لابد لليل أن ينجلي ولابد للعروبة أن تنتصر

علي بن مسعود المعشني

لاشك أنّ من يجهل كُنه الصراع والتدافع بين النَّاس وأدواتهما، سيبقى أبد الدهر بين حفر التفاصيل، وأداة في مشروعات الآخرين ومخططاتهم حتى مطلع الفجر.

فمن أبرز عناوين الصراعات في تاريخنا العربي وأشدها ضراوة، هو صراع الأعداء وأذنابهم في طمس العروبة كهوية جامعة، وكثابت تغترف منه الأمة كل رموز العزة والكبرياء والقيم النبيلة، وكنبراس تهتدي به الأجيال لتستلهم حقائق وأسرار الوجود وجلاء الرسالة والهدف، وكوقود متجدد لمواجهة الأعداء، وكإناء حاضن للإسلام والمُسلمين وموحد لشركاء الوطن والتاريخ والمصير.

لهذا فلاعجب أن تنهال معاول الهدم على العروبة، كحاضن ومحور ووعاء جامع للأمة بكل مكوناتها العرقية والطائفية والدينية، تارة عبر الحروب والقوى الخشنة وتارة أخرى عبر حروب ناعمة وعناوين خاطفة وبراقة، كالوحدة الإسلامية أو التعايش الإنساني أو حوار الحضارات. فهذه الوحدة "الإسلامية" الطوباوية الخادعة لا يُراد منها سوى تجاوز الممكن والفريضة "الوحدة العربية"وتناسيه والقفز على الواقع ونشدان المستحيل، والتعايش والحوار المزعومين ليسا سوى من حقائق المخدرات العقلية التي أفرزتها المدنية الغربية المعاصرة، كي تُبقي على تفردها وتفوقها، وتنتصر للفرز الحضاري الذي رسمته منذ زمن، لتقسيم البشر بين سادة وعبيد، وليستمر ذلك الفرز والتصنيف الغربيين ما بقيت الزعامة بيد الغرب.

لهذا لم نجد حليفا حقيقيا للغرب من خارج جغرافيته وثوابته، وفق قواعد التحالف المتعارف عليها، سوى حلفاء بمرتبة "عبيد"، ومن رفض هذا التصنيف وهذه التبعية المُهينة، صنفه الغرب وأبقاه في خانة الأعداء والمارقين.

الأمة العربية اليوم - ورغم كل مظاهر الوهن والشتات - تخوض أعظم مراحل الصراع وأجلى تفاصيله، وتسطر أعظم الملاحم والانتصارات، بعد أن قرر طيف منها الجهر بالتحدي والتصدي لخصوم الداخل والخارج معًا، فزاد هؤلاء القوم ورهانهم هو المناعة الطبيعية للأمة وزادها الحضاري وخزين قيمها والتي برهنت الأيام والسنين جدواها في كل مرحلة من مراحل التحدي والكبرياء. الصراع اليوم في واقع الأمة الإسلامية وحقيقته، يتجسد في مشروعين وفريقين، مشروع تطبيعي ذيلي مستكين، ينظر للغرب على أنّه مُلهم وقضاء وقدر لا يُرد، ومشروع مقاوم قرأ التاريخ فأبصر المستقبل بجلاء فاستشرف المجد واستدعاه بكل يقينية وبصيرة. والصراع اليوم في حقيقته ما بين كيانات سياسية عريقة في مكونات الوطن والأمة وبين كيانات وظيفية نبتت كالفطر واستنبتت بالتزامن مع نشأة الكيان الصهيوني وزرعه في قلب الأمة، لتقوم بدور الحماية لهذا الكيان المسخ وتمده بكل أسباب الحياة والشرعية معًا عبر تفتيت جسد الأمة وتشتيت عقلها وجهدها والإغراق فيهما. وبالتالي فمن الطبيعي أن تقوم هذه الكيانات الوظيفية بالتجاسر على ثوابت الأمة وتجاوزها، وأن تشق عصا الوئام والتكامل والتضامن بين أطيافها كلما تقاربت أو التأمت، ومن الطبيعي أن تُصبح هذه الكيانات دكاكين لترويج التغريب وتسويق الوهم، وهدر الممكنات وبسط ثقافة الغرب بزعم العصرنة واللحاق بالركب، وأن تُسفه بكل المُمكنات والواجبات وتنال منها وتتجاوزها بشعارات تخطف الأفئدة والألباب وغير ممكنة من وزن الوحدة الإسلامية وماعلى شاكلتها.

الصراع اليوم بين الفريقين، تجاوز كل المحظورات ومظاهر الحرب الباردة والتي احتدمت على جبهات الصراع طيلة العقود الستة الماضية، ومارافقها من تحزبات فكرية وأطروحات وحدوية أو تضامنية، والأهم من كل ذلك، أنّ اللغة (لغة المواجهة)اليوم بين الطرفين تجاوزت كتاب "كليلة ودمنة" وأدب ابن المقفع، بكل إسقاطاته ورمزياته وتورياته، وأصبحنا اليوم في المرحلة النهائية والفاصلة من الصراع والتي تتطلب تسمية الأشياء بمسمياتها، بل والاحتراب على المكشوف وعلى جميع الجبهات العسكرية والسياسية والإعلامية والفكرية. وهذا ما لم يكن مُتاحًا أو مطروقًا أو مطروحًا في الأزمنة الماضية، بزعم الحفاظ على اللحمة العربية والتضامن العربي، هذه المزاعم التي سقطت اليوم ولم تعد تُطرب سوى طابور التطبيع الخامس والسادس كمخدرات عقلية تسلل من خلالها العدو رأسيًا وأفقيًا وسيطرعلى عقول أبناء الأمة وصُناع السياسات والقرار لعقود خلت.

اليوم فقط، تيقنا أنّ العدو لم يتسلل عبر حدودنا بل عبر عيوبنا، وأبرز هذه العيوب هو وجود تيار التطبيع وطوابيره بيننا كمستعربين متصهينين، يقضمون أطراف الأمة ويقدمونها قرابين للأعداء والخصوم دون خجل أو وجل، وقد كشف الربيع المشؤوم في كل مراحله وتفاصيله، عن كل من توارى وتستر بالعروبة للنيل منها وبالدين للتجارة به، وكشف عن كل النُظم الوظيفية في الوطن العربي، وأظهر سقوطها الأخلاقي ودورها الوظيفي بجلاء شديد وبالتدرج التصاعدي.

قبل اللقاء: لا يُعادي العروبة عربي، وهو عربي. وبالشكر تدوم النعم.

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك