وقاية الشباب من مخاطر التطرف والغلو

عبدالله العليان

لا شكَّ أنَّ الشباب هم عماد الأمة ومستقبلها، وعلى أكتافهم تقام الحضارات, وترفع الأمجاد, ولقد اهتمَّ الإسلام بالشباب اهتماما جادا، ووجَّه حميتهم توجيها سديدا, ولقد كان من أشد أعداء الإسلام شيوخ مكة ووجهاؤها، وعلي رأسهم أبو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة وأبو لهب وعتبه وشيبه ابنا ربيعة. وكان أول من آمن برسول الله بعد زوجه خديجة علي بن أبي طالب وكان صبيا صغيرا نام في فراش رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يوم الهجرة وهو يعلم أنه مقتول لا محالة، ثم أبوبكر الصديق الذي أسلم في عمر الثامنة والثلاثين وأنفق ماله كله في سبيل الدعوة الإسلامية, وعمر بن الخطاب الذي كانت قريش توفده إلي القبائل الأخرى للتباحث معها، أسلم في السادسة والعشري, وها هو سعد بن أبي وقاص الذي رمى أول سهم في الإسلام أسلم وعمره سبعة عشر عاما، وكان رسول الله -صلي الله عليه وسلم- يقول له: "فداك أبي وأمي، ارم أيها الغلام الحذور". ثم الزبير بن العوام ابن عمة رسول الله صفية الذي أسلم وعمره ستة عشر عاما، والذي قال فيه رسول الله -صلي الله عليه وسلم: "إنَّ لكل نبي حواريا، وحواريي الزبير". ورفيق الزبير طلحة بن عبيد الله الذي أسلم في السابعة عشرة وكان من أشد المدافعين عن رسول الله في أُحد، والذي سمَّاه رسول الله بـ"طلحة الفياض" أو "طلحة الخير", ثم عبدالرحمن بن عوف في الثلاثين, وأبو عبيدة بن الجراح في الثانية والثلاثين, ومن ينسي أسامة بن زيد الذي خرج رسول الله -صلي الله عليه وسلم- وهو في مرض الموت بعد أن أكثر المنافقون في الاعتراض على قيادته للجيش وهو دون العشرين. لذلك؛ فإنَّ أيَّ تراجع أو انحراف بين الشباب، يضرُّ بالأمة ويُسهم في زعزعة مكانتها وتراجع قوتها، وهذا بحد ذاته خطر ليس بالهين في مسألة انحراف الشباب.

ولا شكَّ أنَّ الشباب، يتعرضون لتيارات خطيرة -فكرية وإعلامية- وهذه من أخطر وأعظم المشاكل التي تُفسد السلوك والأخلاق، وربما تُفسد العقول، والشباب في بعض الأحيان لا يفرق كثيرا بين النافع والضار من الأفكار، وليست لديه تلك الحصيلة الفكرية التي تجعله، يُميِّز برؤية ناقدة وحصيفة؛ لذلك يقع الكثير من الشباب في براثن الانحراف الفكري والسلوكي؛ ولذلك تكون النتائج سيئة ووخيمة على أفكار الشباب؛ لأنَّ الشباب الآن -كما يقول العديد من الباحثين- كثير منهم تغيرت أخلاقه، وصاروا يقلدون الغرب أو الشرق في لباسهم‏، في شعورهم في حركاتهم‏.‏ طبقًا لما يُسمونه ويقرؤون مما تحمله إليهم هذه الوسائل التي أغلب أحوالها أن فيها الدس الكثير لإفسادهم‏.‏

والأهم من ذلك تغيير عقيدتهم؛ فقد تحوَّل بعض الشباب المسلم إلى ملحد، إلى شيوعي، على بعثي...إلى غير ذلك من الأفكار الهدامة؛ لأنه ما دام أنه مُقبل على تلقف هذه الدعايات وهي تدفع إليه بيسر وسهولة، وهو فارغ الذهن من غيرها ليس عنده من الحصانة ولا من العلم ما يفهم به هذه الشبهات المدسوسة أو هذه الدعايات المضللة، فإنه يتقبَّل ما يصل إليه كما قال الشاعر:

عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى...

فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا

ومن أسباب هذه المشكلة التي هي مُشكلة الانحراف في التصور والانحراف في الخلق والانحراف في التفكير -بعد وسائل الإعلام، ولا أقول كل وسائل الإعلام؛ لأن وسائل الإعلام فيها الصالح، ولكنه قليل والأكثر ضار- يأتي السفر للخارج؛ حيث يُسافر الشاب إلى الخارج إلى البلاد غير المسلمة، ربما تضيع فيها الكثير من الأخلاق والسلوك، وتقدم الإباحية والأفكار الفاسدة وليس عنده مما يرده ويبين له زيفها؛ ليس عنده الرصيد الكافي أو ليس عنده رصيد أصلاً، وهو شاب في ريعان الشباب فإذا سافر إلى تلك البلاد وخالط أهلها سرعان ما يتغير لدينه ومجتمعه المسلم، ويعود صفر اليدين‏.‏ هذا من أسباب الانحراف الخلقي والعقدي في الشباب وهو السفر إلى الخارج، الخارج الذي يموج بالفساد متعدد الجوانب، دون أن يكون عنده الحصيلة الفكرية اللازمة تحصنه من الاختراق الفكري.‏

