النبي

مريم العدوية

تعرض حالياً دور السينما فيلم التحريك (الأنيميشن) "النبي" المستوحى من كتاب للأديب والشاعر اللبناني جبران خليل جبران يحمل ذات الاسم، ويُعد من أكثر الكتب مبيعاً في العالم. تتقمص شخصية "مصطفى" في النصوص رسالة النبي المؤمن المتصوف، حيثُ تكون مهمته إلهام النّاس وإرشادهم إلى البحث عن الحب والحياة والرب في أعماقهم. يتميز فيلم (النبي) بالنصوص التي تأخذك منها إليك لتأوي إلى روحك؛ فإن كان قد سبق لك وقرأت النبي ووجدت نفسك بديهياً تحاول حفظ الكثير من عباراته، فإنك تستطيع أن تُرخي السمع والبصر والقلب لشاشة السينما وتستمتع بالكلمات المغناة المصحوبة بالموسيقى وتلك الدروس الرائعة التي يُلقيها مصطفى بين الفينة والأخرى على الناس الذين طوال الفيلم يكونون إلى جانبه في محاولة منهم لمساعدته لينال حريته بينما هو يزدري كل شيء ويرى بأنّ حريته في أعماقه ولا يمكن لأي قضبان أن يتمكن منها.

وقد تبدو مدرجات السينما خلال عرض هذا الفيلم للوهلة الأولى شبه خالية لك، وهذا من البديهي حيثُ من الصعب أن يتذوق كلمات "النبي" ويستمتع بهذا العمل الرائع إلا من كانت له أذن ترهف السمع وتتذوق الكلمات وتؤمن بأنّ للحروف روح تخرج من قلب صاحبها لتصب الشهد في كل أذن تقع عليها والحب والطمأنينة لكل قلب تلامسه وتجعله يؤمن بفتيلها ويشعل منه جذوة هدايته في الحياة. ويستطيع القارئ لجبران خليل جبران أن يلمس التشابه الفكري بين "النبي" و"هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه حيثُ إنّ البحث عن السر الكامن في الحياة والنفس الإنسانية هو القاسم المشترك بين الكتابين إلا أنّ النبي يتميز ببساطة تُحسب له لا عليه.

كما أنّ القارئ لـ "النبي" يستطيع أن يجد جبران الأديب والشاعر والحكيم والفيلسوف في آن واحد.

تتلخص قصة النبي بشخصية مصطفى الذي ظل يترقب سفينة العودة من أورفيلس اثنتي عشرة سنة ليركبها ويعود إلى وطنه الأم، حيث كان مسجوناً فيها بتهمة تحريض الناس بكتاباته التي كانت السلطات تراها ثورية بينما هو يراها تنويرية، وذلك من خلال الفتاة الصغيرة التي يلتقيها مصطفى وعمرها ثماني سنوات في السجن السياسي وتقوم الصغيرة بخيالها الواسع بتحريك مجرى أحداث القصة من خلال مرحلة التحول لبطل القصة بعد إطلاق سراحه من قبل حاكم الجزيرة وكيف يستطيع مصطفى مساعدة النّاس.

وخلال تسلسل أحداث القصة يطلب الناس من مصطفى كلما قابلوه آراءه التي يلقيها عليهم على هيئة خطب مدججة بالكثير من الحكم والأمثال والكلمات العميقة، ومن مثال ذلك قوله في الأبناء: "أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنّهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنّهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم". كما قال في العمل: " طالما أُخبرتم أن العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة. أما أنا فأقول لكم بأنكم بالعمل تحققون جزءاً من حلم الأرض البعيد، جزءاً خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم. فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة؛ لأنّ من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها، وتدنيه من أبعد أسرارها".

الجدير بالذكر أنّ نجمة هوليود سلمى حايك الأمريكية من أصل مكسيكي انتجت هذا الفيلم وقدمته وبرفقة مجموعة من النجوم في مهرجان (كان السينمائي)، حاملة معها رسائل رواية "النبي" الإنسانية والفنية قائلة: بأنها تحن لأصلها اللبناني وأن الفيلم هو رسالة حب من لبنان للعالم ودعوة للوحدة". كما تناوب على إخراج الفيلم تسعة مخرجين عالميين منهم : توم مور والإماراتي سعيد حارب وغيرهم.

"جبران خليل جبران، أديب تخطى حدود الزمان والمكان واللغة، فكان لبنانياً ثم عالمياً كتب بالعربية والإنجليزية وتعانق عنده القلم والريشة ليعطي الروائع والرسوم.

هو المثقف المصلح الداعي إلى النهضة بأسلوب سهل ولغة مرنة، طيّعة ليكون قريباً من قرائه وليس غريباً عنهم.

"لم تقف نهضة جبران عند حدود الوعظ، بل أتبعها بتشريعات لمجتمع جديد مثالي بعيداً عن أمراضه الاجتماعية والأخلاقية وتقوم هذه التشريعات على المحبة والعطاء والعمل والعدل والحرية". هكذا لخص دار الفكر اللبناني سيرة جبران على ظهر كتابه "النبي"، أجدني أعود إلى تلك الكلمات كلما أخذتني كلمات جبران للبعيد وتساءلت عن كينونة هذا الأديب بل قل هذا المفكر الجهبذ.

تعليق عبر الفيس بوك