلاطفه الهواء البارد ويتلوَّن بمختلف البشوت ويحزم خصره بخنجر سعيدي زاهٍ - كما هو حال بعض المسؤولين- أن يترك كل ذلك الرخاء وينزل إلى السوق يستشعر آلام الناس وشكاويهم؟!، كان صريحًا حينما قالها لي بالحرف الواحد: "يا سلطان أصدقائي وأحبائي هم موظفو الهيئة والمواطن المخلص" فإن وقعت في وحل الفساد وخيانة الأمانة فلا حق لي أن أكلَّف بهذا المقام وعليّ أن أعود لقريتي في ولاية محضة!.

كلمة أخيرة.. قد يرى البعض أن هذا (السرد) نزر من السخاء في المدح ويراه آخرون تجسيد للصورة كما هي من أعلى هرم الهيئة إلى قاعها وهذا الاختلاف ظاهرة صحية، إلا أنّ مثل هذه المؤسسة التي تكون في المقدمة ضد الفساد وشراهة المال على حساب الوطن والمستهلك لابد من الوقوف معها والمطالبة بتمكين صلاحياتها ودعمها؛ ففي الزاوية الأخرى هناك من يسعى لوأدها وتمزيق أوصالها وتحطيم أركانها لتكون كمثل بعض المؤسسات رقما زائدا في منظومة المؤسسات الخدمية التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، لكن بتكاتف الجميع سيظل وريدها ينبض دم الحياة ولسان حالها "من غشنا فليس منّا".

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك