قبِّل اليد تنحني لك الهامة

هلال بن سالم الزيدي

هناك من يعتقد بأنّ العلاقات الإنسانية مبنيّة على المصالح الذاتية بين الفرد والآخر، وذلك من أجل الوصول إلى حاجة في نفس يعقوب، ولعل السواد الأعظم من البشر برمجوا ذواتهم على أن قضاء حوائج الناس يُقابله مصلحة ومردود نظير خدمة معينة يقدمها لهم، كما أن هناك ثُلة من أصحاب الأجساد المثخنة بعنجهية الأنا الممتلئة بالنرجسية القصوى ترى حقها في تمرير ما تريده وفعل ما تراه هو الفعل الصحيح دونما استشعار لحقوق الآخرين بناءً على وجاهة اجتماعية أو نفوذ مادي أو تسلق لمنصب إداري تكون له نظرية اتخاذ قرار ما، وهذه الفئة تُسقط سطوتها من باب أنها الأعلم والأجدر وأن تكون الوصيّ على بشر غُلِبوا على أمرهم، فتدور هذه الفئة في مدار الحياة متكئة على شِرذِمة من المحتاجين ممن وهبوا أنفسهم ليتسلط عليهم أولئك النرجسيون فتراهم يُقبّلون الكُندرة تارة ويسجدون تارة أخرى على تلك الأيادي الملطخة بالتسلق وتنفيذا لأجندتهم الخاصة، عبر المؤيدين لفلسفة قبِّل اليد تنحني لك الهامة.

إنّ الفئة التي تسعى إلى تحقيق مآربها عبر تلك البوابة دائمًا ما تدعم الفاشل من أجل بروز شخوصها على المشهد، وفي المقابل تجدها تُحارب الناجح من أجل فشله كونه لم يكن قُرباناً لضعف أيدولوجياتهم أو منصتا لخزعبلاتهم أو مردداً كالببغاء لكلامهم الذي لا يملأ محارة العصر، ولم يكن لُقمة سائغة يصعدون عبرها ويتجملون بها أمام المسؤولين، فعاملهم لمجرد أجساد من لحم وشحم وعظام وشيء من فكر قليل، وبحسب الهيئة البدنية التي تتكون منها هؤلاء الشرذمة فقد وصلوا عبر منحنيات التمسكن، وأسسوا من بعدهم من يسير حسب ما ساروا هم عليه.. فعندما يرددون وينسخون جهود الآخرين يهلل ويكبر العنجهي بأن هذا ضرباً من ضروب الإبداع .. (شيء يثير الضحك حقًا) مهلك أيها اللاشيء .. على رسلك فأسلوبك هذا مجرد نقيصة في نفسك ولا يُعد نجاحاً لأنك تهوى مبدأ فرق تسُد، وتتغذى على ضعف تلك الشخصيات التي اعتقدت بأن النجاح يكمُن بين قدميك المتسلقة والتي تهوى الدوس على جماجمهم المهترئة.

إنّ النجاح الذي تُنادي به بعض المؤسسات من قبل القلة القليلة لا يكترث لأمثال من أتى وفق معتقدات تقبيل الأيادي، فالرجال لا يهابون ولا يأبهون بتلك النماذج لتحقيق التغيير على الرغم من أنهم يغضون ألف طرف عن تصرفاتكم بداعي التريث ومنح الفرصة لمن غُرر بهم ومن يتصفون بضعف شخصياتهم وذلك من أجل إتاحة فرصة التحول وإيجاد منهم قدرات فاعلة قادرة على الخروج من قمقم التسلط الإنساني.

إن مجاراة ضُعاف النفوس لا تعد فشلاً كونهم لا يستطعون المواجهة إلا من خلف جُدرٍ، لذلك ولعدم توفر شرط الندّية نتركهم في غيهم يعمهون لكننا نُداري وجودهم إلى حين، وحتى يجعل الله بعد العسرٍ يسراً، لأن الحياة تكتظ بالمتناقضات وتتشبع بالأفكار، وعلى الرغم من الضربات التي تكون من أسفل الحزام لهم إلا أن هناك استجابة بطيئة تحتاج إلى التروي والتريث في إيجاد النتائج.. فالفلسفة الكلامية تعطي ثماراً يانعة إذا وجهت في مسارها الصحيح، ولعل التجاهل والعمل دون فرقعة مبدأ حيّر تلك الفرقة فتناثرت أشلاؤها وتبعثرت أولوياتها، فالتريث صفة لا يُجيدها إلا من ابتغى التغيير على مراحل.

هو الاعتقاد والتشتت الذي قاد إلى انعدام العمل بروح الفريق في كثير من التجمعات العملية، مما أضعف الإنتاج وإيجاد هوية موحدة لكثير من المؤسسات في تعاملها مع خدماتها المقدمة، لذك كان التوجه نحو القشور التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، فأصبح أولئك يهرفون بما لا يعرفون في فهم مبادئ العمل واختصاصاته، فتجدهم يبحثون عن زلة مطبعية لحرف انزلق من هنا أو هناك ويكيلون بمكيالهم المثقوب والمتهاوي .. من أجل فقط إحداث جلبة في المكان وإثارة الانتبهاه بأنّهم متابعون وراصدون لكل متغيرات الحقل.

أيّها الحالمون بأن المقعد (المنصب) ملتصق بكم أينما ذهبتم، لا تستغرقوا في حُلمكم فكم من مقعدٍ هوى عندما ضل صاحبه وغوى .. أيها المعتقدون بأنّ تجاربكم في ممارسة الضغط النفسي على الآخر تُعيد نفسه مع تبدل الوجوه.. لا تعيدوا أخطاءكم وتحسبوها إنجازات لأن الأصابع ليست متشابهة ... أيها النائمون هناك استيقظوا من سُباتكم لأن أمامكم بحار وأمواج عاتية لا تقوا على تجاوزها .. فإن اشتدت ستأخذ كل شيء أمامها .. انتبهوا لعملكم واخلصوا لبلدكم .. وقدسوا العمل .. ولا تُخضعوا رقابكم لبشر مثلكم إلا من مبدأ الاحترام والتقدير والتواضع الإنساني، وغير ذلك فلا.. ضعوا نقطة لتغيير شخوصكم لكي تكونوا مؤثرين ومتأثرين بالإيجابيات.. لأن الحياة ومتغيراتها تُكشف النقاب عن أصحاب الوجوه المتعددة وتُعري كل وجه معفّر بالمجاملات.

إنّه لشيء مضحك عندما تعيشون الوهم تلو الآخر.. وتسيرون في نفق الاعتقاد بأن حصاد النجاح في أسلوبكم المقيت الذي ولّد البغض بين وسطكم .. ما هي إلا أيام تعيشونها لأنّ القاعدة تقول: ما بُني على باطل فهو باطل.. وسيأتي يومًا تعرفون من الذي يعمل في صمت ولا يكترث بأساليبكم.

إنّ بناء مؤسساتنا يحتاج قبل كل شيء بناء وإصلاح النفوس القائمة عليها، لكنني أقول: كيف يستقيم الظل والعود أعوج، ومع هذا فإنني متفاعل بجيل قادم من أجل التغيير، وسنقوم بشد عضده.

همسة:

لا زلت أرقب من تلك النافذة خُطاك التي تداعب الأرض.. فقدومي مبكرًا سببه الأكبر هو أنتِ .. وما تبقى فلهم .. وعليك ألا تكترثي بهم لأنهم خانة فارغة ملقاة على قارعة الطريق.

* كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك