الصورة الحقيقية لمسابقة (TIMSS)

حميد السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

يقول الدكتور إبراهيم الفقي رائد علم التنمية البشرية في الوطن العربي: "رحلة النجاح لا تتطلب البحث عن أرض جديدة، ولكنها تتطلب الاهتمام بالنجاح والرغبة في تحقيقه والنظر إلى الأشياء بعيون جديدة؛ فالإنسان الذي يفكر بطريقة سليمة سيعلم ما هي أهدافه" لذا فمن يصيغ أهدافه بدقة ووضوح ويضع الخطوات الإجرائية الواقعية وينظر للمستقبل، يستطيع بكل جداره أن يحقق تلك الأهداف، ولكن إذا لم تتحقق فيعني ذلك أنك لم تكن في المسار الصحيح.

اليوم إذا كنا ننظر إلى مستقبل هذا الوطن فإنه ينطلق من خلال إعداد أطفال عُمان بحيث يصبحون قوة بشريّة قادرة على العطاء والتغيير نحو الأفضل، وهذا ما سيؤثر على المستقبل الاقتصادي الوطني، وهذا الاقتصاد يحتاج إلى قوة بشرية تمتلك من المهارات والخبرات التي تؤهلها لان تكون مؤثرا في الإنتاج والابتكار، فعالم اليوم عالم متسارع يعتمد على القوة الاقتصادية في بناء نهضته، ومن هنا تأتي أهمية الاهتمام بالإنسان في بنائه الفكري والعقلي من خلال المنظومة التعليمية والتي يناط بها تحقيق ذلك الهدف، حيث يقع على عاتقها تعليمهم وتأهيلهم وإكسابهم المعارف والمهارات والقيم والاتجاهات الإيجابية التي تجعلهم قادرين على المشاركة والتفاعل مع هذا العالم المتغير والمتطور، بحيث يستطيعون أن يصنعوا لأنفسهم مجداً يحقق لهم آمالهم وطموحاتهم التي تحمل في مضامينها طموحات هذا البلد، وحتى نتأكد أنها في المسار الصحيح فهي بحاجة إلى التقييم والتطوير بين فترة وأخرى، ومشاركة المؤسسة التربوية عام 2011 في المسابقة الدولية التيمس في مواد العلوم والرياضيات هي إحدى أدوات التقييم، والتي أظهرت أحكاما حول مستوى النظام التعليمي في البلد حيث حصلنا على المراكز المتأخر والأخيرة في الصفوف الرابع والثامن التي تمّ فيها تطبيق اختباري العلوم والرياضيات، حيث إنّ هذه النتائج تعطي وصفاً حقيقيًا لمستوى العمليّة التعليمية مقارنة بالدول التي شاركت في المسابقة.

لذا يتطلب من المؤسسة التربوية أن تبذل جهودا واضحة وفقًا لاستراتيجيّة قائمة على تطوير كل عناصر المنظومة التعليميّة، بحيث ينعكس ذلك على أداء الطلبة العُمانيين وفقًا للمعايير الدولية، فالتعلّم اليوم لا يقاس بنتائج التحصيل الدراسي؛ وإنّما بما يمتلكه الطلبة من مهارات وقدرات عقلية وتفكيريّة متنوعة، لأنّ الهدف الأساسي من التعلم هو مستقبل الوطن الذي يقوم على هؤلاء الطلبة، وهنا تكمن أهميّة هذه المسابقة وأهدافها، حيث إنّها تطبق على مستوى الدول المشاركة ووفقًا للمعايير الدولية الموضوعة، وفقًا لبرنامج تطبيقي متشابه الإجراءات بحيث تعطي نتائج في ظروف تطبيقية مناسبة لجميع الدول، وبعد مرور أربع سنوات شاركنا في هذا العام في المسابقة، لعلّ وعسى تكون النتائج أفضل؛ ولكن هناك العديد من التساؤلات تصاغ حول ما قمنا به خلال تلك الفترة، وهل هي فترة مناسبة بحيث تمكننا من تطوير المنظومة التعليميّة بحيث تعطي لدينا نتائج أفضل من المشاركة السابقة؟

