عواطف العلم

نوف السعيدي

لا يمكن النظر إلى العلم على أنّه تراكمات جامدة من المعرفة، فإذا أردنا إنصافه علينا النظر إليه كفن يُستدل فيه عبر جمال التراكيب وأناقة الصيغ للوصول إلى الحقائق. سنمر عبر هذا المقال على مجموعة من القيم التي لا تتوقع - وفق النظرة التقليدية- أن تجدها في العلم. وقد يُعينك المقال على فهم السبب الذي يمنعك أحياناً من مواصلة قراءة كتاب علمي، أو مشاهدة فيلم وثائقي، لمجرد أنّه يفتقر إلى شيء إضافي يُقدم بالتوازي مع المعرفة، يفتقر للشعر.

الجمال

لفترة طويلة كان ينظر للجمال على أنّه خاصية يسبغها المراقب على الموضوع، لا على أنّه صفة للموضوع نفسه. في كتاب "العلم من منظوره الجديد" يشير الكاتبان إلى أن الإحساس بالجمال هو وسيلة لاكتشاف الحقائق العلمية، مستدلين بالعديد من قصص العلماء، منها اكتشاف تركيب الدي إن آي DNA.

يجادل ريتشارد فاينمن في كتابه "متعة اكتشاف الأشياء" صديقه الفنان، حيث يدعي الفنان أن باستطاعته الإحساس بجمال الوردة، بينما يقوم العالِم بتجريدها من هذا الجمال، فيرد عليه بأن باستطاعته تقدير جمال الوردة، وما يزيد تقديره لها هو قدرته على أن يرى فيها أكثر حتى مما يراه الفنان.

في فيلم "ذا ثيري اوف افري ثينج The Theory of Everything" [1]والذي يستعرض حياة ستيفن هوكينج كان البطل يسعى نحو صياغة معادلة فيزيائية "معادلة بسيطة، معادلة أنيقة واحدة تشرح كل شيء حول الكون".

اللذة

يُشكل البحث عن المتعة وتجنب الألم قصة الوجود البشري. وأحد أشكال المتعة هو لذة المعرفة. يقول كارل ساجان في رومانسية العلم: "عندما تتعمق إلى قلب الأشياء، مهما كانت صغيرة - ورقة شجر مثلا- فسوف ينتابك شعور بالابتهاج قد لا يتمتع به إلا الجنس البشري من بين كل الأجناس التي تعيش على ظهر هذا الكوكب. فنحن كائنات ذكية واستخدامنا لذكائنا استخدامًا صحيحًا يتسبب في شعورنا بالسرور. وفي هذا المجال نجد أن المخ يشبه العضلة فعندما نفكر جيدًا نشعر بالارتياح والفهم وهو نوع من النشوة."[2]

الشغف

قد لا يفهم الكثيرون سبب شغفهم بالعلم رغم أنّهم لا يمارسونه في حياتهم اليومية -أعني أنّ وظائفهم لا تطلب منهم الوجود في مختبر، أو أنها حتى لا تطلب الالتزام بقيم العلم-. كاتبة المقالات العلمية ناتالي أنجير كانت تُسأل باستمرار لماذا لا تمارس العلم إن كانت شغوفة به إلى هذا الحد؟ ولماذا تكتفي بالكتابة عنه؟ وقد كانت تجيب: "لا أريد أن أفسد علاقتي مع العلم بالزواج منه"[3]

في كتاب "منذ زمن داروين" يحكي الكاتب ستيفن جوولد عن "مثاله المفضل للتطور" حيث يقول إنّ لكل عالم تطور نموذجه المفضل. ولديه بالطبع أسباب مقنعة لعشق هذه المحارة المدهشة التي طورت زائدة جرابية تتخذ شكل سمكة صغيرة لاجتذاب الأسماك الكبيرة[4] ولكنه يتحدث عنها بعاطفة كبيرة.

هناك مثال أكثر عاطفية وهي طريقة حديث جورن هوروم حول إحدى إحفوراته، يقول واصفاً عمله على الأحفورة إيدا: "في المرة الأولى التي رأيت فيها صورة هذه الأحفورة الرائعة، جافاني النوم ليلتين، فلم أتخيل أبداً أنه سيأتي يوم أرى فيه هذا النموذج الفريد، بل أن أعمل عليه. وكانت تلك بالفعل.. تجربة العمر!"[5]

وإذن فإن حدث ودخلت المختبر ولاحظت أن الفراشة التي تشرّحها فاتنة، لا تبتئس فأنت ما تزال رغم ذلك رجل علم، وأنتِ ما تزالين رغم ذلك سيدة علم.

هوامش:

1- للمخرج جيمس مارش، والفيلم حائز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي

2- كارل ساجان - رومانسية العلم، ترجمة: أيمن توفيق، سلسلة العلوم والتكنولوجيا - مصر، ص 20

3- ناتالي أنجير، المبادئ: جولة نطوف فيها حول الأسس الجميلة للعلم، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، ص 13‎

4- يمكن الرجوع لمجلة أكثر من حياة لمزيد من التفاصيل: http://hayaah.net/?p=439520

5- كولين تادج - الحلقة المفقودة، ترجمة مروة هاشم، أبوظبي، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2011، ص9



[1]للمخرج جيمس مارش، والفيلم حائز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي

[2]كارل ساجان - رومنسية العلم، ترجمة: أيمن توفيق، سلسلة العلوم والتكنولوجيا - مصر، ص 20

[3]ناتالي انجير، المبادئ: جولة نطوف فيها حول الأسس الجميلة للعلم، ترجمة: مصطفى ابراهيم فهمي، ص 13‎

[4]http://hayaah.net/?p=439520يمكن الرجوع لمجلة أكثر من حياة لمزيد من التفاصيل:

[5]كولين تادج - الحلقة المفقودة، ترجمة مروة هاشم، أبوظبي، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، كلمة، 2011، ص9

تعليق عبر الفيس بوك