وزارة السياحة والصيف

أحمد الرحبي

لا نملك نحن القاطنين في هذه المنطقة التي تخضع لتقلبات مناخ صحراوي قاسٍ وحار أغلب شهور السنة، حيلة لمقاومة مزاج الصيف السيء في المنطقة أو تغيير شيء في الأمر، وها هو الصيف يعود - وما أدراك ما الصيف - أو إنه يستأنف مسيرته الطبيعية بعد خفوت أو استراحة -استراحة محارب- لثلاثة أشهر قضاها ربما لتجديد طاقته الجبارة وقسوته التي لا تضاهى، قسوة تتمثل في طقس يومي حار سواء كان جافا شديد الحرارة، أو رطبا خانقا شديد الرطوبة، يستمر بشكل متوال طوال المدة التي يمكثها الصيف بين ظهرانينا، فلقد بدأت منذ أيام بوادر الصيف ومظاهره التي لا تخطئوها العين أبدا، استعدادا لتنفيذ هجومه الكاسح بكل ألويته ومفارزه، وذلك للتموضع في المنطقة كأمر واقع يستمر طويلا، قد يطول بدون وهن منه لأكثر من ثمانية أشهر من السنة.

لكن برغم هذه القسوة للصيف والطاقة الزائدة التي يصبها على جلودنا ليل نهار، لم يستسلم سكان المنطقة لمصيرهم في الماضي ليكونوا مجرد ضحايا بائسة لهذه القسوة التي يقذفها الصيف في وجوههم، فلقد امتلك إنسان هذه المنطقة طوال تاريخه على هذه الأرض، القدرة على التكيف لصد قسوة الصيف وهجومه القاسي، أو ما يمكن وصفه بالتأقلم مع حدة الصيف وتقليل الخسارات في المواجهة معه، وقد وجد إنسان هذه المنطقة -وأقصد هنا السلطنة بالتحديد- في تنوع التضاريس المساعد لتحقيق نوع وإن بدا هشا بعض الأحيان من التكيف والتأقلم مع الصيف، فقد شكل اعتماد العمانيين على الاستفادة من بعض المناطق التي تقع سواء في السهول الزراعية أو في الأودية والواحات، كمصايف يلوذون بها هربا من هجمة الصيف في مناطق الساحل كنوع من الحل يفي بالغرض في مواجهة شراسة الصيف في تلك الفترة التي لم تتوفر لديهم فيها رفاهية الكهرباء بعد.

وطالما أن السفر إلى خارج السلطنة الذي ينفذ كهروب من وطأة الصيف قد لا يستطيع في الالتزام بأعبائه المالية إلا من استطاع إليه سبيلا، فإنه لا بد في هذه الحال أن تلعب وزارة السياحة دورها المهم والملزم في نفس الوقت في توفير الملاذات والمرافق السياحية التي تساعد المواطنين والقاطنين داخل السلطنة في قضاء أشهر الصيف القاسية بشكل مريح بعيدا عن المعاناة الصعبة التي يسببها ارتفاع درجة الحرارة وقسوة الجو في الصيف، في بعض الأماكن من الجغرافيا العمانية، والتي تتوفر فيها ميزات أجواء منعشة برغم حضور الصيف الذي يحاصر المكان، كون وزارة السياحة تعتبر الجهة الوحيدة التي تتصدى لمهمة التسويق والترويج بالإضافة إلى الإشراف المباشر في التوفير والتنظيم داخل عمان وخارجها لمنتج عمان السياحي.

