الدولة النفطية الريعية

عبيدلي العبيدلي

بدَعْوة من جمعية الاقتصاديين البحرينية، ألقى وزير الصحة البحريني الأسبق علي فخرو محاضرة في نادي الخريجين؛ ناقشت موضوع الدولة الريعية. وفي البدء، تناول فخرو الموضوع من مدخل أكثر شمولية، واتساعا من خلال مقدمة تاريخية لمفهوم الاقتصاد الريعي، عرَّج فيها على كتابات الاقتصادي البريطاني آدم سميث، الذي يعودُ له الفضل في استخدام هذا المفهوم في كتابهِ "ثروة الأمم"، وعندما اعتبر الريع أحد أشكال المردود المالي.

لكنَّ الكاتب عدنان الجنابي يؤكد في مقالته "الدولة الريعية والدكتاتورية"، أنَّ أول من "أعطى الريع (Rent) معناه الاقتصادي المحكم أكاديمياً هو ديفيد ريكاردو في كتابه "حول مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب". ويرى الجنابي أنَّ "الريع بالمعنى الريكاردي هو الدخل الإضافي من الأرض الزراعية المتأتي من الميزة الاقتصادية من استعمال نفس وحدة المساحة بما يتجاوز عائد الأرض الحدية المستعملة لنفس الغرض. أي ما يتجاوز الكلفة عند تساوي عناصر الإنتاج من عمل ورأسمال". ووفقا للجنابي "ينطبق الريع الريكاردي على ميزات الموقع والعوامل الطبيعية. ومن هذا المفهوم تم اشتقاق ريع المنجم الذي يطبق اليوم على الريع المتأتي من إنتاج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز عندما تكون كلفة الإنتاج أقل بكثير من سعر البيع". لكنْ يُجمع الكل على أنَّ "أول من استعمل الريع كنمط اقتصادي هو كارل ماركس في كتابه "رأس المال"؛ حيث قال: في الاقتصاد الريعي تقوى علاقات القرابة والعصبية. أما في التشكيلات الاجتماعية الرأسمالية فتسيطر علاقات الإنتاج".

ومن جانبه، حاول فخرو أن يُميِّز بين نوعين من الريع: "الريع الخارجي، والريع الداخلي".. مشيرا إلى أنه بينما "يرتبط الريع الداخلي بالحركة الإنتاجية، يتولد الريع الخارجي من اقتصاد خارجي دون نشاط إنتاجي داخلي".

وهنا.. توقف فخرو كي يميِّز بين نشاطين في الاقتصاد الريعي؛ إذ ينبغي -كما يرى فخرو- وضع حد فاصل واضح بين "خلق الثروة، وبين استخدامها". وحذَّر فخرو من مخاطر انتقال ذهنية الدولة الريعية من دول الخليج النفطية، إلى الدول العربية الأخرى ذات الاقتصادات المهيَّأة أكثر للاعتماد في دخولها على الإنتاج المتنوع، عوضا عن الاعتماد على النمط الريعي في توليد الثروة.

وهنا.. توقف فخرو كي ينتقل من الفضاء الاقتصادي لمفهوم الريع، إلى الدائرة السياسية عندما يتمظهر الاقتصاد الريعي في سلوكيات الدولية القائمة على الريع في توليد ثرواتها الوطنية، وانعكاس ذلك ليس على سلوك الدولة فحسب، وإنما أيضا -وهذا هو الأكثر خطورة- على سلوك المواطن الذي بات اعتمادا شبه كليه "على ما تنفقه الدولة من أموال مصدرها الريع". ومن جانبها -كما يشير فخرو- تنزع الدولة الريعية المعتمدة كليا "على مصدر واحد للريع (الدخل). وهذا المصدر غالباً ما يكون مصدراً طبيعياً ليس بحاجة إلى آليات إنتاج معقدة سواء كانت فكرية أو مادية، كي تحتكر من خلال سيطرتها على ذلك الريع مشروعية امتلاكه ومشروعية توزيعه ومشروعيه بيعه".

وبعد تلك المقدمة التاريخية النظرية، انتقل فخرو إلى التمظهر الملموس للدولة الريعية في إطارها العربي ممثلة، على النحو الأفضل في الدول النفطية الخليجية، منوها إلى ما جاء في كتابات الباحث الإيراني حسين مهداوي الذي تذهب الكثير من الدراسات إلى أن "مصطلح الدولة الريعية (Rentieral State)، ظهر ولأول مرة في دراسـة له اختصت في النموذج الإيراني والتي كان يقصد بها توصيف الدول المعتمدة على الإيرادات النفطية".

وربط فخرو بين ظهور الدولة الريعية النفطية وتراجع دور المواطن في صنع القرار السياسي، وعرج هنا على التناسب العكسي بين زيادة مداخيل الدول النفطية من ريوعها الخارجية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني في عملية التحول الديمقراطي؛ الأمر الذي يزيد من تعقيد العلاقة بين المواطن والدولة، في اتجاه سلبي. وشدَّد فخرو عند هذه النقطة على مسألة في غاية الأهمية وهي أن القصد من هذا اللقاء ليس الترويج لفكرة القضاء على نمط الاقتصاد الريعي، بقدر ما هو إعادة النظر من أجل القيام بعملية إصلاح جذري بنيوي يمس هياكل نمط الإنتاج الريعي.. مؤكدا أن مثل هذا التوجه من شأنه الارتقاء بأداء اقتصاد الدولة الريعي من جهة، وانعكاسه إيجابيا على عملية التمدن المجتمعي من جهة ثانية. فمثل هذا التوجه يساعد الدولة على التخلص من الكثير من الصفات السلبية ذات الطابع الخمولي، بالمعنى الاقتصادي، الملازمة للدولة الريعية فتتخلى عن دورها التقليدي الذي يفرض عليها "أن تكون الدولة هي المشغل الرئيسي للناس، مما يجعلها بيروقراطية متضخمة وغير كفؤة". وفي مثل هذه الظروف يصعب ظهور مجتمع مدني نشيط؛ وبالتالي لا يكون هناك دافع للتطور نحو الديمقراطية".

وبمثل هذا الطرح، يُقرِّبنا فخرو مما ذهب إليه الباحث الاقتصادي المصري، الذي نجح في تطوير "هذا المفهوم، وشخَّص أربع خصائص رئيسية تشترك فيها الدول الريعية في العالم العربي:

1- الدخل الريعي هو الدخل السائد في الاقتصاد.

2- يتأتى الريع من الخارج بحيث لا يحتاج الاقتصاد المحلي إلى قطاع إنتاجي قوي.

3- تشكل الأيدي العاملة المشغلة في تحقيق الريع نسبة قليلة من مجموع القوى العاملة.

4- تكون الدولة (الحكومة) هي المتلقي الرئيسي للريع الخارجي.

واللافت هنا هو تنامي عدد الدراسات التي تعالج هذه الظاهرة. فهناك -على سبيل المثال- دراسة أليكس هارنييت ستيفس عن نيجيريا، وإلى جانبها هناك الدراسة التي قام بها أحمد كورو عن دول آسيا الوسطى؛ الأمر الذي يعني تزايد أهمية الاقتصاد الريعي فوق خارطة الاقتصادات العالمية؛ وبالتالي يجعل من دعوة فخرو للتمعن في طرق تجذير مخرجات الاقتصاد الريعي على الصعيدين الاقتصادي المحض والسياسي التابع له مسألة في غاية الأهمية.

تعليق عبر الفيس بوك