التيمس هي دراسة دوليّة تهدف لدراسة التوجّهات العالميّة في العلوم والرياضيات، وتقوم على تنفيذ اختبار عالمي على عينة من الطلبة في الدول المشاركة، بهدف قياس التحصيل العلمي لدى الطلبة، والمقارنة في النظام التعليمي بين الدول المشاركة، وفي ضوء نتائجها يتم تقييم المنظومة التعليمية وفاعلية عناصرها كالمناهج، ونمط التعلم، واستراتيجيات التدريس، والتقويم التربوي، بهدف تحديد مستوى الدول المشاركة وإظهار مدى نجاح التعلم لديهم، وتشرف عليه الهيئة الدولية لتقييم التحصيل الدراسي (IEA).

وبعد إظهار النتائج يفترض من الدول المشاركة أن تعمل على تطوير النظام التعليمي بصورة شمولية وخاصة مواد العلوم والرياضيات، لأن العالم اليوم قائم على العلم والابتكار والإبداع والإنتاج الفكري، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال الاهتمام بالمهارات التي يكتسبها الطالب في التعلم كمهارات التفكير العليا ومهارات القرن الحادي والعشرين، والتي تجعل منه طالبا قادرًا على الابتكار والإبداع، والوصول إلى هذه المرحلة تتطلب عملا جادا ومخلصا يشمل تغيير المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين على التعلم الحديث، حتى يتمكنوا من توظيف كل أنماط التعلّم الحديثة كالتعلم البنائي والنشط والتعلم التعاوني، وما يتطلب ذلك من توظيف استراتيجيّات التعلّم الحديثة، والاهتمام بأنظمة التقويم البنائية، وتوظيف التفكير الناقد والبنائي والابتكاري والإبداعي لدى الطلبة في التفاعل الصفي، هذا العناصر التي يفترض العمل على تطويرها خلال الفترة الممتدة بين الاختبار السابق والاختبار الحالي، على أن يتم ذلك بصورة شاملة بحيث يستفيد جميع الطلبة من هذا التطوير مما يسهم بشكل أساسي في تطوير أدائهم وتعلمهم، ولكن ماذا حدث؟

ظهر خلال الفترة التي تسبق تطبيق الاختبار اهتمام عالي المستوى؛ حيث تمّ تدريب المعلمين قبل شهرين من موعد الاختبار على أسئلة اختبارات التيمس وعلى نمط التعلّم وكيفية تطبيق مستويات التفكير العليا في تعلم الطلبة، وتضمين نماذج من اختبارات التيمس في التعليم، كما تضمن الاهتمام الإداري من قبل المسؤولين، بالإضافة إلى الجانب الإعلامي وربط ذلك بمستقبل الوطن، كل هذا الأمر دفع طلبنا للاهتمام بالاختبار من أجل تحسين مستواهم، حيث تمّ اختيار عينة محددة من المدراس التي سوف يتم فيها تطبيق الاختبار، والتي حظيت بذلك الاهتمام خلال الفترة الماضية دون بقيّة المدارس الأخرى!

هذا الأمر يجعلنا نتساءل هل ما يحدث هو الطريق الصحيح نحو تطوير التعليم؟ أم أننا نرغب في الفوز بالمسابقة وتحقيق مراكز متقدمة أفضل من السابق، ونعلن للآخرين أنّ التعليم عندنا بحالة جيّدة؛ فإذا كنا ننظر على أنّها مسابقة للفوز وتعديل المراكز فهذا الأمر يُعد طبيعيا من حيث ما تم العمل به خلال الفترة الماضية، ولكن إذا كنا نرغب في مستقبل الوطن، فإنّ العمل يحتاج إلى أكثر من ذلك، لأنّ المسابقة ليست هي الغاية وإنما الوسيلة لتحديد مستوى التعلم لدينا، أمّا إذا كنا نبحث عن غاية أساسية وهو الرقي بمستوى التعليم لأبناء عُمان فالأمر يختلف، خاصة أنّ هناك العديد من التقارير التي تنشر إعلاميًا عن وضع التعليم مما يجعلنا بالفعل أمام أزمة تعليمية فإمّا أن نأخذ بالحقائق ونتعلم منها أو نظل نسبح في الوهم.

تعليق عبر الفيس بوك