ولاشك أن بعض المناطق العمانية تزخر بأماكن كثيرة ملائمة من حيث اعتدال الجو في الصيف تتيح قضاء فترة فصل الصيف بعيدا عن قسوة الحرارة وشدة الرطوبة، بعضها تم توفير الاستراحات والفنادق فيها المزودة بكل الخدمات والمرافق الضرورية ليتمكن الزائر والسائح من قضاء وقت مريح له ولعائلته، مثل الجبل الأخضر وجبل شمس ومنطقة الاشخرة، أما بعض الأماكن فمازالت تفتقر لأبسط المرافق والخدمات ربما لكونها لم تدرج على قائمة الاستثمار السياحي لدى وزارة السياحة، وذلك ربما لصعوبة الوصول إليها وأقصد هنا على سبيل المثال الأماكن الواقعة في سلسلة جبال الحجر الشرقي تحديدا، والمطلة على مناطق فنس وبمه وطيوي، حيث إنّ الزائر لهذه الأماكن في الصيف برغم الصعوبة التي يتجشمها للوصول إليها، بإمكانه اكتشاف فارق درجات الحرارة بينها وبين مسقط أو قريات التي تغلي في الصيف بفعل حرارة الجو كأنما في قدر ماء ساخن، وقد عايشت بنفسي هذا الاكتشاف الجميل لدى زيارة لي لهذا الجزء من جبال الحجر في فترة الصيف، حيث تستقر درجات الحرارة في هذه الأماكن في عز الصيف في مستوى العشرينيات مع طلة رائعة تعانق زرقة البحر وسقف السماء الواطئ المفتوح المدى، وهذه الميزات من اعتدال درجات الحرارة في الصيف ربما تكاد تتميز بها أماكن كثيرة واسعة في بعض القمم الشاهقة للحائط الجبلي العظيم لسلسلتي جبال الحجر الغربي والحجر الشرقي الممتدة من مسندم وحتى رأس الحد، بانتظار أن يشملها الجهد الخلاق لوزارة السياحة بتوظيفها في الاستثمار السياحي والاستفادة من سحر المكان الذي تتميز به ومن ميزاتها الطبيعية.

وبرغم ما سلف الحديث عنه من دور يجب أن تلعبه وزارة السياحة في توفير المرافق والملاذات لمواجهة قسوة الصيف، وبرغم أن الوزارة تبلي بلاء حسنا في الحقيقة في تنفيذ الاستراتيجية السياحية الطموحة، وهي ماضية في ذلك برغم البطء والعثرات التي تواجه هذه الاستراتيجية، إلا أن الإشكالية العميقة التي تعاني منها وزارة السياحة منذ إنشائها، تتركز في لا واقعية عجيبة من حيث مفهوم تطوير السياحة في السلطنة، ففي الوقت التي تركز جل خطط التطوير السياحي في السلطنة والاستراتيجية الأخيرة المنبثقة عنها على نوعية خاصة عالمية من السياح ترتبط ظروف مجيئهم أو عدم المجيء أولا بالموسمية والتي تتمثل في الثلاثة الأشهر التي يكون فيها الجو ملائما بشكل نموذجي للسائح الذي ضاق ذرعا بشدة برودة الشتاء القارس في بلاده، ثانيا بمدى مفعولية الترويج والتسويق السياحي الذي قامت به الوزارة طوال سنة كاملة في إقناع السياح للمجيء، ثالثا مدى تهيؤ السلطنة وهي مازالت تخطو خطواتها الأولى في السوق السياحي العالمي، للمنافسة في سوق ترويجي وإعلاني شرس إذا جازت العبارة، تنتشر بين أجناب هذا السوق حمى المنافسة للترويج لأجمل البقاع والأماكن التي تزخر بالميزات الطبيعية الساحرة على الأرض، نقول ففي الوقت الذي يجري التركيز عليه في استراتيجية التطوير السياحي في السلطنة، هو السائح العالمي، يجري استبعاد السياحة الداخلية والسائح المحلي نهائيا وعدم وضعه في البال مطلقا، والدليل على ذلك أن معظم الاستراحات والفنادق والمرافق السياحية في السلطنة تظل خاوية بلا نزلاء طوال السنة بسبب خرافية الأسعار والتي يصل ثمن الحجز فيها إلى سقوف عالية هي ليست بمتناول القوة الشرائية للعماني والمقيم في السلطنة، فنتمنى أن تنظر وزارة السياحة إلى الأمر بمنتهى الواقعية، وبعض التواضع، وبعيدا عن عقدة الخواجة المرتبطة بتفضيل السائح الموسمي الغربي على السائح المحلي، لتكتشف عندها بدون عناء، بأن السياحة الداخلية تعتبر هي محرك قاطرة التطوير والاستثمار السياحي الحقيقي بزخم المواطنين الكبير من أمثالي الذين يتوقون للهروب من قبضة الصيف الخانقة، ويتمنون أن يسيحوا في بلادهم، طالما أن العين بصيرة واليد قصيرة في تحقيق أمنية السفر، هربا من قبضة خانقة لصيف حار لا يطاق!

تعليق عبر الفيس بوك