السيب "حنظل" وحليب

المعتصم البوسعيدي

هناك قول للدكتور والمستشار الأسري المعروف موسى الجويسر في سلسلة محاضراته عن "أسرار النفس البشرية" يقول فيه: "يستطيع الإنسان أن ينظم حياته والعالم من حوله بطريقتين، الأولى بالسيطرة على الأحداث والتحكم فيها (حكم) والثانية بالتفاعل مع الأحداث وترك الخيارات مفتوحة (مدرك بحواسه)". ولعل الطريقة الثانية هي التي تقمصها نادي السيب ـ كما أرى ـ من خلال "إسقاطي" لنتائجه هذا الموسم على صعيد كرة القدم وتفاعله مع الأحداث التي فتحت الخيارات على "مصراعيها" حتى اللحظات الأخيرة.

نادي السيب الملقب "بالإمبراطور" هو من كبار رموز الرياضة العمانية، ويُعد أحد أنجح الأندية ـ إن لم يكن أنجحها على الإطلاق ـ بإنجازاته المختلفة على صعيد أكثر من لعبة ولعل حصوله المتكرر على كأس حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله ورعاه- للشباب كأفضل الأندية العمانية يفسر تلكم القيمة والمكانة التي يحتلها "الصقر" المتوشح بالأصفر والأخضر.

الفريق الكروي لنادي السيب صارع هذا الموسم على جبهات متعددة وهو ما جعل المدرب "دحبور" يضع هذا العامل كأحد أسباب ترجل النادي من "صهوة" دوري المحترفين قبل أن يقع ـ أيضًا ـ في "شباك" العميد الصوراوي ليخرج من بطولته المفضلة وهو على بعد خطوة واحدة من الوصول للنهائي الأغلى، على الرغم من ذلك استطاع أن يداوي جراحه وينتصر على نفسه وعلى منافسيه بالوصول المستحق لنهائي الأندية الخليجية بعد الإطاحة "بالريان" الكبير المنتشي بعودته المظفرة لدوري المحترفين القطري، الدوري الذي يبعد "بسنوات ضوئية" عن دورينا مما يجعل ميزان التفوق السيباوي مثار إعجاب وبقعة ضوء يجب الوقوف عندها كما هي بقعة الضوء التي تركها نادي صحم العام الماضي بوصوله للنهائي الخليجي وتقديمه عرضا مبهرا لم تنصفه كرة القدم بالتتويج حين ذاك.

لماذا استبدلت "الحنظل" عن سكر "الحلاوة" السيباوية؟! الأمر ليس تقليلاً أو "تشويهًا" بالقدر الذي هو "حسرة" على الصورة الجميلة لهذا النادي وخروجه "بخفي حنين" على المستوى المحلي، بل خروجه "حافيًا" إثر سقوطه لدوري "المظاليم" في تناقض وتفاوت غريب في الأداء على صعيد البطولات التي خاضها هذا الموسم، مما وضع المتابعين والعاشقين الشغوفين على حد سواء في حيرة لماهية الأسباب ومن صنع هذه "التراجيديا"؟! لذلك أقول إنّ السيب تعامل في مرحلة ما من الموسم بالتفاعل مع الأحداث دون أن يحسم قراراته وتابع التنفيذ الجيِّد دون أن يستحضر النتائج المترتبة، وكانت هناك مرونة في التعامل واستمتاع بالعمل لكن الأمر بقي مرهونا على احتمالات اللحظة الأخيرة في انعكاس حقيقي لفكرة "أسرار النفس البشرية" التي استبدلت السكر بالحنظل محليًا وأبقت الحليب مغذيًا قويًا لعبد الله الشين ورفقائه على المستوى الخارجي الذين استطاعوا بث الفرحة ليس للسيباوية فقط، بل لكل أطياف الرياضة العُمانية.

لتكن الصراحة الطريقة المثلى للحلول ولنوسع النطاق في رؤية الأشياء، فما حدث للسيب ليس صناعة عُمانية خالصة نتجت عن أفعال لا تحدث إلا في عُمان كما "يروج" البعض عند كل حدث سلبي، فالقصة هنا مثلها تحدث هناك، ففي إنجلترا مثلا ـ وليس ببعيد ـ رأينا كيف أن كتيبة الحبسي بويجان أطاحت بكبار القوم " بالبريميرليغ" وأسقطوا المان سيتي في نهائي كأس إنجلترا عام 2013 لكنهم تجرعوا بعد أقل من أسبوع مرارة الهبوط للدرجة الأولى، وأحيانًا تحدث القصة بصورة عكسية كما شاهدنا نادي لخويا القطري المولود في العام 2009 والصاعد الجديد بعد موسم واحد فقط لدوري الدرجة الثانية يلتهم في أول سنة له بدوري المحترفين زعيم قطر وفهدها وفريق أحلامها ورهيبها وعميدها وبقية الأندية ويصبح الرقم الصعب، بل إنّه لم يلتفت حتى لشمس النصر السعودي في أبطال آسيا فأقصاه قبل أسبوعين بثلاثية في معقله بدرة الملاعب، وأحسب أن هناك العديد من الأمثلة والنماذج في مختلف ملاعب العالم.

"أهل مكة أدرى بشعابها" وبالتأكيد أن رجالات السيب يتمتعون بالخبرة الكافية للوقوف على وضع النادي وأسباب الإخفاق في الدوري المحلي وعوامل النجاح في البطولة الخليجية وهذا أمر مهم فالإخفاق والنجاح كليهما يصنعان النهوض وإدامته، وأجزم بقدرة هؤلاء الرجال على استيعاب المطالب الجماهيرية التي جُبلت على حب هذا الكيان كيف لا ومن يمسك زمام التحليق "صقر" تمرس على تحدي الصعاب ومواجهة التحديات ويملك الشغف الدائم بحكم نشأته الرياضية على مدار تأسس النادي منذ سبعينيات القرن المنصرم.

نعم السكر إن لم يستقر لدى أي إنسان فإنه سيشكل بداية "معضلة" لا نهاية لها، هذا في الواقع الذي نعيشه، إلا أننا نجزم بوجود "الاستثناء" السيباوي القادر على إيجاد الحلول واستئصال "الحنظل" الدخيل على مذاق السكر والحليب، مترقبين تتويج خليجي سيُصبح الحلم المنتظر لعُمان من شمالها إلى جنوبها، على أن "المدرك بحواسه" يتميز بالتلقائية والمرونة والمقدرة على التعامل مع الظروف والتكيف مع أي وضع، "ولن يفيد البكاء على اللبن المسكوب" فما مضى لن يعود وما هو آت حديث تترجمه أفعالنا في الغد.

تعليق عبر الفيس بوك