ومن أسباب ذلك أيضا: فشو الجهل‏،‏ جهل كثير من الشباب بدينهم؛ لأنهم لم يتلقوا من دينهم وعلومه الحصانة الكافية التي يعرفون بها الخبيث من الطيب والضار، ومن النافع، ويميزون بها بين الحلال والحرام‏.‏ العلاج الناجح لمشاكل الشباب وعلاج هذه المشكلة إذا ما نصحنا لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، علاج هذه المشكلة ميسور يتلخص بأمور قريبة ميسورة‏.‏ إصلاح المناهج التعليمية التي يتلقونها في المدارس بحيث تُملأ هذه المناهج بالعلوم الدينية النافعة بعلوم العقائد الصحيحة ومعرفة الحلال من الحرام في المعاملات وفي المأكل والمشارب والعادات والأخلاق حتى تمتلئ قلوبهم بالعلم النافع الذي إذا تسلحوا به استطاعوا أن يميِّزوا بين الطيب والخبيث، وأن يُقاوموا الشُّبهات التي تواجههم، بإصلاح المناهج أولاً واختيار المدرسين الأكفاء الصالحين الذين يُوصلون حصيلة هذه المناهج وهذه العلوم النافعة إلى قلوب الشباب، ويرغِّبونهم فيها.

ويقول د.محمد سعيد رمضان البوطي، في كتابه "الإسلام ومشكلات الشباب": الحقيقة أن الشباب -بحد ذاتهم- أينما كانوا ليست لهم مشكلة ما. أي ليسوا متشاكسين مع أنفسهم أو عقولهم، في أي أمر من الأمور. ولا في أي مكان أو زمان، ما داموا من صنف العقلاء الخاضعين لسلطان البشرية وقانونه الطبيعي. إنهم كانوا، ولا يزالون، يتصرفون في شؤونهم الفكرية والنفسية، تصرفاً مُنسجماً مع مُقتضيات الطبيعة البشرية والنوازع الفكرية والعقلية. قد يخطئون أو ينحرفون، ولكن ذلك ليس نابعاً من مشكلة خاصة بهم من حيث إنهم شباب، بل إنهم في ذلك يشتركون مع الفئات الأخرى من الناس. يقودهم في ذلك قاسم مشترك واحد، كعوامل العصبية أو الردود النفسية أو الانصياع للتقاليد والعادات.

وأنَّ الذي يُبصر ما يسميه بـ"مشكلات الشباب" ثم يحصر نظره وفكره في شأنهم وغرائزهم؛ زاعماً أنه يحاول بذلك أن يطببهم ويربيهم، أشبه بمن خاض بسيارته طريق مستوعر مملوء بتضاريس الحجارة والأخاديد، فلما رآها تضطرب وتتقلقل ولا تتثبت في سير أو اتجاه، نزل منها وراح يحملق في محركاتها ودخائلها، ساعات من الزمن ليكتشف ما فيها من خلل وعطب! وليس في عقول الشباب ولا في نفوسهم أي مرض أو آفة يعانون منها، ولكنهم بمثابة جهاز حساس يرتسم عليه كل ما قد يكمُن في المجتمع الذي هم فيه، من مظاهر الفوضى والتخلخل والاضطراب. ولو كان الشيوخ بمثل تلك الحساسية التي عند الشباب لاشتركوا معهم في معاناة المشكلات ذاتها".

وقد يرى د. محمد سعيد البوطي، أنَّ مشكلات الشباب ليست في عقولهم ولا في نفوسهم، لكنه يرى أن المجتمع أيضا له دور بما يعانيه الشباب؛ باعتبارهم جزءا منه، لكننا نرى أن قضية مشكلات الشباب، وانحراف بعضهم، هو نتيجة من نتائج أزمة المجتمعات، وتغير الحياة بما فيها من مغريات وتحديات، ساهمت في الكثير من مشكلات الشباب؛ وأهمها: الانحرافات السلوكية التي عصفت وتعصف بالكثير من الشباب في هذا العصر الذي يموج بالكثير من التيارات والمؤثرات، خاصة الاختراق الثقافي عبر الفضاء المفتوح، والمغريات التي لا شك أنها تساهم في انحراف الشباب.

والعلاجُ الذي نراه مهمًّا في انحراف الشباب: الوعي بقيم الإسلام وغرسه بين الشباب، منذ نعومة أظفارهم، حتى تترسخ فيهم قيم الإسلام الصحيحة، بما فيها من رحمة وخلق وتضحية وتسامح، والابتعاد عما يخالف تعاليم هذا الدين القويم في الوسائل المؤثرة. وهى في اعتقادنا العاصم من كل الانحرافات والسلوكيات الخاطئة؛ فالوقاية مهمة وضرورية في مجالات عدة؛ لعل أهمها: الإعلام والتربية، التي تجعل الفرد المسلم أكثر تمسكا بتعاليم هذا الدين القويم، وفي نفس الوقت أكثر استجابة لروح العصر، وهو التوازن الذي يريده الإسلام في هذا العصر، فيما نأخذ وفيما ندع.

تعليق عبر الفيس بوك