لماذا يشكّ الخليجيون في إيران؟

سلطان الخروصي

تُمثل إيران قُوة ضاربة في عمق التاريخ سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، كما أنها على درجة كبيرةٍ من الأهمية في تحقيق التوازن الأمني والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي بالمنطقة، أضف إلى أنها لاعب رئيسي محترف وضلع جوهري في جسد المشهد العربي وبالأخص في العراق ولبنان وسوريا وبين حين وآخر في البحرين، قد تثير تصريحات ومواقف المسؤولين الإيرانيين في المستنقع السوري والسيطرة على زمام القيادة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً لإدارة حرب (الاستنزاف) ضد الثوار والجماعات المسلحة الأخرى وزجّ حزب الله في أتون هذه المعمعة كلها قد تثير في نفس المواطن العربي شكوكاً كثيرة تجرُّه نحو انتزاع حسن النوايا؛ إذ لا يرى في تلك التدخلات السافرة إلا تكريس (للتَّقية) الإيرانية المعهودة بالدفاع عن الشرعية والحقوق وحماية الشعب العربي من أطماع الشيطان الأكبر!.

كما أن (ابتلاع) أجهزة استخبارات الحرس الثوري الإيراني لأغلب أرض العراق وإذكاء روح القتل بالهوية أو المذهب أو القومية يُعزِّز شكوك المواطن العربي نحو أهداف جيرانه على الضفة الشمالية للخليج العربي، كما لا يمكن تجاهل القلاقل التي يثيرها "حزب الله" والذي يرى في نفسه دولة شبه مستقلة في الجنوب اللبناني ليجرُّ البلاد إلى مزالق ومغامرات تجذب فوهات القتل والتدمير الصهيونية فتدُكَّ البُنية التحتية المهترئة أصلاً في بلاد الأرز والذي ما فتئ ينتهي من أزمة سياسية حتى تلتهمه حرباء سياسية أخرى، فولوج الحزب في معمعة الحرب الضروس التي تطحن الشعب السوري يجعل من لبنان قنبلة موقوتة للانتقام وتصفية الحسابات وصناعة حروب لا يقوى عليها على الرغم من أن جُلَّ الشعب العربي كان يصفق بحرارة للإنجازات البطولية لرجال المقاومة ضد الكيان الصهيوني وآخرها في حرب تموز (2006) إلا أن التورط في المستنقع السوري خلق حسابات معقّدة جعله محل استنكارٍ لدى كثير من الشعوب العربية، وفي الزاوية الأخرى نلحظُ دعماً سخيّاً من إيران لحزب الله ومغامراته في سوريا؛ فهل من الغلو أن يتساءل المواطن العربي لماذا يتَّهمنا الإيرانيون بأننا لا نُحسن النوايا بهم دون أن يُقدِمُوا على مراجعة شاملة ووافية لسياستهم في المنطقة العربية؟.

وعلى الصعيد الخليجي وحينما تسعى إيران لضرب العُمق البحريني وزعزعة أمنه واستقراره وتغرير الشباب البحريني من الطائفة الشيعية بالاعتصامات والعصيان المدني ضاربة عرض الحائط بخطورة زعزعة الأمن الإستراتيجي لدول مجلس التعاون الذي لا يرضى أي تدخل إيراني سياسياً كان أو عسكريًا، فكيف للمواطن الخليجي أن يولي ثقته جيرانه في الضفة الشمالية وهم يلوون بألسنتهم ليل نهار بالحق السيادي على البحرين؟!.

وعود على ذي بدأ وبالتحديد في اليمن الذي نجده اليوم يرزح تحت وطأة الانقسامات الداخلية وبوادر الحرب الأهلية التي إن وقع فيها رجالات السياسية في البلاد فإنها بذلك ستُشعلُ ناراً تحرق الأخضر واليابس وسيكون الشعب اليمني هو الخاسر الأكبر فيها، وفي معمعة الاحتقان السياسي والتطورات الميدانية المتسارعة إثر المعارك الطاحنة بين الحوثيين وقوات التحالف العربي في عاصفة الحزم أضحى المواطن اليمني يُمنِّي النفس ويترقب تدخلاً حكيماً و(مسؤولاً) لإيران من خلال الضغط على حلفائها من الحوثيين لإنجاح العملية الديمقراطية في البلاد بعد خلق بيئة سياسية ديمقراطية جاءت بُعيد الثورة بولادة رئيس للجمهورية وبرلمان منتخبين ووضع الخطوات الأولى في منظومة بناء مؤسسات الدولة العصرية وفق ما نصّت عليه الاتفاقية الخليجية بعدما كان الفسادُ ينخرُ جميع مؤسسات النظام السابق، لكن فوجئ المواطن اليمني بأن الواقع عكس ذلك تماماً فوجد أن بلاده -وبإيعاز من إيران في دعمها المستميت للحوثيين- تتقهقر نحو المُربع الأول الذي رُبما يُعيدها نحو الانقسام والانفصال قبل الوحدة اليمنية في بداية التسعينيات وتأسيس يمنٍ كونفدرالي يُقسَّم حسب القبيلة والمذهب.

إن التدخلات الإيرانية في البيت العربي بهذه الصورة الضبابية جعلت المواطن العربي تساوره الشكوك والريبة نحو تصديق ما كان يعتقده ذات يوم بأنّه اتهام باطل غير مُبررٍ يتفوّه به بعض قادة دول مجلس التعاون الخليجي من أن إيران تمتلك رصيداً كافياً من العِداء والأطماع في المنطقة منذ انتهاء حرب الخليج الأولى أو ما عُرف بحرب الاستنزاف بينها وبين العراق الذي كان مدعومًا بالمال الخليجي العربي السخي (1980-1988م)، فكان المواطن يعتبرُ أن مثل هذه الاتهامات ضد إيران ذات صبغة سياسية يتم اللعب بها على وتر العواطف حتى تجلّت الشواهد أمام ناظريه عبر مؤشرات النفوذ في سوريا والعراق واليمن والتي بدروها عزَّزت من تلك الشكوك، فليس من صالح أحد أن تُغلَّب صغائر الأضغان على كبائر المصالح الوطنية والإقليمية والتي إن استحوذت على الواقع وأعدمت الثقة المُتبادلة فإنّ الخاسر الأكبر فيها هم شعوب المنطقة، نحن بحاجة لأن نُقدِّم لإيران منظومة واقعية ليعيش الشعب الإيراني والخليجي رغداً من العيش دون أن يتغلغل النفوذ الخارجي في قضايانا المشتركة، نحن بحاجة إلى أن نقرأ الموقف الإيراني برويّةٍ ومسؤولية وإيجابية وكذلك على إيران أن تقرأ المصالح العُليا لدول الخليج حتى نبني جسراً متيناً من الثقة والتعاون يخدم المصالح المشتركة.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك