لعلنا ننتفع بالذكرى

جعفر الشايب

جيلنا المعاصر عايش أحداثا كبيرة وصراعات بينية مريرة وحروبًا أهلية وإقليمية دامية، مرّت بها المنطقة العربية خلال العقود الماضية، ولكن مجتمعاتنا والأنظمة السياسية لم تلتفت إليها وإلى آثارها، ولم تأخذ من كل هذه الأحداث درسًا أو تجربة.

أتناول في هذا المقال تذكيرًا مختصرًا لحربين إحداهما أهلية، والأخرى إقليميّة، كأمثلة لحروب المنطقة المتكررة التي تقدم فيها الضحايا والخسائر دون أي هدف واضح أو مردود أو نتيجة.

قبل أربعين عامًا - في عام 1975م تحديدا - اشتعلت حرب أهلية في لبنان، شاركت فيها جميع الطوائف كالشيعة والسنة والدروز والمسيحيين إضافة إلى الفلسطينيين والسوريين والإسرائيليين، وتدخلت فيها مختلف الدول الإقليميّة. استمرت هذه الحرب الأهلية- الإقليمية بين مد وجزر حتى عام 1991م، وخلال هذه الفترة قدم اللبنانيون ما يزيد عن 150 ألف قتيل، 40 ألف مهجر، 17 ألف مفقود ومخفي قسرًا.

لم تستثن هذه الحرب طوال الخمسة عشر عامًا أي طرف، وتعددت التحالفات والخصامات والاقتتال الطائفي بينها بصورة مدهشة، وشهدت مجازر مرعبة كمجزرة صبرا وشاتيلا، وحرب المئة يوم، وحرب الجبل، وحرب المخيمات، والغزو الإسرائيلي.

انتهت هذه الحرب بعد كل هذه الخسائر البشرية والمادية من خلال اتفاق الطائف، الذي جمع مختلف الأطراف في أغسطس من عام 1989م، حيث توصل النواب اللبنانيون إلى اتفاق اعتبر محل اجماع بينهم لإعادة صياغة النظام السياسي في لبنان. لا نجد حتى الآن سببا محددا واضحا حول أسباب هذه الحرب، ولا يوجد تبرير منطقي لكل تلك المجازر والخسائر والأضرار والتضحيات التي قدمت فيها.

في عام 1980م، اندلعت حرب ضروس بين العراق وإيران، واستمرت 8 سنوات متواصلة لتكون أطول نزاع عسكري في القرن العشرين، وواحدة من أكثر الصراعات العسكرية دموية، مخلفة وراءها حوالي مليون قتيل، وخسائر مالية قدرت بـ 400 مليار دولار أمريكي.

احتلت القوات العراقية مناطق حدودية ومدناً إيرانية عديدة، واستخدمت أسلحة بيولوجية وكيماوية ضد الإيرانيين والأكراد، وتتابعت حرب قصف المدن بالصواريخ البعيدة المدى بين الدولتين، وامتدت لتشمل حرب الناقلات في مياه الخليج. وتدخلت الدول الإقليمية والغربية بصور مختلفة في دعم وتأجيج أوار هذه الحرب بين الطرفين عبر الدعم المالي واللوجستي وصفقات الأسلحة.

إضافة إلى المليون قتيل، تركت الحرب - التي سماها العراقيون قادسية صدام - وراءها مئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمصابين بالسلاح الكيماوي، الذين استقبلت بعضهم المستشفيات الأوروبية، إضافة إلى المهجرين ومئات القرى والبلدات التي أبيدت عن بكرة أبيها.

انتهت الحرب عام 1988م، بعد مفاوضات بين الطرفين شملت وقف إطلاق النار، الانسحاب إلى الحدود الدولية، تبادل الأسرى، عقد مفاوضات السلام، وإعمار البلدين بمساعدة دولية. وهكذا تتكرر الصورة في قيام حرب دموية مأساوية دون أن توجد لها مبررات مشروعة، أو أهداف محددة، ودون أن تدرس بصورة تمكن من عدم تكرار قيامها في المنطقة.

تلا ذلك أيضًا حرب الخليج الثانية (غزو الكويت) عام 1990م، وغزو العراق عام 2003م، وجميعها لم تقدم للمنطقة العربية إلا الخسائر والويلات، ولم ينتج عنها أي مردود حضاري أو اقتصادي يساهم في تطوير وتنمية المنطقة. بل إنّها أعادت عجلة التطور إلى الوراء كثيرا، وفقد أبناء المنطقة أموالا هائلة من ثرواتهم الوطنية دون أي نتيجة أو جدوى.

تعليق عبر الفيس بوك