اليمن واستحقاقات المرحلة

عبدالنبي العكري

تجتاح وطننا العربي حمّى التعصب والتكفير والانفعال، وتفاقم ذلك مع حرب اليمن، بحيث لا يمكنك أن تصدّق ما تقرأ.

يجري اليوم تشطير العرب كنظام سياسي وشعوب وهوية. الأنظمة العربية، ورغم عضويتها في جامعة الدول العربية، فهي منقسمة بشأن الحرب والأطراف اليمنية المتصارعة. فهناك مجموعة التحالف التي تقود العمليات، دعماً لطلب الشرعية ممثلة بالرئيس منصور عبد ربه هادي، والمبادرة الخليجية وإفرازاتها، وضد سيطرة تحالف الحوثي/ علي عبداللهصالح بالقوة على الدولة والبلاد. وهناك مجموعة أخرى مثل العراق والجزائر وآخرون يعارضون بصمت هذه الحرب.

وهناك مجموعة ثالثة ترفض الحرب لكنها تتحرك ايجابياً من أجل وقفها واستئناف المصالحة والحوار بين الأطراف لكن الملاحظ أن الأنظمة العربية كعادتها، تريد أن تؤيدها شعوبها وقواها السياسية ونخبها في الموقف الذي تتخذه دون تحفظات حتى ولو بالإكراه، وتسخّر جميع وسائل تأثيرها على الشعب، بمزيجٍ من التهديد والإغراء، وهو ما فاقم حالة وبالطبع ليست الحكومات لوحدها مسئولةً عن هذا الانقسام، فقد تدهور الفضاء الفكري العربي منذ أن تراجع المشروع القومي، وتفاقم بنشوب الحروب والاحتلالات العربية العربية، لكنه وصل إلى ما نعتقد أنه الحضيض، باتخاذ الصراعاتالحرب في اليمن صراعٌ على السلطة، بعدما قارب اليمنيون على الاتفاق على شروط وأجندة الانتقال الديمقراطي، لكن هناك بالتأكيد أطرافاً إقليمية ودولية تغذّي هذا الصراع. وفي ظل خلفية الأجواء العربية والإقليمية المحمومة، فقد أسبغ على الصراع طابع طائفي وقومي وعنصري.

فبالنسبة للبعض فإن الحوثيين هم حملة الرسالة المحمدية الحقيقية، وأن السيد عبدالملك الحوثي هو سليل الرسول (ص) وهو أحقّ بالحكم بحسب العقيدة الزيدية الجارودية. في حين أن الحوثيينبالنسبة للفريق الآخر هم رافضة، مارقون من الإسلام، أعداء السنة والجماعة، وعملاء لإيران. وهكذا ازدحم الفضاءكما يسبغ عليها أيضاً صراعٌ بين تحالف الممانعة لأميركا و"إسرائيل" والذي تقوده إيران، وتحالف يقوده الطرف الخليجي الآخر. ويضفى على الحرب تعبير الجهاد بالنسبة للبعض، والردة بالنسبة للبعض الآخر. والقاسم المشترك هو غياب العقل

إنها حربٌ في العقول والنفوس، إلى جانب كونها حرب تدمير لليمن أرضاً وشعباً ووحدةً.

وفي اعتقادي فإن الأخلاقيات لامكان لها في معظم الحروب، ومنها حرب اليمن. فهناك مصالح أنانية وشهوة للسلطة عند الأطراف اليمنية، وهناك صراعٌ على النفوذ بين الدول الإقليمية، بل والدول العظمى، حيث اليمن يطل على البحرين الأحمر وبحر العرب، ويتحكّم في لذا فإن الخطورة تكمن في أن تسبّب هذه الحرب، إلى جانب ما تلحق باليمن واليمنيين من دمار، دماراً أكبر لما يربط كل

شعب عربي من وشائج وطنية، وما يربط الشعوب العربية من روابط قومية، وما يربط شعوب المنطقة من روابطتاريخية، إلى جانب المصالح بالطبعإنه الخراب الأكبر القادم. أما المستفيد من كل ذلك فهو "إسرائيل" بالطبع، التي تنامهذه الأيام على وسادةٍ من حرير، مطمئنةً إلى أن العرب وأصدقاءهم يدمّرون أنفسهم بأنفسهم، وبعدها أميركا والدولالعظمى التي تغرف من خيرات العرب نفطاً وغازاً وغير ذلك، وتصدّر إليهم أسلحة الدمار، وتقيم القواعد لتحرس الشقيقإذاً العقل والمنطق والمصلحة تحتم على الأنظمة والنخب السياسية والثقافية التحرّك سريعاً، لحث سلطنة عمان على أن تقدّم مبادرة شجاعة، لإيقاف هذه الحرب فوراً، وتنظيم حملة إغاثة للشعب اليمني المنكوب، وتنظيم مؤتمر حوار وطني يمني بإشراف ودعم مجلس التعاون الخليجي والقوى الإقليمية المتصارعة والأمم المتحدة، للإتفاق على سلطة وطنيةتوافقية، وبرنامج للانتقال السلمي لنظام ديمقراطي تعدّدي، ودعم مجلس التعاون أولاً والدول العربية والعالم ثانياً، لمشروع إنهاض اقتصادي لليمن يؤمّن الحياة الكريمة لليمنيين، والازدهار لليمن، والاستقرار في المنطقة، وتحييد اليمن وتسمع وترى في النقاشات والإعلام والفضاء الإلكتروني من وسائط التواصل الاجتماعي وغيره.

تعليق عبر الفيس بوك