أنبوب الغاز وصحن التبولة

حمود بن علي الطوقي

من البديهي جدا أن تشخص كل الندوات والمؤتمرات والجلسات الحوارية التي تنظم في السلطنة واقع الاستثمار فيها؛ ومنتدى الرؤية الاقتصادي الذي عقد أمس بتنظيم من جريدة الرؤية أيضًا ناقش العديد من المحاور الاقتصادية المهمة التي تحد من الاستثمارات وتعرقل تنفيذ مشاريع حيوية ومهمة في الاقتصاد القومي.. المنتدى شهد حضورًا كبيرًا ولافتًا بمشاركة شخصيّات اقتصادية ورجال الأعمال من السلطنة وخارجها، كما أنّ المشاركين تفاعلوا مع أوراق العمل التي طرحت على طاولة المنتدى، إلا أنّ الجلسة التي حظيت بنصيب الأسد من المناقشات كانت هي الجلسة الأولى، والتي تناولت شق الاستثمار السياحي، حيث شارك فيها عدد من المستثمرين ورجال الأعمال، وقد اتّسمت بالشفاقية في الطرح والمحتوى، واتفق المشاركون في المداخلات التي أعقبت الجلسة الحوارية على أنّ الخالق عزّ وجل حبا السلطنة بكم زاخر من المقومات السياحية والاستثنائية، وأنّ عمان تنفرد دونًا عن سائر الدول الخليجية والعربية بهذه المقومات، ولكن إن لم تحسن الحكومة استغلالها بتذليل التحديات وإزاحة البيروقراطية والعقبات التي تقف عائقا أمام تطوير قطاع السياحة فإنّ ذلك سيؤدي إلى نفور المستثمرين الأجانب وهروب رأس المال الوطني للخارج. وأكّدت الدكتورة هدى عبدالغفور وهي مستثمرة من المملكة العربية السعودية تنشط أعمالها في مجال التنقيب عن النفط والمعادن- أكدت في مداخلتها أنّ المقوّمات السياحيّة التي تتميز بها السلطنة فريدة من نوعها، مشيرة إلى أنّ السياحة من أفضل الاستثمارات أوكثرها ربحا ورفدا لخزينة الدولة، وأن السلطنة تتمع ببيئة بكر، ويمكن أن تستفيد من السياحة أكثر من أية استثمارات أخرى، مستدلة بذلك على أنّ صحن التبولة أغلى من أنبوب الغاز؛ في إشارة صريحة إلى أنّ المردود السياحي أفضل من الاستثمارات في مجالات النفط والغاز والمعادن.

ما زالت مساهمة السياحة في الناتج القومي العماني لا تتعدى 2% وهذا رقم متواضع جدًا في بلد بحجم وتاريخ عمان، لديها كل المقومات والمميزات الكفيلة برفع نسبة مساهمة السياحة في الناتج القومي.

كشفت الجلسة الحوارية أيضًا عن جاهزيّة السلطنة لإطلاق مشاريع عملاقة في مجالات مختلفة خاصة أنّ الحكومة جادة في طرح حزمة من المشاريع الاستثماريّة الجديدة في عدد من المناطق والمحافظات العمانية، اللافت أيضًا من خلال المداخلات مطالبة المسثمرين بضرورة تشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإدارة بعض المشاريع المكملة؛ فهذه المؤسسات من شأنها أن تسهم بشكل إيجابي في قيادة القاطرة الاقتصادية لأنّ عملها يعتبر ضروريًا ومهمًا ومكملا للمشاريع الكبيرة التي تقام وتحتاج إلى من يدير بعض المرافق.

كان لابد لي من طرح مداخلة فقد كنت على مدى أكثر من عشرين عاما متابعًا للملف الخاص بالاستثمار السياحي، وتمحورت مداخلتي حول عزوف رجال الأعمال العمانيين وصناديق الاستثمار- إلا ما ندر- عن توجيه دفة استثماراتهم إلى داخل السلطنة، فهناك العديد من الاحتياجات التي يتطلبها وينشدها السائح وبإمكان رأس المال الوطني الاضطلاع بذلك، كما أنّ هناك قرابة 11 مليار ريال عبارة عن دائع في المصارف وهي أموال معطلة لابد من فك القيود عنها، وتوجيهها نحو الاستثمار خاصة الاستثمار السياحي.

لقد نجح منتدى الرؤية الاقتصادي في نسخته الرابعة نجاحا منقطع النظير في تحريك ساكن البركة عبر طرحه وإثارته عددا من الأسئلة الحقيقية أمام الحكومة، وهذه الأسئلة لا شك أنّها محل تقدير من قبل صناع القرار، لذا يجب أن يترجم ما يثار في مثل هذه الندوات والمنتديات على أرض الواقع، ولابد أيضا أن تلقى مطالبات وملاحظات المستثمرين أذنًا صاغية إذا أردنا أن نخطو خطوات متقدمة في مجال جذب الاستثمارات وتنمية العلاقات التجارية مع من يطرق أبواب الأنشطة الاقتصادية في السلطنة.

هناك نقطة مهمة أخرى يجب ألا نغفلها؛ وهي إجماع رجال الأعمال والمستثمرين والمشاركين في الندوة على أنّ السلطنة من أفضل البلدان التي يسعى إليها الجميع؛ بل تعتبر الأفضل نظرًا لما تتمتع به من بيئة غنية، واستقرار سياسي وأمني واقتصادي.. وهذه أهم المقومات الاستثمارية التي ينشدها المستثمر في أي بقاع الدنيا.

تعليق عبر الفيس بوك