كواليس ما يحدث في عالمنا!

 

 

 

حاتم الطائي

 

يشهدُ عالمُنا العربي اليومَ وضعًا مأساويًا من الحروب الأهلية والفتن الطائفية التي تُهدِّد كل منجزاته على مدى التاريخ.. من نسيج مجتمعي، وموروثٍ حضاري وآثارٍ عريقة تمتد عميقًا لتكون مهد الحضارات..

 

إضافة إلى ما نسمع عنه من وجود مخططات لتفتيت الدول العربية إلى دويلات صغيرة متناحرة ومتحاربة..

 

كل هذا يدفعنا إلى التَّساؤل: هل ما يحدث أمر صراعٍ طبيعي، أم أنَّ وراءه أصابع خفية تُغذِّيه وتدفعه صوب مآلات مُعيَّنة لتبقى إسرائيل الدولة المركزية القوية الوحيدة فيما عرف بالشرق الأوسط الجديد؟.

 

إنّ تفسير هذا الواقع ربما يتطلب استدعاء تنظيرات عتاة المدرسة السياسية الأمريكية في مراكز البحوث الإستراتيجية وفي مُقدِّمتهم: صموئيل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما وبيرنارد لويس، ومن يدور في فلكِهم من مستشارين وباحثين وخبراء.

 

 لقد وضع هؤلاء أسس الإستراتيجية الأمريكية لما بعد الحرب الباردة ونهاية حقبة المُواجهةِ بين القطبين التقليديين وقتذاك الولايات المُتَّحدة والاتحاد السوفيتي..

 

 ولأنّ استمرارية مصالح النظام الرأسمالي في كل وقتٍ وآنٍ ترتبط بوجود عدو، كان لابد من التفكير في خلق عدو جديدٍ لتحفيز روح التَّحدي في المجتمع الغربي لمواجهته، وضمان دوران ماكينة صناعة الأسلحة لتدر المليارات على الاقتصادات الرأسمالية، وتقيها شرور الكساد التي تتربص بها..

 

إذن، الفكر الإستراتيجي الأمريكي الذي ساد ما بعد الحرب الباردة وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يرتكز على فكرة إيجاد عدو جديد .. والسؤال من هو هذا العدو؟.

 

 تتالت النظريات بعدها، وتعددت لترسم ملامح حقبة جديدة.. ولوهلة تسيّدت نظرية "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكوياما المشهد، حيث حاولت الترويج لفكرة مفادها الانتصار النهائي للنظام الرأسمالي على الشيوعي، وتفرّده على قمة نظام عالمي أحادي القُطبية دون منافس أو منازع.. لكن وبعد هذا الإعلان المُدوي والانتشاء بانتصار القيم الرأسمالية، تلفتت أمريكا حولها متسائلة: وماذا بعد .. لابد من عدو مصطنع لاستخدامه كفزاعة تسوغ طلبيات الأسلحة، وتُنعش مصانع وشركات التَّسلح في الولايات المُتَّحدة التي تشكل "لوبي" نافذا ولها بصماتها على صناع  القرار، وتأثير بالغ على مراكز البحوث والدراسات، فكان أن لجأت إلى البحث والتنقيب عن نظرية وفكرة إستراتيجية جديدة لتُبقي على جذوة الصراعات مشتعلةً، ولتغذي التوجه نحو نوعٍ جديدٍ من التسابق على التسلح لمواجهة العدو المفترض.

 

وهنا جاءت نظرية هنتنجتون "صدام الحضارات" لتعبر عن مرحلة جديدة يقودها المحافظون الجدد في أمريكا الذين كانوا في أمسِّ الحاجة إلى عدو جديد توجه إليه صناعة السلاح لتكون ذخيرة حيّة لصراع جديد.

 

اعتمد هنتنجتون بشكل كبير وواسع على دراسة للمستشرق الأمريكي بيرنارد لويس"جذور الغضب الإسلامي" ليستهدف هنتنجتون في تنظيره الإسلام باعتباره العدو الجديد في الصراع القادم، وحتى يبرر لنظريّته الفجة، أورد مواقف تدل على دموية الإسلام - حسب زعمه- مستشهدًا بالصراعات التي يمثل الإسلام فيها طرفًا في مختلف دول العالم من أفغانستان وحتى بلغاريا وصولاً إلى المهاجرين في أوروبا الغربية.

 

وحدد هنتنجتون في كتابه الصراع الأساسي بين "العالم المسيحي بقيمه العلمانية والعالم الإسلامي من جهة أخرى" وليس مفاجئاً أن تلقى نظريته المُغرضة رواجًا في أوساط القوى المهيمنة من المحافظين الجدد.. وفي المقابل وجدت لها صدًى في أوساط ما يُعرف بالإسلام الجهادي مثل تنظيم القاعدة وغيرها من تنظيمات متطرّفة وتكفيرية.

 

هذه الأفكار العُنصرية التي عملت على تصنيف الإسلام في خانة الآخر/ العدو؛ لتُصوِّره في شكل وحشٍ بربري يعمل على الانقضاض على الحضارة الغربية. كما عملت هذه النظرية على تسطيح الحضارة الغربية لتبدو كمؤسسة عسكرية مُتَّحدة ومُتجانسة للانقضاض على الإسلام في هجمة استباقيّة..

 

وقد أسهم التدخل الأمريكي في المنطقة تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب، في رفد الإرهاب بعناصر القوة، وعزز من موقفه في المنطقة العربية، بل ظهرت على السطح حركات مُتشدِّدة جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومنها تنظيم "داعش" الذي بات يتمدد الآن على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا، بل غزت أفكاره العديد من الدول الأخرى..

 

 وغير بعيدٍ عن هذا التوجه المشبوه، وظَّف بيرنارد لويس معرفته بالدين الإسلامي والقوميّات والإثنيّات العربية، في ابتداع مشروع لتقسيم كل دولة عربية إلى دويلات صغيرة متناحرة، ومتقاتلة؛ وهذا ما كشفت عنه الخارطة التي أعلنت عنها ذات مرة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006م.

 

 والسيناريو المتعمّد لتشويه صورة الإسلام وإضعاف الدول المركزية العربية مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا واليمن، ويتمثَّل ذلك في تكوين الكيانات الإرهابية المتطرفة ودعمها استخباراتيًا لتقوم بدورها في تفكيك وتدمير المجتمعات من الداخل والاستحواذ على موارد وثروات المنطقة النفطية لعقد صفقات التسلّح الأسطوريّة، وربما نشهد خلال السنوات المقبلة لاسيما بعد الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي سباق تسلحٍ بين إيران ودول الخليج العربي، والذي قد يؤدي إلى إشعال فتيل حرب لا معنى لها حتى تظل واردات الأسلحة الغربية إلى المنطقة متصلةً دون انقطاع.

 

وليس الإسلامُ والمنطقةُ العربيةُ هي العدو الوحيد في رأي مُنظِّري مراكز البحوث الإستراتيجية الأمريكية، وإنما هناك عدو مفترض آخر هو الصين؛ بما تُشكِّله من مُنافس اقتصادي قوي، وغريم سياسي مُقتدر، لذا ليس بمستغربٍ ما نراه من توجه من إدارة أوباما للعمل على تقليص النفوذ الصيني، وتحجيم دور المارد الأصفر في العالم.. في وقت يتكفَّل فيه عالمُنا العربي والإسلامي بتدمير نفسه ذاتيًا!.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك