الحملة على اليمن .. مواقف وتناقضات

صالح البلوشي

تابعتُ خلال الأسابيع الماضية كثيرًا من المقالات وردود الأفعال في مواقع التواصل الاجتماعي حول العملية العسكرية التي تشنها المملكة العربية السعودية وحلفاؤها ضد القواعد العسكرية لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائها من الموالين للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من الجيش اليمني والحرس الجمهوري. لاحظت أن كثيرًا من هذه المقالات والكتابات سواء في الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي تنطلق من مرجعية واحدة، وهي: العداء لإيران، أو الكره للسعودية، ولذلك نجدها تفتقد الرؤية السياسية والإستراتيجية الواضحة، إضافة إلى افتقادها العمق في الطرح والوضوح في المضمون. وكثير منها يفتقد أيضًا إلى المعرفة بأطراف الصراع هناك وهويتها السياسية والمذهبية والفكرية. فالإعلامي المصري خيري رمضان - مثلا- شاهدته في إحدى حلقات برنامجه اليومي (ممكن) الذي يذاع في قناة cbc المصرية يقول: بأن الحوثيين ينتمون إلى طائفة إسلامية تسمى اليزيدية، وكرر ذلك عدة مرات في البرنامج، مع العلم بأنّ اليزيدية (الإيزيدية) هي ديانة مستقلة وليست طائفة إسلامية، ويتمركز أتباعها في منطقة جبل سنجار في شمال العراق، وقد تعرضوا لعمليات قتل واضطهاد كبيرة في الفترة الماضية على يد ميليشيات داعش الإرهابية. وأما الكاتب والإعلامي عبد الحليم قنديل فقد وصف في قناة أخرى الحوثيين بأنهم تحولوا من الزيدية إلى مذهب الشيعة الإثني عشرية؛ دون أن يقدم أية أدلة أو قرائن تؤكد على كلامه سوى علاقتهم المزعومة بإيران. هذه الحالة من غياب الرؤية السياسية الواضحة لدى كثير من الكُتاّب والإعلاميين العرب هي نتيجة طبيعية لحالة عامة تسود الوطن العربي بأسره في جميع السياقات السياسية والمعرفية والثقافية، وهي عدم وجود مراكز بحوث ودراسات إستراتيجية ومتخصصة تستطيع أن تُحَللّ وتُناقش القضايا السياسية والإستراتيجية حسب المناهج العلمية الحديثة، بعيدًا عن اللغة الصحفية التي تعتمد على المعلومات الجاهزة (المعلبة) التي تفتقد أغلبها إلى الدقة والمعرفة والعمق. ولذلك نشاهد هذا الخلط العجيب والغريب بين المفاهيم والمصطلحات.

المقالات التي تمتدح الرؤية السعودية للأحداث تنقسم أيضًا إلى: ما هو سياسي بحت ويتصف بالعقلانية والبراجماتية السياسية، وترى أن الفوضى الحاصلة في اليمن سوف تنعكس سلباً على أمن واستقرار السعودية. ومنها ما هو طائفي ضيق وترى أن الحرب لنصرة "أهل السنة" في اليمن ضد "الروافض المجوس"، ويتجاهل أصحاب هذا المنطق أن قاعدة الولاءات في اليمن لا تعتمد على المذهب وإنما الانتماء القبلي، ولولا الدعم الذي كانت تحظى به جماعة الحوثي - وهي بالمناسبة جماعة صغيرة من ناحية الحجم والتسليح - من بعض القبائل إضافة إلى الموالين للرئيس السابق، لما استطاعت الاستيلاء على المدن اليمنية ومنها العاصمة صنعاء بكل سهولة قبل أن تدخل إلى عدن. ويتجاهل هؤلاء أيضاً إن الحوثيين ينتمون إلى المذهب الزيدي وأن الزعيم الروحي للجماعة بدر الدين الحوثي (1926-2010) كان أحد أبرز مراجع الزيدية في هذا العصر، وله مؤلفات عديدة في الفقه الزيدي وليس الإثني عشري. ومن الغريب (وهو ليس بغريب) أن أصحاب هذا المنطق الأصولي الظلامي الذي يطعن في إسلام وعروبة أهل اليمن ويدافع بشراسة عن الحملة السعودية ضد "الحوثيين"، رفضوا - ولا يزالون- مشاركة السعودية في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مما يكشف عن الطبيعة الإيديولوجية/الطائفية التي تحكم هؤلاء. ومن المؤسف أن هذا الاتجاه الطائفي الظلامي القروسطي لم يعد وجوده مقتصرا على القنوات المشبوهة، وإنما في بعض القنوات الرسمية أيضًا، وهذا هو الخطأ الذي تقع فيه الأنظمة العربية دائماً في معاركها السياسية، فهي لا تتعلم من أخطائها في الماضي، وما تزال تتوهم أنها تستطيع توظيف الموروث الديني والطائفي في خدمة أجندتها السياسية، ولكنها في الواقع تساعد في تعملق أحزاب الإسلام السياسي؛ التي مهما تَلّونتْ وهادنت فإنها لا تتنازل عن هدفها في إسقاط الأنظمة السياسية العربية، من أجل إقامة حلمها الأسطوري "الخلافة الإسلامية".

وإذا تركنا هذه الفئة واتجهنا إلى الأخرى، التي تُصَنّف أنها من الكارهين للسياسة السعودية، فإنّها انقسمت أيضًا بدورها إلى معارض للحرب بسبب أنها تؤدي حتما إلى تدمير اليمن والبنية التحتية فيها - كما يحدث فعلاً الآن-، وآخر لم يسلم من الإسقاطات الحزبية والطائفية، فهو في الوقت الذي يؤيد فيه كل حملة عسكرية تطال الجماعات الدينية السلفية المتطرفة، يقف موقفاً رافضًا للحملة السعودية في اليمن، تأثرا بالموقف الإيراني السلبي من الحملة المذكورة، وأيضًا بسبب الخلاف المذهبي مع السلفية.

وإلى جانب هذه المواقف السياسية والآيديولوجية، هناك مواقف لا يمكن لنا أن ننساها أو نتجاهلها أو نمر عليها مرور الكرام، وهذه المواقف نجدها تتجلى في جميع الحروب والمعارك التي يخوضها الساسة والمغامرون هنا وهناك، هذه المواقف يقف وراءها ناس جردوا أنفسهم من الوطنيات الضيقة، والآيديولوجيات الفاشية، والطائفية البغيضة، والتدين الإقصائي والتكفيري. يرى هؤلاء أن الحروب في طبيعتها هي ضد الحياة، والطبيعة، والحضارة، والإنسان. ففي الوقت الذي يتبارى فيه الساسة والعسكريون في تحديد الأهداف التي تُقصف، والرقص على جثث الضحايا، هناك في مكان آخر ناس يُقتلون بأبشع صورة، وطفولةٌ تحمل الطهر والبراءة تُغتال، وعائلات تفقد مصدر رزقها. تحدث جميع هذه الآلام، والأوجاع، والمآسي؛ بينما هناك من يجتمع في مكان آخر يتاجر بدماء الضحايا.

تعليق عبر الفيس بوك