قراءة في مسح الخريجين

مدرين المكتوميَّة

الناظر لنتائج مسح الخريجين - الذي نظمته وزارة التعليم العالي، مؤخرًا- يصطدم بأنَّ هناك كمًّا مهولا من الخريجين لا يعمل، بل تكاد تصل هذه النسبة إلى 46%؛ وهذا يعني بوضوح لا لبس فيه أنَّ نصف مخرجاتنا التعليمية تقريبًا لا تجد وظائف تتناسب ومؤهلاتها؛ الأمر الذي ينذر بقرع ناقوس الخطر، ويُثبت بما لايدع مجالا للشك أن هناك خللا واضحا يشوب عملية التخطيط وعدم الانسجام بين شواغر وحوجة سوق ومخرجات التعليم المختلفة.

سأسوق هنا مثالا بسيطا على سبيل الدلالة لا الحصر، فمثلا لو أمعنا النظر قليلا في تخصص التصميم الجرافيكي سنجد أنَّ هناك مئات من خريجي هذا التخصص خارج سوق العمل ولاتوجد شواغر لهم؛ وذلك لأنّ حجم هذا السوق التخصصي صغير نسبيا ومُتشبِّع بكم وافر من الكوادر الجيدة في هذا المجال. في حين أنّ هناك تخصصات نحن في أمس الحاجة إليها، خاصة في مجال تقنية المعلومات، بجانب أن هناك حاجة ماسة في فئة الأطباء؛ حيث إننا نعاني من نقص شديد في عدد الأطباء، وهناك العديد من التخصصات التي يجب استحداثها في الفترة المقبلة؛ خاصة وأننا مقبلون على مشاريع ضخمة، وحتى نمكن أبناء الوطن من هذه الوظائف ورفع نسبة التعمين؛ علينا أن نركز منذ البداية على تعليم وتدريس واستحداث برامج وتخصصات مختلفة تواكب الطفرات المستقبلية، كتشغيل السكك الحديدية والمطارات والمنطقة الصناعية بالدقم، وحتى دار الأوبرا السلطانية؛ لذا يجب أن تبدأ الجهات المعنية بالتخطيط الفعلي في الاهتمام بالتخصصات واستحداث برامج جديدة تتناسب مع المرحلة المقبلة، كما لابد من إجراء مراجعة شاملة والوقوف عند أهم الاحتياجات المستقبلية التي تساعد الخريج على الحصول على وظيفة.

هناك أمر آخر ربما يغيب عن بال كثير منا؛ وهو أنّ هناك نسبة كبيرة من الطلاب ينتمون لمؤسسات التعليم العالي لكن على نفقتهم الخاصة، وأغلب هؤلاء ينتمون لأسر محدودة الدخل؛ مما يدفع أسرهم للجوء إلى العديد من الخيارات لأجل ضمان حصول أبنائهم على فرصة دراسية يضمنون من خلالها الحصول على وظيفة؛ ومؤكد أنّ ذلك يضطرهم لبيع ممتلكاتهم أو رهن منازلهم حتى وغيرها من الحلول الحتمية.. ويظل ربّ الأسرة ينتظر خمس سنوات متواصلة حتى ينهي ابنه دراسته، ومن ثم مساعدة الأسرة على تحسين مستواها المعيشيّ.. فهناك كثير من الأسر التي أصابها الإحباط بسبب أنَّ مخرجات أبنائها التعليميّة لا تتناسب مع الوظائف المطروحة؛ لذلك يجب أن تقف الوزارة وقفه جادة، وأن تصب جلَّ اهتمامها على مواكبة التخصصات وربطها بسوق العمل الداخلي والخارجي، وأن نراهن على مخرجاتنا التعليمية أمام الجميع؛ وذلك باتخاذ ملموسة في سبيل البحث عن متطلبات المرحلة المقبلة التي تحمل في طياتها كثيرا من الفرص الوظيفية المرموقة، والتي تحتاج بدورها أيضا إلى التأهيل والتدريب.

... وحقيقة الأمر: علينا أن ننظر للكادر البشري قبل التفكير في البناء، أي قبل أن نفكر في بناء مستشفيات ومبانٍ مختلفة خدمية، علينا أن ننظر للكادر الوطني الذي سيعمل فيها ويشغل شواغرها، وهذا بالطبع يحتاج منا لتنسيق واهتمام من قبل المؤسسات والقطاعات بأكملها.

ويبقى القول إنّ تكاتف الجهود أمر ضروري في المرحلة المقبلة، كما أن الاهتمام بالعقول قبل تشييد الصروح سيساهم في إيجاد الحلول والوظائف وتقليل نسبة العاطلين والباحثين عن عمل، وهو ما ناشد به حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- حين قال: "إنَّ الاهتمام بالموارد البشرية وتوفير مختلف الوسائل لتطوير أدائها وتحفيز طاقاتها وإمكاناتها وتنويع قدراتها الإبداعية وتحسين كفاءاتها العلمية والعملية هو أساس التنمية الحقيقية وحجر الزاوية في بنائها المتين القائم على قواعد راسخة ثابتة؛ إذ أنَّ العنصر البشري هو صانع الحضارات وباني النهضات".

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك