بهجة الأيتام

سالم الكثيري

في زيارة لمكتب جمعية بهجة العمانية للأيتام، التقيت الشيخ عبدالرب اليافعي من مؤسسي الجمعية ورئيس مجلس إدارتها، وفي جلسة عابرة تبيَّن لي أنه بمجرد الإعلان عن قيام الجمعية كان هناك الكثير من أهل الخير المتلهفين لسماع مثل هذا الخبر والمستعدين للتبرع على الفور. وأنه في الزيارات الأولى للتعريف بالجمعية تبرَّع فاعل خير بقيمة إيجار مقر الجمعية دون السؤال حتى عن تكلفته، وتبرع آخر بتكلفة التأثيث دونما مفاصلة على السعر، وهكذا وجدت الجمعية الترحيب بفكرتها المتمثلة في أنبل القيم الإنسانية.

وقد قرأتُ في وُجوه موظفي الجمعية والمتطوعين الفرحة والسعادة التي نبحث عنها نحن في حياتنا وأعمالنا، وكأنني بهم يتخيلون بسمة طفل يتيم أو أم أرملة وهم يستكملون تعبئة استمارة الكفالة من فاعل خير قد وفقه الله لهذا العمل العظيم في إسعاد هؤلاء الذين يستمدون عملهم من نهج النبوة ومن تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.

وللوقوف على تفاصيل أكثر عن الجمعية، قمتُ بالدخول إلى موقعها الإلكتروني (www.bahjah.net) الذي يحوي كل ما يتعلق بها من أهداف متمثلة على المدى القصير في توفير أوجه الرعاية المعنوية والنفسية والمادية للأيتام، وإلى تأسيس مشاريع وقف خاصة بهم، وإقامة الأنشطة الثقافية والتوعوية، وعلى المدى الطويل في افتتاح أفرع لها في مختلف محافظات السلطنة.

وقد اتضح لي أنَّ الجمعية لم تكتفِ بالطرق التقليدية في الإدارة بل أولت اهتماما كبيرا للجانب الإلكتروني بالتوازي مع العمل المكتبي، فبالإضافة إلى صفحتها الرئيسية على الإنترنت لديها حساب على الفيسبوك وتويتر، ويتم من خلال كلِّ هذه المواقع نشر مختلف الأخبار والتقارير والفعاليات المتعلقة بالجمعية والتواصل مع جمهورها، وأخذ آرائهم ومقترحاتهم، كما أنها عملتْ على تبسيط إجراءات التبرع بشكل نموذجي؛ حيث يُمكن للمساهم تعبئة استمارة كفالة اليتيم إلكترونيا. كما أنَّها أعلنت مؤخرا بالتنسيق مع الشركة العمانية للاتصالات عن تخصيص الرقم (90021) للتبرع؛ بحيث يُستقطع ريال عماني على كل رسالة لصالح الجمعية، وهو ما يسهل الأمر على الراغبين في المساهمة دون الذهاب إلى مقر الجمعية، إضافة إلى تخصيص البطاقة الذكية للتموين الغذائي التي تمكِّن المستفيد من التسوق بها المحلات التجارية، وتتيح له حرية الاختيار، وهو ما يقلل الجهد ويجنب الجميع مسألة التخزين التي قد تؤثر على الأطعمة بمرور الوقت.

... إنَّ هذا العمل الرائد هو ثمرة جهود تطوعية تراكمية بدأت منذ العام 2006م. وتمثلت نواته الرئيسية في مشروع بهجة الأيتام الحاصل على جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي عام 2013، لصاحبته ابتهاج اليافعية، وتطوَّر ليشهر كجمعية قانونية في العاشر من فبراير 2014م؛ استنادا للمرسوم السامي رقم 14/2000. هذا هو العام الثاني للجمعية، ورغم عمرها القصير فإنَّ جهودها قد أثمرت -ولله الحمد- حيث يصل عدد المكفولين إلى أكثر من ثلاثمائة، إضافة إلى إقامة الفعاليات المختلفة التي تركز على دمج الأيتام في المجتمع والتنسيق مع الكثير من الشركات المختلفة التي قامت بتقديم الدعم للجمعية والتي لا يتسع المجال لذكرها.

... تحيَّة إجلال وتقدير للقائمين على هذه الجمعية وتكاتفهم منقطع النظير، وجزاهم الله عنا خير الجزاء أن ذكَّرونا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى". وهنا أستذكر مع القراء الكرام أننا يُمكننا المنافسة على هذا الشرف من خلال رسالة نصية بقيمة ريال فقط أو تحويلة مالية بمبلغ لا يزيد على 25 ريالا شهريا، وهي مبالغ لا تساوي شيئا مقابل ما يتم صرفه يوميا على الكثير من الأمور الاستهلاكية. وكل الشكر والتقدير لكل الداعمين والواقفين وراء هذا النجاح من أفراد ومؤسسات حكومية وأهلية وخاصة، ونتمنى أن نرى فروعها منتشرة عمَّا قريب في مختلف محافظات السلطنة.

ليس لدينا شكٌّ أن السواد الأعظم من الناس يرحبون بهذا الجهد، وأن الجميع مُستعد للمشاركة فيه، خاصة مع الإعلان عن قيامه بشكل قانوني ومنظم. كيف لا ونحن مجتمع التكافل والعطاء والرحمة! كما أننا نفخر بمثل هذه الأفكار الإنسانية العظيمة، ونثق كل الثقة أنها قامت لتبقى، فهي بمثابة نبع الماء الذي ما إن تُزاح عنه الأتربة والأحجار حتى يندفع بقوة وينساب في جداول جميله تغمر كل البقاع؛ فهكذا هي بذرة العطاء في الأرض الخصبة، تكبُر مع الأيام، ويعظُم شأنها، ويعم خيرها دونما انقطاع.

تعليق عبر الفيس بوك