سلطة المكتب أو البيروقراطية

سالم الكثيري

يتفق الجميع على أنّ أصل البيروقراطية أتى من الكلمتين اللاتينيتين bureau cracy والتي تترجم في العربية إلى سلطة المكتب. وهي تعني بشكل أو بآخر نظاماً إدارياً يتّسم بالسيطرة والتحكم في مختلف مراحل العملية الإدارية.

وتعد البيروقراطية إحدى أهم النظريات الإدارية وأقدمها حيث تهتم بالتوثيق والتسلسل للوصول إلى القرار الصحيح من قبل أعلى سلطة في المؤسسة. ورغم تعرضها للنقد الشديد والدعوة إلى تجاوزها للعمل وفق نظم الإدارة الحديثة إلا أنّها صامدة على مدى من الزمن.

وتتهم البلدان العربية بتمسكها بالبيروقراطية المعتقة ولعل البعض يُحملها ما يحصل في بلداننا من تأخر وبطء في كل شيء ويجعلها سبباً من أسباب تخلفنا وعدم نهضتنا. وليس على من يود أن يجرب شيئًا من "سلطة المكتب" لدى مؤسساتنا العُمانية المختلفة على سبيل المثال سوى زيارة أحد المكاتب الخدمية الحكومية. فمع وجود بعض الفوارق في التعامل بين جهة وأخرى يمارس كثير من الموظفين هذه السلطة في أعتى صورها لتصل في بعض الأحيان إلى درجة ما يمكن أن نطلق عليه "السادية الإدارية" أي التلذُّذ بتعطيل المراجعين فيما يشبه "التلذذ بتعذيب أجساد الآخرين" الذي يشتهر به بعض السجانين.

في تحليلي الشخصي أنّ الموظف لم يلجأ إلى هذا الأسلوب من تلقاء نفسه ولو كان الأمر هكذا لاقتصرت هذه المثلبة على أشخاص بعينهم يُمكن أن يُشار إليهم بالأصبع في المؤسسة الواحدة أما أن يتحوّل الأمر إلى ظاهرة فلابد أن تكون هناك أسباب أدت إلى وجودها.

وإلا فما الذي يجعل الموظف ينظر لمواطن شذرًا بطرف عين وجبين مُقطب ويبدأ معه لعبة المتاهة والأوراق المبعثرة حتى يكره المراجع نفسه والجهة التي يراجعها بدءًا من الموظف ذاته وصولاً إلى رئيس الوحدة. فيما يتلقف الموظف ذاته ملف مواطن آخر بصدر رحب ويوليه جل اهتمامه مستقطعًا له وقت بقية المراجعين. أترك لكم وللمعنيين بمكافحة الفساد الإداري الإجابة، فقد لا تكون متوفرة لدي.

إنّ نقدنا لما يحصل في بعض الدوائر من أخطاء لا يعني أننا نسعى لنسف جهودها فهناك بدون أدنى شك جهود تبذل وعمل ينجز ونتائج جيدة على أرض الواقع إلا أنّ بعض التصرفات التي تبرز على السطح تُحتم علينا طرحها ومناقشتها مع القراء الكرام.

تُعد بلدية ظفار من الجهات التي تقوم بأدوار كبيرة وهناك سعي حثيث لتبسيط الإجراءات وفقًا للتوجيهات الحكومية، وعلى الرغم من الثقل العملي الذي يقع على كاهلها إلا أننا نصطدم بعقبة البيروقراطية بين ممر دائرة وأخرى. ومن أبرز الأمثلة في هذا الجانب ما قامت به بلدية صلالة مؤخرًا لمنح تراخيص بناء المساكن الريفية. حيث يُطلب من المواطن التوجه إلى دائرة نيابات ولاية صلالة بمنطقة "قيرون حيريتي" على بعد مسافة تزيد على 30 كيلومترًا ليقوم بتعبئة الاستمارة ثم إرجاعها إلى دائرة متابعة المخالفات في صلالة لتقوم هذه الأخيرة بمنح الموافقة ثم إعادتها إلى الجبل ليستلمها المراجع مرة أخرى من حيث ابتدأ المشوار، الغريب في الأمر أنّ نموذج الاستمارة خاص بدائرة متابعة المخالفات وأن الموظف في الدائرة الأولى لا يقوم بأيّ دور سوى تعبئة البيانات. فما العائق هنا لأن تقوم الدائرة المعنية بعملها هذا ومن هو المستفيد من كل هذا اللف والدوران على الموضوع وخاصة إذا وضعنا بعين الاعتبار أنّ المنطقة معرضة لكثافة الخريف والضباب وأنها الطريق الرئيسي للقادمين من مسقط إلى صلالة مع الموسم السياحي، فلماذا نزج بالمواطن المراجع والموظف في كل هذه المعمة التي نحن في غنى عنها. أم أنّ هذا الإجراء قد استحدث ليُشعر المواطن بنشوة الانتصار على البيروقراطية وهو على قمة من أجمل القمم الجبلية.

إننا بمثل هذا التصرف نكون قد قدمنا مثالاً واضحًا لعرقلة العمل من حيث ندري أو لا ندري ومما لا شك فيه أنّ هناك الكثير من الأمثلة على تعقيد الإجراءات بدلاً من تبسيطها في البلدية والقوى العاملة والتجارة والصناعة والشرطة وغيرها من المؤسسات. وليس ما ذكرناه إلا نقطة في بحر. فهل من قارب نجاة وهل إلى خروج من سبيل. نتمنى أن يراجع هذا الإجراء وغيره من قبل المعنيين وأن يعمل على تصحيحه بما يخدم الصالح العام وألا تفهم ملاحظاتنا خارج سياقها الذي لا يهدف إلا إلى لفت الانتباه لبعض الأخطاء وتقديم المقترحات المناسبة لمعالجتها.

تعليق عبر الفيس بوك