"كامب ديفيد" وجبهة الرفض الخليجي

سلطان الخروصي

يبدو أنَّ العالم يترقب الاتفاق الرسمي النهائي لقمة "كامب ديفيد" في المنتجع الرئاسي بولاية "ميريلاند" القريب من واشنطن، في وقت يقلق فيه بعض دول الخليج العربي من هذا الوئام (الإيراني-الأمريكي والغربي) وكأن لسان الحال "يوم تسلم ناقتي ما عليَّ من رباعتي". فلا يختلف اثنان على أن الموقف العربي تجاه إيران أزلي قائم على عدم الثقة، بل يزداد شكَّا ورِيبة يوما بعد يوم بتصاعد المواقف العسكرية والسياسية الإيرانية في المشهد العربي، وأردنا أن نبتعد قليلا عن القرية العربية ونتحدث عن بيتنا الخليجي لنقرأ دلالات طلاق قادة الخليج -وعلى رأسها المملكة العربية السعودية- لهذه القمة بمستواها الرسمي الرفيع، فمن الظاهر يبدو أن بيان الخارجية السعودية مقبولا بأن الملك سلمان لن يشارك في هذه القمة لتعارض توقيتها مع فترة الهدنة الإنسانية باليمن، خاصة بعد أن بدأت قاذفات الحوثيين تدك معاقل الآمنين في نجران السعودية، إضافة إلى تأزم الوضع الإنساني بالمدن اليمنية منذ ثلاثة أسابيع لـ"عاصفة الحزم".

ويبدو أن مواقف الدول الأعضاء الآخرين جاء وَهِناً وباهتا من خلال الاعتذار عن الحضور أو التمثيل على المستوى الوزاري في وقت كان الجميع يرى فيه أن هذه الدول ستكون في الصف الأول باعتبار أنها المتضرِّر الأول من إيران عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وسياديا -حسب ما تدَّعي- ومن يتفحَّص ما جاء في بيان البيت الأبيض: "أن أوباما اتصل بالعاهل السعودي للتعبير عن شعوره بالأسف لتفويته فرصة حضور هذه القمة رفيعة المستوى" يجد أن هذا التعبير يحمل بين ثناياه دلالات وتساؤلات عميقة يجب الوقوف عندها لقراءة عدم الرضا السعودي عن تصرفات أمريكا، كما أنَّ ما أورده "جوش أرنست" المتحدث باسم البيت الأبيض: "أعلم أنه كان هناك بعض التكهن بأن هذا التغيير (استبدال مسؤولين أقل مستوى بزعماء بعض الدول الخليجية) هو محاولة لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة" لها مدلولاتها التي تمطر المتابع للمواقف الأمريكية تجاه إيران والخليج العربي جملة من الأسئلة، أضف إلى أن ما تفوه به مسؤول في الأمن القومي بأن: "الملك سلمان لن يغفر لأوباما أبدا إلغاءه الضربات الصاروخية على الرئيس السوري بشار الأسد في اللحظات الأخيرة في شهر سبتمبر 2013، عندما كان الملك سلمان وزيرا للدفاع في السعودية" يعطي صورة شبه واضحة عن وجود أزمة ثقة بين الطرفين، ولربما اتهامات تملص أمريكا من التزاماتها أمام هبات قارون التي تقدمها المملكة لها استخباراتيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا.

... إنَّ هذا الترهل الخليجي بالانزواء عن الرجوع للولايات المتحدة الأمريكية كحليف إستراتيجي في كثير من المواقف الحساسة التي تمس الصالح الأمريكي سياسيا واستخباراتيا يُضفي على المشهد لمسة من عدم الرضا والسخط الخليجي من المواقف الأمريكية (الدعائية) نحو مصالح شعوب المنطقة ضد إيران وسياستها التوسعية التي أكدتها تقارير الأمم المتحدة في العراق والبحرين وسورية ولبنان واليمن، وربما كان جليَّاً هذا السخط في التحالف العربي (غير المسؤول) للسقوط في المستنقع اليمني الذي يبدو أنه أضحى ساحة شطرنج لمن سيقال له "كشّ ملك"؛ إذ ليس من الطبيعي أن تدُكَّ طائرات التحالف العربي اليمن من شماله إلى جنوبه دون علم إمبراطورية العصر الحديث والتي ترددت كثيرا في وقت سابق بالولوج إلى المشهد اليمني لحسابات طويلة تتصل بمصالحها الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ فكيف تجرَّأ الخليجيون أن (يغامروا) بمصالحهم ومصالح المنطقة من خلال البوابة اليمنية دون استشارتها -إن صحت رواية البيت الأبيض-؟!. ومن جانب آخر، ما هي دلالة المرحلة المقبلة أمام هذا الزواج العالمي بين إيران والغرب وأمريكا دون الاكتراث بمواقف وتوجّسات سكان الخليج العربي الأكثر من النفوذ الإيراني والذي يعتبروه يتحرك بذيول فارسية أكثر من كونها تحركات بنوازع مذهبية شيعية (حسب ما جاء من أحد المسؤولين السعوديين) فلما الإحباط الأمريكي من التمثيل الباهت لدول المجلس جاء ردا بيِّناً على إقصائهم من جميع المفاوضات الجدية والتي بدأت في مدينة خليجية وستنتهي في مدينة أمريكية؟!

ويتساءل الخليجيون: هل نُجرُّ لمشاهدة مراسم التوقيع النهائي بلا أعين رأت ولا أُذن سمعت، وكأن لسان الحال "أطرش في الزفة"؟ هل المطلوب منا أن نُجسِّد مشهد كامب ديفيد (1) في العام (1978م) بين السادات ومناحيم بيجن بمباركة جيمي كارتر، والذي على ضوئه أُخفيت جُلَّ بنوده حتى اللحظة، بينما أُعلن عن فُتاته في وقت كان يراه السادات اتفاقًا سيرجع لمصر حقوقها القومية حينما تخلى عنها العرب في حرب أكتوبر، بينما رأى العرب أنها صفعة على وجههم النضالي وصفقة بِيعت فيها القضية الفلسطينية وتنازلت فيه مصر عن عرشها للقيادة العربية، فهل يود الأمريكان وحلفاؤهم أن يوزع الخليجيون الابتسامات الملوَّنة والكلام المعسول والتصفيق المدبلج لبنود الاتفاق لمصالح الدول الكبرى، بينما تتكبَّد هي فاتورة عدم الالتزام الإيراني نحو الاعتراف بالسيادة الدولية للبحرين، وإرجاع الجزر الإماراتية، والكفِّ عن تدريب الميليشيات المذهبية والحزبية والولائية التي تقتل البشر والحجر وتدمر التنمية في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. الخليجيون فتحوا موانئهم واقتصادهم للإيرانيين ليصل التبادل البيني لأكثر من 30 مليار دولار في العام 2012م، فهل يمد الإيرانيون أياديهم للتصالح مع جيرانهم لخدمة شعوب المنطقة؟ وهل كامب ديفيد المرتقبة ستحقق طموحات وتطلعات سُكان الخليج والمنطقة أم هي صورة أخرى لتنازلات عربية لمصالح خارجية تُستغل فيها الفوضى السياسية والتردي الاقتصادي والتعليمي وغياب العدالة الاجتماعية في كثير من الأقطار العربية؟ وهل تستطيع دول مجلس التعاون الخليجي أن تصمد كجبهة رافضة للتهميش واللامبالاة وتستعيد بريقها لتكون رقما صعبا في المنظومة العالمية؟

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك