هل سيظل الأطفال يقرأون؟

خلفان العاصمي

تتنوع المبادرات والمشاريع المحفزة على التعلم بكافة جوانبه وطرائقه المختلفة، كالكتابة والقراءة والتعلم الذاتي، ويأتي مشروع (الأطفال يقرأون) الذي اختتم نشاطاته في السلطنة خلال الأسبوع الماضي بعد أربع سنوات من التفاعل والتعاطي الجميل مع مكوّناته، إذ يعد هذا المشروع من المشاريع القرائية الإثرائية الرائعة التي تمثل شراكة حقيقية ما بين مؤسسات المجتمع المختلفة سواء كانت حكومية أو خاصة، وكذلك يعزز من جانب الشراكة ما بين المؤسسات التعليمية المحلية والعالمية ومؤسسات القطاع الخاص.

ما زلت اتذكّر تلك اللحظات التي تمّ من خلالها تدشين المشروع في السلطنة ضمن مبادرات المجلس الثقافي البريطاني المجتمعيّة وبدعم من البنك البريطاني للشرق الأوسط، حيث جاءت السلطنة من ضمن تسع دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ينفذ بها المشروع، كان التدشين في عام 2011م بواقع ست مدارس، بكل من ولايتي مسقط ومطرح، حيث استهدف المشروع طلاب الحلقة الأولى من مدارس التعليم الأساسي ومعلميهم ومجتمعهم المدرسي، وكذلك أولياء الأمور والمجتمع المحلي يشكل عام، والمشروع عبارة عن مبادرة تهدف إلى غرس حب القراءة في الأطفال بإعتبارها توفر لهم عالماً من الفرص لاستكشاف الثقافات، والتوجهات، والقضايا الأخرى مثل البيئة وبعض القيم والمفاهيم ذات البعد الإنساني العالمي، كذلك فإن إيمان القائمين على المشروع بأن إكساب الأطفال عادات القراءة الجيدة في وقت مبكر يحسّن من أدائهم لاحقاً في مجموعة من المهارات الحياتية الأخرى كان من ضمن الأهداف لوجود هذا المشروع، بالإضافة إلى تطوير مهارات اللغة الإنجليزية لديهم وتنمية التفكير النقدي لدى الفئات المستهدفة من الأطفال، هذه هي رؤية القائمين على المشروع والذين سعوا لتحقيقها من خلال مجموعة من الفعاليات المجتمعية والتي تقام على فترات متقطعة حسب ظروف المنطقة التي ينفذ بها المشروع مستهدفين بذلك أولياء الأمور لتعزيز فهمهم بكيفية دعمهم لعملية القراءة الخاصة بأطفالهم، هذا وسعى القائمون على المشروع أن تتمحور عملية تنفيذه حول وجود متخصصين في رواية القصص وخبراء عالميين في مجال تطوير عدد من المتطوعين للعمل مع الأطفال والمعلمين كجزء من التدريب المتواصل، كذلك إنشاء غرف قراءة للأطفال في المدارس وتزويدها بنحو 100 كتاب لتشجيع الأطفال على الانتقال من القراءة بقيادة المدرس إلى القراءة المستقلة؛ وهكذا تصبح غرف قراءة الأطفال، في الوقت ذاته، أساسية للأطفال حيث تخصص ساعة في كل أسبوع للقراءة من أجل المتعة، كما وفّر القائمون على المشروع برامج تدريبية للمعلمين، وزودوهم بخطط الدروس والموارد ذات الصلة لاستعمالها مع طلابهم داخل الفصول الدراسية وخارجها، واستكمالا لدور المدرسة وولي الأمر فقد حرص منفذو المشروع على تزويد العاملين في مجالات الإدارة والإشراف والتدريب والمناهج بوزارة التربية والتعليم مهارات وبرامج خاصة بالقراءة، كما عمل القائمون على المشروع على تشجيع ودعم المدارس لتلعب دوراً حيوياً في الترويج للمشروع لأولياء الأمور، وكذلك المدارس الأخرى والمجتمع الأوسع، من خلال تنظيم ورش عمل للآباء واستغلال شبكات التواصل الاجتماعي لاطلاع المجتمع على الأنشطة التي تقوم بها المدرسة.

شهد المشروع خلال فترة تنفيذه بالسلطنة نموًا في عدد المدارس المنفذ بها لتصل إلى 26 مدرسة بمحافظات مسقط والداخلية وجنوب الباطنة ليلامس 2000 طالب وطالبة من تلك المدارس بمشاركة مباشرة من 200 معلمة من معلمات اللغة الإنجليزية بالمدارس المطبقة للمشروع، كما نفذت خلال السنوات الأربع وهي فترة المشروع 16 فعالية مجتمعية جمعت أولياء الأمور والمجتمع المحلي والمدرسة تحت مظلة القراءة في أوقات خارج الدوام الصفي للطلبة المستهدفين، وتخلل المشروع تنفيذ عدد من الدورات التدريبية للمعلمين تركّزت حول تدريبهم على مهارات سرد القصص والأداء الدرامي وتشجيع الطلاب على القراءة المستقلة باستخدام أنشطة متنوعة ومبتكرة.

واليوم وبعد أن اختتم هذا المشروع في السلطنة يبقى التساؤل مطروحًا سواء للمدارس التي تمّ تنفيذه بها أو للمديريات التابعة لها وكذلك للجهات المعنية عن القراءة والتعلم الذاتي بالوزارة، هل سنستثمر نواتج المشروع أم سينتهي كل شيء بنهايته؟ حيث أوجد المشروع بنية أساسية في كل المدارس المطبقة له سواء من حيث وضوح الفكرة وآلية تنفيذها أو من خلال مجموعة الكتب والقصص التي تمّ تزويد هذه المدارس بها أو من خلال وجود الكادر المؤهل من المعلمات والمشرفات اللاتي تعاملن مع المشروع بصورة مباشرة مما يستوجب الاستمرار في تنفيذه بل وتطوير الفكرة والتوسّع في الفعاليات المصاحبة وكذلك البحث عن داعمين ورعاة كل وفق حيّزه الجغرافي ووفق قدراته وإمكانياته المتاحة، كما أنّ الفرصة متاحة لأن تتبنى وزارة التربية والتعليم مبادرات مشابهة وتطلقها في شراكة أخرى ما بينها وبين مؤسسات المجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك