الخلاص السحري

أسماء القطيبي

يَذْكُر أنيس منصور في كتابه "200 يوم حول العالم"، أنَّه عندما دخل الرحالة جيمس كوك جُزر هاواي، ظنَّ السكان المحليون -بسبب هيئته الغريبة- أنه الإله المخلِّص الذي سينقذهم من الآلهة الشريرة كما تبشِّر الأساطير، وقد أمعن كوك في تمثيل هذا الدور؛ بحيث أنه كان يظهر مُعجزاته مرَّة عن طريق السيجارة التي يُشعلها وتخرج الدخان، ومرَّة عن طريق حيل يستخدم فيها جيوب سترته الداخلية لإخفاء ما يضعه في يده. وقد آمن به الناس وقدَّموا له النذور والقربان أملا في رضاه؛ حتى جُرح ذات مرة وخرج الدم من ذراعه، حينها أدرك الناس أنه ليس سوى بشر مثلهم، فقتلوه.

... إنَّ فكرة المخلِّص أو المنقذ ليست بفكرة شاذة أو غريبة؛ فلقد اعتقدت بها معظم الحضارات عبر التاريخ، بل إنَّ الديانات السماوية وغير السماوية تؤكِّد على هذا الأمر، وإن اختلفت على هوية المخلِّص وأفعاله؛ فعند غالب المسلمين هو عيسى عليه السلام الذي "سيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما مُلئت ظلما وجورا". أما عند اليهود، فهو المسيح أو الماشيح الذي سيُعيد بناء الهيكل ويُملِك اليهود على الأرض. ومثل هذه الفكرة موجودة عند البوذيين والزرادشتيين...وغيرهم. وحتى تلك الفرق التي لا تؤمن بوجود مُخلِّص تعتقد يقوى معينة تغير مجرى الأحداث وتقود العالم نحو الأفضل قبل انتهائه.

... إنَّ الإيمان بوجود رجل يأتي آخر الزمن ليخلِّص الناس من الظلم وينشر الأمن والأمان، أمر يدعو لتفاؤل أولئك الذين لم ينالوا حظا من الدنيا؛ فأخباره بمثابة البُشرى التي تهوِّن مُعاناتهم حتى يظهر من ينتصر لهم؛ لذا فإنَّ وقت الأزمات هو الوقت الذي يكثر فيه الحديث حول المخلِّص وعلامات قرب ظهوره، وهي إحدى الوسائل التي يستعملها رجال الدين لشحذ الهمم واستنهاض عزائم الناس. كتاب "نهاية التاريخ" للدكتور العريفي الذي يتحدث فيه عن علامات الساعة وظهور المسيح الدجال ثم نزول عيسى -عليه السلام- حقق مبيعات هائلة فور صدوره، ولا يزال إلى الآن من أكثر الكتب طلبا في معارض الكتب والمكتبات. وبرأيي أن ما يدفع الناس لاقتناء هذا الكتاب وغيره من الكتب التي تتناول نفس الموضوع الفضول والقلق؛ فالناس لديها رغبة في معرفة ما يخبؤه المستقبل بالقدر المتاح من الأثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كما أنها قلقة مما ستؤول إليه الأمور، خاصة في ظل الأوضاع غير المطمئنة في العالم، وكثرة القتل والحروب.

ويعتقد البعض أن المخلِّص سيظهر بين ليلة وضحاها ليعيد الأمور إلى نصابها، كالقبعة السحرية التي تحول المنديل إلى أرنب في طرفة عين. وقد ساعد هذا الاعتقاد على ادعاء كثير من الناس بأنهم مخلِّصو الأمة المنتظرون؛ فخلال العشر سنوات السابقة فقط ادَّعى أكثرُ من عشرين شخصا من مذهب واحد أنهم هم المخلِّصون، وغالب هؤلاء باحثون عن الشهرة يستغلون سذاجة الناس للالتفاف حولهم. وقد وجدوا من يصدِّقهم ويقدِّم لهم الطاعة العمياء لولا تدخل الأمن في كل مرة للقبض على هؤلاء وزجهم في السجون أو المصحات النفسية. إنَّ المخلِّص الذي سيكون التغيير الأكبر على يديه لابد أن يسبقه تمهيد للظروف وتهيئة للنفوس. فهو لن يظهر بين أناس لا هم لهم سوى التباكي على الماضي وانتظار الخلاص، دون أن يكون لهم أي أثر في تغيير حاضرهم؛ فهو موجِّه لموجة التغيير وليس ماردها السحري.

... إنَّ فكرة المخلِّص قد أخذت حيزا كبيرا من اهتمام الناس، ونظرا لاختلاف صاحبها وصفاته بين المذاهب، فقد تجادل الناس فيها كثيرا، بينما أجد أن الأمر لم يكن يستدعي هذا الحجم من الاهتمام؛ لأنَّ المخلِّص الذي ذكر في الأثر إنما ذكر من باب المواساة وبث الأمل، ولأن الاشتغال بهذه المسألة اشتغال فارغ بأمر غيبي، وكان الأجدر بالناس -وشيوخ الدين خاصة- استيعاب أن الظلم والفساد لا يحتاجان إلى رجل يدفعهما، بل هي مسؤولية الناس جميعا في أي زمان ومكان. وأن بإمكان أي شخص أن يُحدِث التغيير بما يُتاح له من إمكانيات؛ فالتغيير الطفيف مع آخر مثله قادر على إحداث فرق. كما أنَّ كثرة الحديث حول الأمر تغييب عن الواقع وتفاؤل مزيف كالمخدر الذي يخفف من الإحساس بالألم، لكنه لا يشفي المرض. بينما نحن بحاجة إلى كشف المرض ومعرفة أسبابه والعمل على علاجه.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك