إلى جنات الخلد شيخنا خلفان

حمود الطوقي

كان خبر وفاة الشيخ خلفان بن محمد العيسري، كوقع الصاعقة على المجتمع العماني بأكمله، فقد فقدت عمان برحيل الداعية خلفان العيسري أحد أبنائها الأخيار الذي تجري سيرته العطرة على لسان كل من عرفه..

ولد الشيخ خلفان بن محمد بن خلفان العيسري في جمهورية بوروندي عام ١٩٦٢وعاش طفولته في هذا البلد الإفريقي، وتعلم القرآن الكريم ودرس في مدارس أجنبية، وتوفي والده تاركا خلفان وإخوته لتتولى والدته تربيته وتعليمه، وكانت حريصة على تنشئته على مبادئ القيم النبيلة وفي عام ١٩٧٣ قررت أن ترسله إلى عمان لكي يتعلم القرآن واللغة العربية وأصول الفقه. كان منذ صغره شغوفًا بحب العلم والمعرفة، وكان ذا صوت جميل في تلاوة القرآن الكريم.

التحق أول ما وصل إلى عمان في المدارس النظامية وانتقل بعد مدة بسيطة إلى مدرسة غلا العسكرية وظلّ فيها لوقت قصير ثم قرر أن يلتحق بالعمل لكي يساعد في تأمين مصاريف أسرته.

تحمل الشيخ المسؤولية منذ نعومة أظفاره وعمل بجد واجتهاد من أجل طلب الرزق، حيث ودع أهله وقرر السفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وعمل أول ما عمل في شركة أدنوك ونظرا لإتقانه وإخلاصه وتفوقه في العمل قررت إدارة الشركة ابتعاثه للخارج لتلقي العلوم في مجال هندسة النفط.

سافر الشيخ خلفان إلى بريطانيا وبالتحديد إلى مدينة جلاسكو ليبدأ مرحلة جديدة من حياته العلمية وظل لسنوات طويلة يدرس الهندسة وكانت له أنشطة تطوعية أثناء فترة دراسته الجامعية.

انقطع الشيخ خلفان عن عمان أثناء فترة دراسته وظل مكافحا من أجل أن يحقق النجاح المنشود في التحصيل العلمي..

تعلم بصمت وتفوق على أقرانه ليتخرج من أرقى الجامعات البريطانية وعاد إلى شركته متسلحًا بسلاح العلم والمعرفة. انتظم الشيخ خلفان في وظيفته الجديدة كمهندس للبترول ونظرًا لتفانيه في العمل وسمعته الطيبة وإخلاصه تسابقت عليه الشركات العالمية وشركات ما وراء البحار عارضة عليه الإغراءات الوظيفية ولكنه أبى وظلّ مخلصًا في عمله رافضًا هذه العروض حتى أكمل مدة العقد مع شركة أدنوك الإماراتية.

وفي أواخر الثمانينيات تلقى الشيخ خلفان عرضًا من شركة تنمية نفط عمان ليلتحق بصفوف الشركة كأحد الكوادر الوطنية المؤهلة وعمل كمهنس في حقول النفط واكتسب طوال فترة عمله السمعة الطيبة بين رفاقه ونال أفضل الشهادات التقديرية ومثل شركة تنمية نفط عمان في ملتقيات واجتماعات رسمية، وأثناء هذه الفترة تلقى العديد من العروض من قبل الشركات العالمية إلا أنه فضّل أن يعمل في شركة تنمية نفط عمان من أجل خدمة بلده ووطنه. نعم هذا هو المهندس والمدرب أثناء فترة عمله في شركة تنمية عمان وقدم الكثير من المحاضرات الدينية، وتأثر به العديد من العاملين بالشركة كما اقتدى به الشباب حتى غدت الشركة خلية نحل من العاملين المجيدين.

والداعية خلفان بن محمد بن خلفان العيسري الذي رحل عنا باكرًا وانتقل إلى جوار ربه بعد أن ابتلاه الله بمرض عضال، ظل يقاوم المرض وينقل تجربته مع المرض ويوعي الناس وهو على فراشه داعيا إلى العمل والإخلاص في العمل. بدأ الشيخ خلفان الاهتمام بالأمور الدعوية بعد عودته إلى عمان ودرس علوم الفقه والقرآن على أيدي مشايخ بل لازم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي وفضيلة الشيخ حمود الصوافي وسافر إلى العديد من الدول العربية والأوروبية من أجل تنمية مداركه في أصول العلم والمعرفة.

عرف عن الشيخ خلفان حبه للقراءة وقرأ أمهات الكتب لكي ينهل منها المعرفة، واتسعت مداركه واستطاع أن يجمع باتقان بين عمله كمهندس للبترول وحبه للأمور الدعوية وخلال فترات إجازاته كان رحمه الله يسافر إلى الدول الإفريقية لكي يعلم الناس ويدعوهم إلى الإسلام، واستطاع بفضل أسلوبه المرح في مجال الدعوة أن يقنع العديد ودخل بفضل الله على يديه المئات إلى الإسلام.

تخرّج الشيخ خلفان وتخصص في مجال الهندسة الميكانيكية. عمل في قطاع النفط والغاز على مدار 20 سنة وتقلد عدة مناصب قيادية وتدرج إلى أن تنسّم مناصب الإدارة العليا.

أذكر أن الشيخ خلفان كان يخطط في كل أمر يقوم به وأخبرنا أنه سوف يقدم استقالته في عام 2000 وفعلا قدم استقالته ليبدأ من جديد مرحلة البحث عن العمل في القطاع الخاص إيمانا منه بأهمية إعطاء الفرصة للجيل الجديد. وجد الشيخ خلفان ضالته المنشودة في القطاع الخاص ونظرًا لحبه الشديد لدعوة الناس غير تخصصه من هندسة ميكانيكية إلى هندسة بشرية فعكف على دراسة علم النفس وثقافة المجتمع والمؤسسات. وسافر في العديد من الدول لتلقي العلوم في مجال تنمية الذات والتدريب وحصل على اعترافات دولية كمدرب محترف في تنمية الذات. ولم يغفل الجانب الدعوي بل ظل يدعو الناس من خلال محاضرته القيّمة وانتشر بين الناس ميلاد داعية جديد يقدم محاضرات بأسلوب مرح وتسابقت المؤسسات والشركات والقطاع الحكومي لاستضافته في تقديم المحاضرات وانتشر اسمه في ربوع البلد وفي الخارج وكان عندما يلقي محاضرة يتزاحم المئات من الجمهور لمتابعته.

تفرّغ للتجارة والأعمال الحرة في عام 2006 وخلال هذه المدة عمل عمل كمدرب في تنمية البرمجة اللغوية والعصبية وفي مجال الإدارةً مؤهل في الإدارة وأسس العديد من الشركات وكان يقول أسست عددًا من الشركات وفشلت في البعض منها إلا أنني نجحت في كسب حب الناس.

عرف عن الشيخ خلفان حبه لتطوير قدرات الشباب ليحققوا نجاحا وتميزا في خدمة المجتمع والأمة الإسلامية. وقدم خلال العقد الماضي العديد من المحاضرات والدروس وشارك في تقديم العديد من البرامج الإذاعية الهادفة وله عدة أنشطة في مجالات التوعية خاصة مجالات التوعية المرورية ومجالات التوعية على قيادة السيارة وربط حزام الأمان، وكانت له مبادرات مشهودة في مساعدة المحتاجين والأرامل

استعانت به الحكومة لتسلمه ملف تنمية المؤسسات الصغيرة وقدم العديد من الأفكار في مجال ريادة الأعمال.

كان للشيخ خلفان العيسري رحمه الله دور كبير في توعية الجمهور والمواطنين إبّان أحداث في عام 2011 .

وقد تمّ تعيينه عضوا بمجلس الدولة ليبدأ مرحلة جديدة من عمله في خدمة وطنه، وكان عطاؤه في منصبه الجديد وافرا، كما عين لاحقا مستشارا في وضع سياسات للمؤساسات الصغيرة والمتوسطة، وتم تعيينه أيضا نائبا لرئيس لجنة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في غرفة تجارة وصناعة عمان، كما تقلّد عدة مناصب في عدة مؤسسات تعليمية وخدمية وهو أول من ادخل برنامج عبقري الرياضيات في السلطنة، كما كان أحد المؤسسين لمدارس المتحدة، وهو أيضا عضو هيئة الرقابة الشرعية في بنك عمان الوطني (مزن) وعضو في عدد من الجمعيات الخيرية.

عُرف عن الشيخ خلفان العيسري البساطة في التعامل، واتصافه بروح المرح وطيب المعشر وكان شغوفا بتعلم اللغات فكان يتقن العديد من اللغات، وتعلم البرمجة اللغوية العصبية وقد ألقى عدة محاضرات في هذا الجانب، وقد ساعده على ذلك إلمامه باللغات في مجال الدعوة، حيث أسلم على يد الشيخ عدد كبير من الناس وكنا دائما نرى مجموعات من الناس رجالات ونساء يدخلون في دين الله على يديه بفضل الله. في آخر زيارة له بمنزله قال لي بلغ سلامي لكافة الإخوة والأصدقاء وبشرهم أن صحتي طيبة وإن شاء الله سأعود إلى المنابر في شهر رمضان.

إن الحديث عن الشيخ خلفان ذو شجون.. وها هو يفارق الحياة الدنيا تاركا رصيدا كبيرا من حب الناس وستظل ذكراه على مدار الأزمان.. نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.. وإن العين لتدمع، وإنّا لفراقك يا شيخ خلفان لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي الله.

تعليق عبر الفيس بوك