راجعنا بعد شهر

خالد الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

"تعال بعد شهر" عبارة محفوظة عن ظهر قلب لاسيما عند موظفي وزارة الإسكان بصورة خاصة، والأمر سيان إذا راجعت الوزارة بمحافظة مسقط أو حتى في المديريات التابعة لها، وللأمانة أنني لم أتقول عليهم ولكن ياما سمعتها بنفسي مباشرة من لسان الموظفين أو نقل إليّ بالتواتر من عامة الناس.

وقد يقف القارئ ويقول إنك قلت عامة الناس ووقفت ولم تذكر خاصتهم ومع أني لا أؤمن أن هناك عامة وخاصة فكل البشر سواسية إلا أن الواقع يقول شيئا آخر حيث إن هناك من لا يراجع كل يوم ولا يقال له راجعنا بعد شهر ولا يقف في طابور ينتظر الدور فالخاصة الخاصة يقوم بالتنسيق مع أكبر مسؤول في الوزارة والمديرية ويتم انتظاره واستقباله وإنهاء معاملته وهو يشرب كأس من الشاي أو القهوة وفي الصيف عصير برتقال طازج أو ما يحب وفي الغالب لا يحضر للمراجعة وإنما يرسل مندوبا عنه، ومن هم دونهم أهمية ومثلهم حظا سيجدون صديقا أو قريبا أو من قبليتهم وسيدخلونهم من الباب الخلفي وستخلص معاملتهم، ولكن بدون شرب أي شيء، وهناك فئة أعوذ بالله منهم عندهم من الخبرة والتجربة في معرفة من يمكن أن يدهنوا السير معه، وهناك فئات أخرى وهم أصحاب الألسنة الطويلة والذين تسمع صوتهم من الخارج أيضا يكون هذا شافعا لهم في بعض الأحيان لتخليص معاملتهم بسرعة وإعطائهم ما يرغبون فيه، ومن لا يصدق يسأل أي موظف من موظفي اللجنة العليا لتخطيط المدن المنحلة (تدمير المدن) حيث من على صوته مُنح تعويضات أكثر مما يتخيّل من الأراضي السكنية والتجارية والصناعية عن مزرعته الخراب وأقصد هنا طريق الباطنة الساحلي وتعويضاته، لنصل في النهاية إلى من يراجع بعد شهر وهم العامة المغلوب على أمرهم والضعفاء والفقراء والمساكين الذين يقطعون عشرات الكيلومترات ذهابا وإيابا ليسمعوا جملة "راجعنا بعد شهر" وسمعت بأذني اللتين سيأكلهما الدود يوما مراجعا يسأل الموظف: "وهل لما أراجع بعد شهر سيكون موضوعي منتهي" فرد عليه الاخر " لا بس راجعنا"!!!

إنني أجزم وأكاد أكون متأكدا أننا لن نرى أي مسؤول من مسؤولينا يقف في طابور ينتظر دوره في إنهاء معاملته الحكومية؛ وما أكثرها، ولن نرى من يدهن السير تتأخر معاملته، ولا من يعرف فلانا أو علان ستتوقف معاملته لمدة سنة أو سنتين. ويحلف لي أحدهم أن له معاملة في الإسكان منذ أكثر من ست سنوات لم تر النور بعد، وهنا نتساءل هل الوزارة عندها نقص في الموظفين أو المعدات والأجهزة أم أين الخلل بالضبط، أم أنّها كبرياء الخدمة التي تقدم؟ أم أن في الأمر سرا لا ندركه نحن عامة الناس.

" راجعنا بعد شهر" وغرور وتكبر بعض الموظفين والشراسة في التعامل مع المراجعين مرجعه إيمانهم التام أن هؤلاء المراجعين مغلوب على أمرهم، ولو كانوا مهمين لما وقفوا على رأسي أصلا، فما داموا كذلك فلماذا أكلف نفسي عناء التعامل معهم برقة ولطف وأدب.

لو وقف المسؤولون عندنا في الدولة كلهم بدون استثناء ينتظرون دورهم للحصول على الخدمة لتحسّن عندنا تقديم الخدمة، ولما راجعنا بعد شهر، ولما تأخرت المعاملات سنوات، وفي هذا الخصوص اذكر أنّي قرأت أنّ وزير البريد في ألمانيا الغربية منذ سنوات ذهب إلى مكتب بريد ليشتري طوابع ووقف مع العامة، وهاله ما رأى من وقاحة الموظفين واستهتارهم، فقام على الفور بحملة واسعة استهدفت تعليم الموظفين الأدب عن طريق الكتيبات الإرشادية والملصقات والندوات وبعض الإجراءات الصارمة، وأثمرت الحملة فأورقت وجوه موظفي البريد في ألمانيا فجأة بالبسمات والضحكات واستعانت بقية الدوائر بالكتيبات التي استخدمت في الحملة، كل هذا لأنّ وزيرًا اشترى الطوابع بنفسه ولم يرسل الفراش.

"راجعنا بعد شهر" جملة هي بسيطة عندما تخرج من اللسان وفي نفس الوقت هي صعبة على المراجع الذي ترك عمله وارتباطاته وأضاع جهده ووقته وخسر أمواله ليسمع في النهاية "راجعنا بعد شهر".. وإلى أن تنتهي سالفة الشهر أقول لكم اهتموا بالضعفاء أمّا الأقوياء فهم قادرون على الاهتمام بأنفسهم.. ودمتم ودامت عمان بخير.

تعليق عبر الفيس بوك